أربعون دقيقة، كانت كفيلة بوضع كلّ الأنظمة الاعتراضية العسكرية الإسرائيلية خارج الفعالية العمليّة. فالطائرة المسيرة “حسّان”، على اسم المهندس الشهيد حسان اللقيس، اخترقت أجواء فلسطين المحتلة وحلّقت في سماء شمال “طبريّا” بتمام الساعة 11:50 صباحاً من تاريخ الثامن عشر من شباط 2022 لتعود منجزةً مهمتها الاستطلاعية بنجاح.
أربعون دقيقة قلبت الموازين، ما بين إنجازات حزب الله وفشل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
أولاً: على مستوى حزب الله
_مسيرة “حسّان” أكّدت على إصرار حزب الله بمتابعة التصنيع المحلي للمسيرات بحسب ما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وكشفت عن نوعية هذا التصنيع وحجمه. كما حملت رسائل للاحتلال مفادها أن الذي بدأ سوف لن تثنيه الضغوطات في الملفات السياسية في الشأن الداخلي اللبناني.
_ ومن ناحية أخرى، تعاظم ملحوظ لقدرات التصنيع العسكري المحلي لحزب الله، فالمسيرة باتت تحلّق بقدرة تحمّل عالية – لا يمكن الجزم بأن فترة التحليق القصوى تقف عند الـ40 دقيقة – وبمدى يعتبر بعيداً، الإضافة الى أنها جالت في الأجواء طولاً وعرضاً، ومع مطاردتها من المنظومة الاعتراضية الاسرائيلية فلا بدّ أنها أيضاً تميّزت بالسرعة التي قدّرتها الأوساط العسكرية الخبيرة بـ500 كلم في الساعة، وهذا الامر يحاكي التصنيع في الجيوش النظامية القوية حيث أن تركيا “تتفاخر” بطائرة “بيرقدار” التي تبلغ سرعتها 200 كلم في الساعة وتسوّقها في الأسواق العسكرية العالمية.
_ أما من ناحية معادلات الردع، فتعترف المصادر العسكرية في قناة “كان العبرية” أن السيد “نصر الله مسّ بموضوع مقلق وهو السيطرة على التفوق الجوي في لبنان”، ما يعني تحليق أقل للطائرات الإسرائيلية وبالتالي “معلومات استخبارية أقل عما يجري في لبنان”. في المقابل، وبعودة “حسان” سالمة، فان كل ما رصدته من صور ومعلومات باتت في جعبة المقاومة.
_ أما من ناحية قواعد الاشتباك فلا يزال حزب الله يحافظ على إنجازاته التي لا يجرؤ جيش الاحتلال على تجاوزها، فيكتفي بردٍ وضيع و”مخجل” وتواكبه الحملات الدعائية في الاعلام العبري وغيره بصورة “الجيش الذي لا يقهر”.
ثانياً: على مستوى الكيان الإسرائيلي
إن تصريحات المحللين العسكريين في صحف وقنوات الإعلام العبري كانت كافية لنقل حجم الصفعة التي ألحقتها مسيرة “حسّان” داخل المنظومة العسكرية والسياسية لكيان الاحتلال.
فما إن دخلت “حسان” أجواء فلسطين المحتلّة حتّى تفعّلت القبة الحديدية و”الباتريوت” والرادارات والطائرات الحربية لكن دون جدوى، وظلّ مسارها لأكثر من ساعتين مجهولاً بحسب اعتراف إذاعة جيش الاحتلال. مما أدى الى أن تتلمس الأوساط الإسرائيلية مؤشرات خطيرة طالت جهوزية الجيش وقدرته الفعلية على المواجهة، وقد برزت هذه المؤشرات في التساؤلات التي طرحتها:
_ أولاً، أن الأمر كان يمكن أن ينتهي بطائرة انتحارية.
_ ثانياً، “لو اخترق بوكيمون الأجواء فهناك تطبيق للعثور عليه وسيكون هنالك شيء نفعله مع الأطفال نهاية الأسبوع”.
_ ثالثاً، ان الذعر الذي أصاب المستوطنين وحالة الضبابية التي عاشوها من دون أن تكون الجهات “الرسمية” قادرة على “طمأنتهم” تضيف سبباً جوهرياً الى العديد من الأسباب التي أدّت في الفترة الأخيرة الى تراجع “ثقة الجمهور بالجيش الإسرائيلي”.
كيف “ستدافع” المنظومة الاعتراضية عن الجبهة الداخلية؟
أمام هذا الفشل الموصوف، وإذ ما غُضّ النّظر أيضاً عن الثغرات الداخلية في جيش الاحتلال، كيف ستواجه المنظومة الاعتراضية الإسرائيلية صواريخ حزب الله الدقيقة التي ستنزل على الجبهة الداخلية بمعدّل الـ 2500 الى 3000 صاروخ يومي؟ وهل يعيد الاحتلال النّظر أيضاً في لغة خطابه التصعيدية على أطراف محور المقاومة لا سيما في توجيه ضربة الى إيران، أو في انتهاكاته المستمرة على حيّ الشيخ جرّاح حتى لا يقع في مأزق الجولة العسكرية التي قد لا يتحمّلها مع فصائل المقاومة الفلسطينية على غرار “سيف القدس”؟
أسهم “القبّة” انخفضت في أسواق دول التطبيع!
فيما يكلّف هذا الفشل أيضاً كيان الاحتلال الخسائر، من ناحية المالية فان الاحتلال يدفع للقبة الحديدية وتفعليها المبالغ الباهظة حيث تبلغ تكلفة الصاروخ الاعتراضي الواحد حوالي الـ 50 ألف دولاراً! أما من ناحية تسويق القبة الحديدة و”الباترويت” أمام الامارات في ادعاءات الاحتلال أنها قادرة على “ردع” ضربات الجيش واللجان الشعبية اليمينة، فقد خسرت المنظومة بشكل فاضح أرصدتها.
“الرّد” يخلق معادلة إشكالية للاحتلال!
أما ما اعتُبر رداً على اختراق حزب الله الأجواء و”الأمن” في الكيان الإسرائيلي، فقد شكّل إحراجاً إضافياً لجيش الاحتلال يؤكّد على معضلات جديّة يواجهها هذا الجيش حيث تقول قناة “كان” العبرية أنه “أذا كان اختراق جدار الصوت فوق بيروت هو الرد…فنحن اذاً أمام معادلة إشكالية”.
* الخنادق