من معاييرِ الدولة وجودُ استراتيجيات وطنية لمختلفِ الهيئات والمؤسّسات خدميةً أكانت أَو إيرادية، وهذا ما تفتقر إليه الكثيرُ من مؤسّساتنا العامة.
أسبابُ غياب هذه الاستراتيجيات يعودُ إلى تعمُّد الأنظمة الحاكمة السابقة لتغييبِ العمل الاستراتيجي المنظَّم؛ خشيةَ تعارضها ومصالح القائمين عليها وأهواءهم، ولأسباب ذات علاقة بتدخلات دول الهيمنة والوَصاية والتبعية التي من مصلحتها إفشال وإضعاف الشعوب والحكومات خشية من نهضتها.
صحيحٌ أن ثورة الـ21 من سبتمبر الفتية انتصرت على خصومها سياسيًّا وعسكريًّا، واستطاعت هزيمتَهم وكشفهم أمام الشعب اليمني، لكنها لا تزال تعاني من تَرِكَتِهم داخل مؤسّسات الدولة وطرقهم وأساليبهم الفادحة في إدارتها، وهذا المعيارُ الذي يُعوَّلُ على الرؤية الوطنية في بناء الدولة اليمنية الحديثة إيجادُه.
بطءُ حركة تنفيذ الرؤية الوطنية ومدوّنة السلوك الوظيفي في هذا المضمار هو أَيْـضاً يحتاجُ إلى إعادة تقييم ومراجعة سريعة، قبل فواتِ الأون، لمعرفة الأسباب والعوائق ومن يقفُ أمام عجلتها ويحاولُ إيقافَها في حدود لا تتعدى مصالح لوبيات القائمين على تلك المؤسّسات، وصلتهم بمخطّطات الأعداء وإن بشكل سري، ولو لم نشعُرْ به حين تغيبُ الأدلة، أَو تضعُفُ الخِبرة.
نجاحُ قيادة الثورة والمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني في إدارة المؤسّستين الأمنية والعسكرية ووضعها لاستراتيجيات وطنية أثبت الميدان تميزها وفاعليتها قدّم نموذجاً فريداً يعزِّزُ من تعويل الشعب عليها في تحقيق النجاح والتقدم في مختلف المؤسّسات التي لا يزال العدوُّ وأدواته يستثمرون ضَعفَها وتردي أدائها لتشويه الحكومة والثورة وزرع الإحباط واليأس في نفوس المواطنين بل والدفع بهم باتّجاه خلقِ حالةٍ من سخطِ الشارع يستطيع العدوُّ توجيهَه وقيادتَه لخلط الأوراق والضغط من خلاله على القيادة السياسية كما يجري في الشارع الإيراني.
إذا ما تأملنا في أداءِ بعض المؤسّسات ذات الصلة بالقطاعات الصحية الزراعية والاقتصادية والقضائي والكثير من الجوانب الخدمية وذات العلاقة المباشرة بالحياة اليومية للمواطن فسنجد أن عدمَ وجود الاستراتيجيات الوطنية لإدارة أنشطتها سبب رئيسي في الواقع التي لا تزال عليه، وبهذا الحال نحن نقدم هديةً مجانيةً وفرصاً لا تعوَّضُ للعدو يمكنه الاشتغالُ عليها لتنفيذ أجندته التي لا يقل خطرُها عن حربه العسكرية وأسلحته المدمّـرة والفتاكة.
كما هو الاستمرارُ في التفرج على الحالة الصحية لهذه المؤسّسات وطرق إدارتها بذات النهج العشوائي، أَو تكراره عبر القوانين الموجودة والملغّمة من قبل المشرِّع الذي أثبت الواقع قُصورَه على مختلف الأصعدة، دون تحَرُّكٍ جدي وفاعل لتقديم المعالجات المناسبة، فهذا يضعُ مؤسّساتنا في حالة موت سريري ويعجّل بنعوشها.
وخلال هذه المرحلة التي حوّل العدوانُ الأمريكيُّ السعوديُّ وأدواتُهم حربَهم من عسكرية فشلوا فيها إلى حربٍ اقتصاديةٍ وسياسية ونفسية وثقافية وفكرية وناعمة، يتطلب منا التيقُّظَ العاليَ والتحَرُّكَ الجديَّ للاهتمام بإعداد وتجهيز خطط استراتيجية لإدارتها، وإحداث ثورة مؤسّسية في مختلف القطاعات، تقوم على العلم والمعرفة والخطط الاستراتيجية لبناء دولة حديثة من الصفر.
المصدر: موقع أنصار الله