يعتبر الكيان المؤقت، أن البرنامج النووي الإيراني هو التهديد الإستراتيجي له، لا سيما خلال العام 2022. ووفقاً لهذا الاعتبار، تم رصد حوالي ملياري دولار، كميزانية إضافية لجيش الاحتلال في العام الماضي، من أجل تنفيذ خطة تسلح بصواريخ متطورة، استعدادا لهجوم محتمل على الجمهورية الإسلامية في إيران، خصوصاً إذا ما فشلت المفاوضات النووية في فيينا.
ومن هذا المنطلق، أعدّ باحثون في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي مقالاً، في التقدير السنوي للعام 2022، تحت عنوان: “إيران توشك على الحسم: بين الأزمة النووية والعتبة النووية”.
وهذا النص المترجم:
لقد تميز العام 2021 على مستوى إيران، بالعديد من الأحداث مثل تغيير الرئيس والحكومة، وعقد جولات من المحادثات لم تسفر عن العودة للاتفاق النووي، وتفاقم المواجهة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتوثيق العلاقات مع الصين وروسيا، وبدء الاتصالات لتحسين العلاقات مع دول الخليج، وفي مقابل ذلك زيادة الصعوبات في كل من العراق ولبنان، كذلك الحال استمرار المواجهة مع إسرائيل في العمليات المنسوبة إليها ضد البرنامج النووي، وضد نقل الأسلحة إلى سورية وحزب الله، وكذلك في البحار والفضاء السيبراني.
وسيكون لزاماً على إيران، في العام المقبل، اتخاد قرار استراتيجي العودة إلى الاتفاق النووي ووقف التقدم في البرنامج النووي أو بدلاً من ذلك، اختيار التوترات والمواجهات مع جهات على الساحة الدولية، ومواصلة التقدم باتجاه وضع نفسها كدولة عتبة نووية.
وتجد “إسرائيل” نفسها، وهي تتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، في حرج استراتيجي: فالسيناريوهات المختلفة الممكنة – سواء كان هناك اتفاق جزئي أم المراوحة الطويلة في المكان أم انفجار المفاوضات – هي كلها سيناريوهات سلبية بالنسبة لإسرائيل.
وتزداد الحاجة على هذه الخلفية إلى الحفاظ على حوار وثيق مع الإدارة الأمريكية يمكن من صياغة استراتيجية شاملة تتضمن بناء تهديد عسكري موثوق للسنوات القادمة، وتعزيز الضغط متعدد الأبعاد على إیران، واحباط مكونات البرنامج النووي المتقدمة، إذا لزم الأمر. والمواصلة الواسعة لنهج المعركة بين الحروب، لوقف ترسيخ الوجود الإيراني، ليس فقط في سوريا. وتشكيل تحالف إقليمي (من خلال الاستفادة من اتفاقيات أبراهام) وتحالف دولي للحد من الخطوات الإيرانية وتقوية الردع ضدها.
إن أية مواجهة علنية مع واشنطن تضعف إسرائيل وتخدم مصالح إيران، والحديث عن الخيار العسكري بوصفه غير موثوق، يؤدي إلى تأكل الردع ومن شأنه أن يدفع واشنطن للترويج لاتفاق أسوأ. والأولويات بالنسبة لإسرائيل في العودة إلى اتفاق يسمح بتنظيم وإعداد بديل، والحفاظ على حرية العمل على الساحة الإقليمية، واستمرار إحباط جوانب في البرنامج النووي الإيراني والتنسيق مع الولايات المتحدة تحسبا لأية تطورات مستقبلية.
البرنامج النووي والعودة إلى اتفاق JCPOA
منذ أيار / مايو 2019، الوقت الذي بدأت فيه إيران بانتهاك الاتفاق النووي – خطة العمل المشتركة الشاملة / JCPOA – رداً على انسحاب الولايات المتحدة منه، ثم وفق تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تسجيل التقدم الأكثر أهمية وغير المسبوق في البرنامج في العام الماضي، حيث جاء إن كميات اليورانيوم المخصب بنسبة 20 % و60 %، تكفي للتخصيب العالي للمواد الانشطارية لأول سلاح نووي، في غضون ثلاثة أسابيع. وإذا قررت إيران تخصيب المواد المخصبة إلى مستوى عسكري بنسبة تصل إلى 5 % أخرى، فسوف يستغرق الأمر حوالي شهرين للمواد الانشطارية لسلاح نووي ثان، وحوالي ثلاثة أشهر ونصف للمواد الانشطارية لسلاح نووي ثالث.
