اجتماع بايدن مع مجلس التعاون الخليجي بحضور مصر والأردن و”إسرائيل” له دلالاته، إذ إنه يجمع كل رؤساء عرب أميركا التقليديين، ما عدا المغرب، للمساهمة في مواجهة كل من روسيا والنفوذ الصيني في المنطقة.
النفط و
النفط و”إسرائيل” ثوابت الاستراتيجية الأميركية في المنطقة
إنها زيارة لملمة المصالح النفطية والسياسية الأميركية، بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، التي أتت على حسابات بايدن وإدارته، إنها الزيارة الأولى إلى المنطقة، التي لا تتم خلالها محاولة إحياء المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، فهي أصبحت خارج حسابات واشنطن، ولم تعد في سلم أولويات الرئيس بايدن لا مع لابيد وحكومته، ولا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في رام الله.
لا شك بأن الرئيس الأميركي سيستأنف المساعدات الأميركية للفلسطينيين، وهو أسمع من يريد سماع الكلام العلني عن التزام واشنطن بـ”حل الدولتين”، وبحق الفلسطينيين والإسرائيليين العيش بسلام والتمتع بحقوق متساوية، إلا أنّ التأييد السافر للاحتلال الإسرائيلي وممارساته، والدفاع عنه يدحض هذه العبارات المنمّقة.
الحفاظ على أمن “إسرائيل”، واستكمال إدماجها في المحيط العربي هو من أولويات الإدارة الأميركية، ويدخل القضية الفلسطينية في طور الضياع.
بايدن لم يتراجع عن القرارات الأحادية الجانب، التي اتخذتها إدارة الرئيس السابق ترامب مثل، الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وشرعية المستوطنات الإسرائيلية. وذهبت إدارته إلى تبرئة “إسرائيل” علناً من مسؤولية اغتيال الصحافية الفلسطينية – الأميركية شيرين أبو عاقلة، إذ لم تجد أي سبب يدعوها للقول إنها كانت عملية مقصودة، بل كانت مجرد حادثة أودت بحياة الصحافية.
لا يريد الرئيس الدخول في صراعات الإسرائيليين الداخلية، ولا مشكلاتهم الاستيطانية مع الفلسطينيين، لأنه يرغب فقط في تجديد التعهد بضمان أمن “إسرائيل” وازدهارها واندماجها المتزايد في المنطقة.
موضوعان أساسيان ورئيسيان في جدول أعماله: الأول، تعزيز التحالف الاستراتيجي الصاعد بين “إسرائيل” ودول الخليج العربية التي أقامت علاقات تطبيعية معها. فـ”إسرائيل” تنسق أمنياً واستخباراتياً مع هذه الكتلة من الدول الخليجية، بعد أن جرى تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة، واعتبار “تل أبيب” جزءاً من “السنتكوم”، أي القيادة الوسطى الأميركية، وهي قيادة مقاتلة تابعة لوزارة الدفاع الأميركية.
التنسيق العملي بين بعض دول الخليج و”إسرائيل” أصبح ساري المفعول على الأرض من أجل التصدي لـ”الخطر” الإيراني.
بايدن يريد تأكيد كسب تأييد “إسرائيل” واللوبي الصهيوني في أميركا، على أمل استرداد قسط من شعبيته المتدهورة، بسبب التضخم وغلاء الأسعار والركود الاقتصادي وانكماش النمو، الذي يواجه إخفاقات داخلية وخارجية دولية، وهو يخشى هزيمة حزبه في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
إدارة بايدن لا تبدي أدنى حماسة لمناقشة سياسية عن المصير الفلسطيني، وحصرت تعاملها مع السلطة الفلسطينية،التي لا تملك سلطة حقيقية على شعبها، في إطار يخدم أمن الاحتلال الاستيطاني. فالقدس المحتلة، أصبحت إسرائيلية، وهو ما لقي تأييداً نهائياً وكاملاً من الإدارات الأميركية.
