رغم الزخم الكبير الذي أحاط به التحالف السعودي – الإماراتي سيطرة الميليشيات التابعة له على مساحات من مديريّات بيحان الثلاث، إلّا أن نطاق السيطرة هذا يبدو غير مستقرّ، ومحفوفاً بمخاطر متزايدة، خصوصاً في ظلّ استمرار تواجد قوات صنعاء في مساحات موازية من تلك المديريّات. وإذ لا يزال الجيش و«اللّجان الشعبية» يسيطران على المواقع الحاكمة التي تُعدّ خطّ دفاع عن مكاسبهما في مأرب والبيضاء، فهما يتّبعان في شبوة استراتيجية الاستنزاف، حتى لا يُتيحا مجالاً للميليشيات الموالية لـ«التحالف» لتثبيت بقعة سيطرتها، والانطلاق منها لتهديد جنوب مأرب.
أعلنت ميليشيّات «العمالقة» الموالية للإمارات، الثلاثاء الماضي، انتهاء عملياتها شمال محافظة شبوة، باستعادتها مديريات بيحان الثلاث (بيحان، عسيلان، عين)، التي كانت سقطت تحت سيطرة حركة «أنصار الله» منتصف تشرين الأول من العام الماضي، من دون قتال يُذكر، وبالتعاون مع قبائل المنطقة. هذا الإعلان الذي احتفت به الرياض في اليوم نفسه في مدينة عتق، مركز المحافظة، يبدو مجافياً في جوانب منه للواقع؛ إذ إن الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» لا يزالان يسيطران على مساحات واسعة في المديريات المذكورة، بعدما انسحبا الأسبوع الماضي من كافّة المساحات المفتوحة، والتي لا تحوز – بمعظمها – أهمية استراتيجية. وبحسب مصادر محلّية مقرّبة من «المجلس الانتقالي الجنوبي»، الموالي لأبو ظبي، فإن «العمالقة» سيطرت على نسبة لا تتجاوز 60% من بيحان، فيما معظم المناطق التي استعادتها في عسيلان كانت تحت سيطرة مسلّحين قبليين، والبقيّة غادرتها قوات صنعاء تحت ضغط غارات التحالف السعودي – الإماراتي، والتي تجاوزت الـ70 غارة في اليوم الواحد. هكذا، يبدو أن خطوات الجيش و«اللجان» لم تكن ارتجالية، خصوصاً أنهما حوّلا المناطق التي فقداها إلى «محارق موت» حقيقية للميليشيات المدعومة إماراتياً، والتي تجاوزت خسائرها البشرية في هذه الواقعة، ما تكبّدته في معركة الساحل الغربي طيلة سنوات.
خارطة السيطرة
تُشير خارطة سيطرة طرفَي الصراع إلى أن الجيش و«اللجان» حافظا على أهمّ مكاسبهما في المديريات الثلاث؛ إذ إن قوّاتهما لا تزال تتواجد في عدد من مناطق عسيلان كجندلة وصوفة والصفحة، وأيضاً في عدد من مناطق بيحان كالجوهرة والعطف وغنية واللخف، فيما مديرية عين لا يزالان يسيطران على مركزها (الحجب) وعدد من مناطقها. وعلى رغم توغّل «العمالقة» في مناطق في شمال مديرية عين، تتْبع إدارياً لمديرية حريب جنوب محافظة مأرب، إلّا أن الخطّ الدولي الرابط بين محافظتَي شبوة ومأرب لا يزال تحت سيطرة قوات صنعاء، التي تحتفظ بأهمّ مكاسبها في مناطق شرق البيضاء الواقعة على تماس مع مديريات بيحان. وفي الوقت الذي تحدّثت فيه وسائل إعلام موالية لحزب «الإصلاح» عن دخول «العمالقة» مركز مديرية نعمان التابعة للبيضاء، والواقعة على الحدود مع بيحان قبل أيام، وعدّت ذلك مؤشّراً إلى تَقدّم تلك الميليشيات صوب البيضاء، أفادت مصادر محلية «الأخبار» بأن منطقة الساحة، مركز المديرية المذكورة، والتي تقع أسفل عقبة القنذع الاستراتيجية، لا تزال تحت سيطرة الجيش و«اللجان». يُضاف إلى ما تَقدّم، أن قوات صنعاء استعادت، مساء الخميس، عدداً من المواقع الاستراتيجية في وادي النحر التابع لمديرية بيحان، وسيطرت على الجبل المطلّ على الكراع، والثاني المشرف على الجوهرة، والثالث المطلّ على العطف.