وفي مقابل ذلك تجري عملية إنتاج اليورانيوم المعدني بمستوى تخصيب يبلغ 20 % (وهو عنصر حاسم في الأسلحة النووية)، كما تم البدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 % باستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة في موقع فوردو، وتم تقليص إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدرجة كبيرة – سواء وفق البروتوكول الإضافي أو وفقاً للاتفاق النووي.
ودفعت هذه المعطيات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى التصريح بأن “عدم التعاون يؤثر بشكل كبير على قدرة الوكالة على ضمان الطابع المدني للبرنامج النووي”. كل هذا إلى جانب استمرار عدم تعاون إيران في القضايا المتعلقة بالتصريح عن اليورانيوم غير المعلن عنه، في أربعة مواقع لم يتم إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة النووية عنها (وهو ما يشكل انتهاكاً المعلن عنه في لاتفاقيات الرقابة)، وقد جرى في هذه المواقع، على ما يبدو، تطوير جهاز التفجير (وهو المكون الأساسي الثاني في تطوير السلاح النووي).
وحسب التقديرات فإن إيران ستكون قادرة على إجراء تجربة نووية في غضون ستة أشهر من لحظة اتخاذ هكذا قرار، إلا أن المرحلة الثالثة من المشروع، وهي مرحلة مواءمة جهاز التفجير للإطلاق كسلاح (محمول جوا أو بوا… صاروخ)، ستستغرق عدة سنوات أخرى.
كما أن إيران قد تعرضت في العام الماضي أيضا إلى ضربات وعمليات تخريب كبيرة: أولا وقبل كل شيء كانت هناك عملية اغتيال فخري زاده (أواخر عام 2020)، الذي كان المحرك الرئيسي والمنظم للبرنامج النووي، وأحكم سيطرته على كل مكوناته وتمتع بعلاقة مباشرة ووثيقة مع المرشد الأعلى. وكذلك، ولكن أقل بكثير من الضربة الأولى – حدثت العملية التي استهدفت أجهزة الطرد المركزي في موقع التخصيب في نطنز (في نيسان / أبريل 2021)، والعملية التي استهدفت موقع إنتاج أجهزة الطرد المركزي في كرج (في حزيران / يونيو 2021 ) .
وكان اختيار طهران للرد على كل هذه الأمور، إلى جانب إصلاح الأضرار ونقل المنشآت المتضررة إلى تحت الأرض، كان جزءًا من سلسلة من الخطوات في المجال النووي وفي مقدمتها القانون الذي أصدره البرلمان، والذي “يلزم” الدولة عمليا بالتقدم بالتخصيب إلى مستويات أعلى واتخاذ جميع التدابير اللازمة للنهوض بالبرنامج النووي، وكذلك تقليص الرقابة التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة النووية. ورداً على الهجوم في كرج، منعت إيران المفتشين من دخول الموقع ومن الوصول إلى محتوى كاميرات التصوير.
وتم تجديد جولات المحادثات بين الدول الشريكة في الاتفاق النووي وبين إيران والولايات المتحدة في عهد الرئيس رئيسي أيضا ولكن في ظل ظروف مختلفة، مع تقديم مواقف ومطالب متشددة وغير مقبولة على واشنطن حاليا، وكذلك بالنسبة للشركاء الأوروبيين.
أربعة سيناريوهات محتملة للعام المقبل
_السناريو الأول: الموافقة على العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة خلال وقت قصير، وهو احتمال ضعيف.
_السناريو الثاني: استمرار المفاوضات والمراوحة في المكان على مدار أشهر طويلة، ولكن دون الاعتراف بالفشل – وهو احتمال متوسط.
_السناريو الثالث: سيناريو الاتفاق المؤقت – Les for Les – لا تزال إيران ترفضه حاليا، ولكن اتفاق الطرفين هو احتمال معتدل.