أما الموضوع الثاني فهو استعادة ألق العلاقة مع المملكة العربية السعودية، التي تطمح إلى شراكة مع واشنطن تؤكد زعامتها، فهي تعدّ نفسها زعيمة العالم العربي، وليست برميل نفط يرنو إليه حكام واشنطن عند الحاجة، فهي ترى نفسها دولة حديثة تنجزمشاريعها التنموية.
بالنسبة إلى بايدن، الاجتماع مع مجلس التعاون الخليجي بحضور مصر والأردن و”إسرائيل” له دلالاته، إذ إنه يجمع كل رؤساء عرب أميركا التقليديين، ما عدا المغرب، للمساهمة في مواجهة كل من روسيا والنفوذ الصيني في المنطقة.
فهل يمكن لهذه الدول، مفردة أو مجتمعة، أن تعيد عقارب الزمن إلى الوراء، بعد كل التطورات التي عاشتها، والعلاقات المصلحية التي نسجتها مع الصين وروسيا؟ زيارة بايدن تأتي في إطارتأثير الحرب الروسية الأوكرانية في المصالح الأمنية الأميركية في الشرق الأوسط، لذلك هناك ضرورة لتحسين العلاقة مع الدول التي يمكن أن تساعد الولايات المتحدة.
الهدف الواضح هو السعي لإقناع السعودية بزيادة إنتاجها من النفط؛ لضبط الارتفاع الحاد في أسعار المحروقات في الولايات المتحدة. إلا أن المراقبين يعتقدون بأن لليبيا، وليس للسعودية، دوراً في إنجاح أو إفشال دبلوماسية الرئيس الأميركي، جو بايدن، النفطية في الشرق الأوسط، لأن زيادة الإنتاج السعودي لن تعني الكثير، إذا ظل إنتاج النفط الليبي غير موثوق به.
تملك ليبيا أكبر احتياطي من النفط في أفريقيا. وضعت السفارة الأميركية خططاً لإنشاء “لجنة ليبيا الخاصة للرقابة “. تشارك الولايات المتحدة في رئاستها إلى جانب بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر.
تخوض الولايات المتحدة حربها في ليبيا ضد عودة الانقسام، إذ أتى تلويح عدة أطراف محلية بوقف إنتاج النفط وتصديره، في عدد من الحقول النفطية والموانئ، ليهدد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، إلا أنه، في المقابل، يخدم مصالح روسيا الموجودة عسكرياً عبر شركة “فاغنر” الأمنية.
يُمثّل اضطراب تصدير النفط الليبي فرصة لروسيا للضغط على الولايات المتحدة وحلفائها. فتراجع الصادرات النفطية الليبية يضغط على أسعار النفط العالمية، ويتجه عكس رغبة واشنطن في دفع الدول المنتجة للنفط إلى زيادة صادراتها، وكبح ارتفاع الأسعار، بينما يصب في مصلحة موسكو التي تجني أرباحاً ضخمة من ارتفاع أسعار النفط.
لذلك، تدفع الولايات المتحدة نحو حوار بين رئيس الوزراء السابق الدبيبة وفتحي باشاغا، المعيّن من قبل البرلمان الليبي، لإنهاء الانقسام، وإنهاء أزمة الشرعية كي تسمح بتصدير النفط الليبي بل زيادته، بما يعني المضي في استراتيجية التخلي عن النفط الروسي.
لا شك بأن النفوذ الروسي راسخ القدم في القواعد العسكرية الرئيسية والمنشآت النفطية وحولها في ليبيا، التي تعدّ عملاق طاقة محتملاً على أعتاب القارة الأوروبية. وكان قادة الاتحاد الأوروبي قد أعربوا عن اهتمامهم بالاستثمار في البنية التحتية للطاقة الليبية لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، لكن الوجود العسكري التابع لموسكو يضع الكرملين في موقف المتحكم في هذه الحسابات المستقبلية، أوعلى الأقل، ورقة للعب في المفاوضات.
تعود الإدارة الأميركية الديمقراطية إلى الانغماس في المنطقة، بعد أن حددت استراتيجيتها التي تبعدها عن المحيط الهادىء، إلا أنّ الصراع مع موسكو أعادها، لكن هذه المرّة، إلى شرق أوسط مختلف تماماً عنه في عقد مضى.
المصدر: الميادين