استُبعدت رئاسة الجمهورية اللبنانية من المشاركة في القرار الاقتصادي، وذلك في إطار توازنات سياسيّة فرضت نفسها عاملاً من عوامل القوى الأساسية في تسخير الاقتصاد لخدمة السياسة.
يُعدّ النشاط الاقتصادي القومي المجهود الَّذي يجب أن يبذله القادة السياسيون من أجل تطوير الخدمات ومنح النشاط الاقتصادي دافعاً للتميّز بشقّيه الاجتماعي البشري والتنمية المستدامة، بهدف تطوير البنى التحتية وجذب الاستثمارات.
في لبنان، استُبعدت رئاسة الجمهورية من المشاركة في القرار الاقتصادي، وذلك في إطار توازنات سياسيّة فرضت نفسها عاملاً من عوامل القوى الأساسية في تسخير الاقتصاد لخدمة السياسة.
بعد 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، دخلت المعادلات الاقتصادية من الباب العريض في أسس المشاركة في الحكم، لكنّ معظم الكتل السياسية تهرّب من المسؤولية ورمى الشعب في مواجهة العاصفة.
بما أنّ الاقتصاد اللبناني هو اقتصاد سياسي، فلا بدّ من تشريح الوضع المالي والنقدي والاقتصادي لمعرفة الرؤية التي يجب أن يتمتّع بها أيّ رئيس مقبل خارج التوافقات السياسية التي غالباً ما ندفع ثمنها اجتماعياً واقتصادياً.
1- سعر الصرف: ما رؤية الرئيس المُنتظر للتعاطي مع تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية، الذي كبّد البلاد تكلفة مرتفعة ووهمية، واستنزف المالية العامة بأكثر من 20 مليار دولار؟
2- الانهيار: كيف سيحمي لبنان من انهيار سعر الصرف والقطاع المصرفي، وتخبط السياسة النقدية، واعتماد أسعار صرف مختلفة؟
3- تكبير الاقتصاد: هل نعود إلى سياسة الاستدانة بالعملات الأجنبية وإصدار سندات اليورو بوند من جديد وتسديدها بالعملات الأجنبية من دون وجود مصادر دخل لهذه العملات أو نقوم بتكبير الاقتصاد من خلال تشجيع الاستثمار خارج النظام الريعي؟
4- الإنتاج: هل يمتلك الرئيس الرؤية لكيفية إعادة الإنتاج بعدما دُمر لمصلحة الاستيراد، إذ بات لبنان يستورد بتكلفة 22 مليار دولار في مقابل صادرات لا تتعدى 3.5 مليار دولار؟ وكيف سيتعاطى مع محسوبيات القطاع الإداري المنظمة التي أعدمت إنتاجية القطاع العام؟
5- الواقع المالي: منذ عام 1992 حتى عام 2019، دخل إلى الخزينة اللبنانية 238 مليار دولار استخدمت على الشكل الآتي:
* 10.5% لتمويل عجز الكهرباء وشراء الفيول، أي أنّه تم دفع 24.9 مليار دولار من دون نتيجة. والسؤال هنا: هل يتعاطى الرئيس مع هذا الملف سياسياً أو من ناحية تقنيّة اقتصاديّة؟
* 33% من النفقات على القطاع العام والرواتب، أي ما يوازي 78.5 مليار دولار، صُرفت على ما يعرف باقتصاد موظفي القطاع العام والتنفيعات السياسية، في حين توجد تخمة إدارية يقابلها شغور كبير في إدارات أخرى، فكيف سيحلّ هذه المعضلة؟
* 41% ذهبت إلى عالم الفوائد الفاحشة وهندساتها المالية، أي ما يوازي 97 مليار دولار.
* 25 مليار دولار تبخّرت في سياسات الدعم وغيرها، وتبقّى في النهاية 12 مليار دولار، بحسب المصرف المركزي.
وبالتالي، كيف سيحمي الرئيس ما تبقى من احتياطي أجنبي من التهريب والاستنزاف الداخلي؟ وكيف سيستطيع الانطلاق بأضعف احتياطي نقدي وجد في تاريخ رؤساء الجمهورية؟
6- الموازنات: كيف سيتعاطى الرئيس مع الموازنات المالية المتأخرة دائماً، التي تغيب عنها الرؤية الاقتصادية بسبب الصراع والتقاسم السياسي الذي يؤدي إلى تعطيل لجان الموازنات وأجهزة الرقابة المالية؟
7- تمويل العجز: كيف سيتعاطى الرئيس مع سياسة تمويل عجز الموازنة وعجز ميزان المدفوعات والميزان التجاري.
8- النهوض والتعافي: أي خطة سيعتمدها الرئيس للنهوض والتعافي الاقتصادي: خطة المصارف أو خطة الحكومة 1 أو خطة الحكومة 2 أو خطة الهيئات الاقتصادية؟ وهل يقف مع المودعين والناس لحماية مرافق الدولة في وجه الأطماع المقبلة عليها؟
9- التدقيق الجنائي: هل يعتبر التدقيق الجنائي منطلقاً لإعادة الثقة إلى السياسة النقدية، ويتبنى إعادة هيكلة المصارف على أسس علمية خارج المحاصصة السياسية؟
10- الأملاك البحريّة والنهريّة: كيف سيتعامل الرئيس مع ملف التعديات على الأملاك البحريّة والنهريّة؟
11- صندوق النقد: هل يتعاطى مع صندوق النقد الدولي من مبدأ الاستسلام الكامل أم الشراكة في القرار؟
12- النزوح السوري: كيف سيتعامل الرئيس المقبل مع ملفّ النزوح السوري وكلفته المرتفعة على الاقتصاد اللبناني، التي تجاوزت 27 مليار دولار منذ عام 2011؟
13- الشرق: هل يقبل الرئيس بمبدأ تنويع الخيارات والانفتاح شرقاً، بما يساعد التطوير الاقتصادي لمرافق الدولة ويسهّله أسوة بمعظم دول العالم التي ذهبت باتجاه الشرق؟
14- الغاز والنفط: أما الموضوع الأكثر حساسية، فهو كيفية تعامل أي رئيس مع ثورة الغاز والنفط من النواحي التقنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والتأثيرات والأطماع الخارجيّة، وموقفه من تأسيس الشركة الوطنية للغاز والصندوق السيادي للاستثمار خارج نفوذ الدولة العميقة.
في الحصيلة، أمام واقع اقتصادي يعاني المشاكل ذاتها منذ العام 1943 حتى اليوم، ومع اتباع سياسة “صفر محاسبة” للفاسدين والمسؤولين، وفي غياب برامج إصلاحية، فإنّ البعد الاقتصادي في لبنان بات يحتاج إلى معجزة أو عصا سحريّة تُمكّن الرئيس المقبل من إنقاذ ما تبقى.
وفي حال استمرار النهج السياسي القائم نفسه، وارتباط فعالية أيّ رئيس بالحكومة وشكلها، هل يستطيع تشكيل حكومة منسجمة مع رؤية اقتصادية فعالة، لكونها تعتبر الذراع التنفيذية للدولة؟ وهل يكون مرتبطاً بصفقة عهد أم صفقة عهد مع حكومة حتى لا نكون أمام سيناريوهات قديمة جديدة؟
المصدر: الميادين