يبدو نطاق سيطرة «العمالقة» في مديريات بيحان الثلاث غير مستقرّ
مسار العمليات
يُشير مسار العمليات الجارية في مديريات بيحان، إلى أن قوات صنعاء نجحت في استنزاف ميليشيات «العمالقة» التي قُتل أكثر من 550 من عناصرها حتى فجر أمس الجمعة، وبدأت باستعادة بعض المناطق التي كانت خسرتها. فعلى مدى الأيام الماضية، اصطدمت «العمالقة» بعدد من عمليات الاستدراج في مناطق تابعة لمديريتَي عين وبيحان، توازياً مع تلقّيها هجمات صاروخية كثيفة كبّدتها خسائر كبيرة. وفي ظلّ تفوّق الجيش و«اللجان» في المناطق الجبلية، يبدو نطاق سيطرة «العمالقة» في مديريات بيحان، حيث تَفقد المزيد من المكاسب التي حقّقتها منذ مطلع الشهر الجاري، غير مستقرّ. فمناطق السوداء والضاحة وشقير ونجد مرقد وجعدر وغيرها في مديرية عين، الواقعة على الحدود مع مديرية حريب، لا تزال تحت سيطرة قوات صنعاء. وعلى رغم توغّل «العمالقة» في مناطق واقعة في نطاق حريب، كالدرب والروضة والذراع، إلّا أنها سرعان ما تراجعت تحت ضغط المقاومة التي وُوجهت بها. يُضاف إلى ذلك أن الانتهاكات التي مارستها الميليشيات المدعومة إماراتياً، خلال الأسبوعَين الماضيَين، ضدّ قبائل عسيلان وبيحان الموالية لـ«أنصار الله»، دفعت عدداً من أبناء قبائل بيحان إلى الالتحاق بدورهم بصفوف الجيش و«اللجان».
بالنتيجة، تسيطر «العمالقة»، حتى الآن، على مركز مديرية بيحان ومركز مديرية عسيلان (من دون سيطرة كاملة على كامل مساحتهما)، فيما تسيطر قوات صنعاء على مركز مديرية عين ومعظم مناطقها، علماً أن الأخيرة تُعدّ خطّ دفاع أوّل عن مديرية حريب ومديريات جنوب مأرب بشكل عام. وفي اتّجاه شرق البيضاء، يفرض الجيش و«اللجان» سيطرتهما الكاملة على عقبة القنذع الاستراتيجية، التي تُعدّ خطّ الدفاع الأوّل عن شبوة، وتحوز أهمية استراتيجية؛ كون مَن يسيطر عليها يتحكّم بمسار المعركة في مناطق واسعة في بيحان الواقعة تحت السيطرة النارية للقنذع، ومن خلالها تتحكّم قوات صنعاء بمعظم خطوط الإمداد القادمة من بيحان باتجاه عين وحريب، وكذلك نحو مديرية ناطع التابعة للبيضاء. ووفقاً لمصادر محلية، فإن قوات تابعة لـ«الانتقالي» انتشرت قبل أيام في بعض مناطق مرخة السفلى، التي كان للجيش و«اللجان» تواجد عسكري رمزي فيها، فيما لا يزال الأخيران صامدَين في مرتفعات المديرية الواقعة في نطاق محافظة البيضاء، لصدّ أيّ هجمات محتملة ضدّ مناطق سيطرتهما هناك.
الأخبار البيروتية : رشيد الحداد