_السناريو الرابع: عدم التوصل إلى اتفاق وإنهاء الاجتماعات وبدء العمل بتطبيق خطوات ضد ایران (حتى ولو استمر الطرفان عمليا في الإبقاء على المسار الدبلوماسي مفتوحاً) – هو احتمال متوسط.
ومن بين تلك السيناريوهات الأربعة المحتملة، التي لا تصلح كلها لإسرائيل، فإن أخطرها هو عدم التوصل إلى اتفاق ومواصلة إيران التقدم في البرنامج النووي، ولا يوجد لدى الإدارة الأمريكية (وإسرائيل) بديل سياسي سوى العقوبات التي تعلمت إيران التعامل معها، وتزيد الفجوات القائمة بين الخطوط الحمراء لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، الناجمة عن الفوارق في رؤية التهديد وفي القدرات، تزيد من التوترات بين الطرفين، وربما لا يوجد استعداد أمريكي القيام بعمل عسكري إلا في حالة حدوث سيناريو تحقيق إيران انطلاقة واضحة باتجاه سلاح نووي، وقد تبقى إسرائيل وحيدة في مواجهة تهديد يزداد خطورة، وكبير على حجمها. وفي ظل هذه الظروف المعقدة فإنه من الأفضل لإسرائيل العودة إلى الاتفاق النووي، وأن يكون ذلك، بطبيعة الحال، بشرط ألا يبقي لدى إيران الانجازات التكنولوجية التي حققتها منذ الانسحاب الأمريكي منه، والذي على الرغم من المعرفة والخبرة التي اكتسبتها إيران – سيوفر عدة سنوات لتنظيم وإعداد بديل. وعلى إسرائيل أن تأخذ في الحسبان أن أصدقاءها في الخليج سيصطفون أيضا إلى جانب الإدارة الأمريكية ويعبرون عن دعمهم للعودة إلى الاتفاق النووي، وفي الوقت نفسه يتقدمون في الحوار مع إيران وبالأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن العودة، أو عدم العودة، تعتمد حالياً بشكل أساسي على إيران، وأن فرص عدم العودة تماثل وربما تكون أعلى من فرصة التوصل إلى توافقات تسمح بالعودة إلى الاتفاق، فإنه من الأفضل لإسرائيل التوصل إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة حول مصالحها الحيوية – حرية العمل على الساحة الإقليمية، ومواصلة عمليات إحباط البرنامج النووي، وإن كان ذلك بشكل ضئيل وفي حالة وجود أولوية قصوى فقط، بالإضافة إلى تفاهمات حول التطورات المستقبلية المحتملة وكيفية مواجهتها.
وفي الختام، فإن تقدم البرنامج النووي يمنح إيران أقصر فترة زمنية ممكنة، في السنوات الأخيرة للقدرة على تحقيق انطلاقة باتجاه السلاح النووي، إذا ما قررت فعل ذلك. أما فيما يتعلق بإيران فإنها كلما تقدمت بالبرنامج النووي كلما يزداد الإغواء لديها بعدم العودة إلى الاتفاق دون مقابل كبير جدا والذي من المشكوك فيه إذا ما كانت لدى واشنطن القدرة أو الرغبة في تقديمه.
على هذه الخلفية، فإن إسرائيل في حالة من العرج الاستراتيجي، فالسيناريوهات المختلفة الممكنة سواء كانت اتفاقية جزئية أو المراوحة الطويلة أو انفجار المفاوضات، هي كلها سلبية بالنسبة لإسرائيل. لذلك تزداد الحاجة إلى الحفاظ على حوار وثيق مع الإدارة الأمريكية يمكن من صياغة استراتيجية شاملة تتضمن بناء تهديد عسكري في مصداقية للسنوات القادمة وتعزيز الضغط متعدد الابعاد على إيران وإحباط المكونات المتقدمة في البرنامج النووي إذا لزم الأمر. ومواصلة أسلوب “المعركة بين العرب” لكبح ترسيخ تواجد إيران في الإقليم وليس في سورية وحدها، وتشكيل تحالف إقليمي واسع (باستخدام “اتفاقيات أبراهام”) ودولي لتقييد خطوات إيران وتعزيز الرد ضدها.
* الخنادق