في الوقت الذي عملت فيه “إسرائيل” على مدار سنوات طويلة على تجنيد عدد من العملاء داخل فلسطين المحتلة، بغرض التجسس وجمع المعلومات بشكل أساس، كشفت مصادر في قيادة حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس” مؤخراً، أنّ أجهزة الأمن التابعة لها في قطاع غزة المحاصر وبالتعاون مع أجهزة أمنيّة حكوميّة، تمكنت من توجيه ضربة لجهاز المخابرات الإسرائيليّ (الموساد)، عقب اعتقال مجموعة لم يُحدد عددها تضم عددًا من العملاء الذين كانوا يقدمون معلومات أمنية لتل أبيب عن المقاومة ومقدّراتها.
لا يخفى على أحد أنّ ظاهرة تجنيد “العملاء” تُعد أداة هامة لأجهزة المخابرات كافة وبالأخص عند المحتلين، من خلال زرع أعيونهم بين أبناء الشعب الذي يتعرض للاحتلال والإبادة، باعتبار أنّ “القلاع لا تُقتحم إلا من الداخل” كما يقول البعض، وتُعتبر “إسرائيل” الأشد شراسة في هذا المضمار لأسباب مختلفة، منها أن صراعها مع الشعب الفلسطينيّ ومقاومته بل والشعوب العربيّة التي ذاقت الاحتلال وعاصرت الإجرام الإسرائيليّ بحق العرب ليس صراعاً “مؤقتاً”مثل الظواهر الاستعماريّة المعروفة في التاريخ بل إنه صراع “وجود”، تحدث عنه رئيس وزراء العدو وأحد مؤسسيها، دافيد بن غوريون، بقوله: “الأرض واحدة ومالك الأرض اثنان، ولا بد أن تكون لواحد منهما فقط، ولا بد لهذا الواحد أن يتبع كل الوسائل، بما فيها الخديعة، لامتلاك الأرض”.
على هذا الأساس، إنّ هذا النوع من الصراع الوجودي يتطلّب من العصابات الصهيونيّة المُحتلة والعرب المتضررين بالأخص على حد سواء انتهاج كل الأسلحة لحسم المعركة ضد الطرف الآخر، خاصة أنّ “إسرائيل” كشفت نفسها للقاصي والداني بأنّها لا يمكن أن تلتزم بأيّة معايير أخلاقية أو قانون دوليّ، بل ستستمر في قمع الفلسطينيين ومحاولة وأد طموحاتهم الوطنيّة ومنعهم من استرداد حقوقهم التاريخيّة، إضافة إلى منع وعرقلة أيّ توجهات نهضويّة أو وحدويّة أو علميّة فلسطينيّة أو عربية، وإنّ المثالين السوريّ واللبنانيّ أكبر شاهد على ذلك.
واليوم، فإنّ الحديث عن أن أجهزة أمن المقاومة في حماس قد شنّت منذ شهرين وبالتعاون مع أجهزة الأمن الحكوميّة، حملة كبيرة اعتقلت خلالها عددًا من “العملاء”، يُعتبر “فشلاً أمنيّاً” هاماً للمخابرات الإسرائيليّة التي تحاول اختراق جبهة الفلسطينيين والعرب من الداخل وتجنيد من تستطيع خداعهم والوصول إليهم، واستغلال ظروفهم القاسية التي صنعها الإسرائيليون أنفسهم، بالإضافة لضعف الولاء لدى عدد قليل من الناس، فيما يسعى العدو الصهيونيّ لإشاعة نوع من القلق وانعدام الثقة بين الفلسطينيين على نحو خاص في هذا الإطار، بوصفهم واقعين تحت احتلاله العسكريّ المباشر، لإظهار العمالة والتجسس بحجم أكبر بكثير مما هي عليه.
وتشير المعلومات الأمنيّة الأخيرة إلى أنّ حملة المقاومة التي تشديدها خلال الفترة الأخيرة ستستمر لتوجيه أكبر ضربة للموساد الإسرائيليّ وضباطه الذين يزعمون أنهم يحققون انجازت أمنيّة، بيد أنّ المقاومة الفلسطينيّة أثبتت بالفعل أنّ تلك الإنجازات واهية وإعلاميّة لا أكثر، حيث إنّ الإسرائيليين يفشلون على الرغم من أنّهم يراعون تجنيدهم للعملاء عناصر استهداف واضحة ونقاط ضعف باتت مكشوفة في الشخص المستهدف، ويدرسون شخصيته ومزاجه وظروفه ونقاط ضعفه قبل الانقضاض عليه، وهي الجنس والمال والعاطفة.
وفي هذا الشأن، تخوض المقاومة والأجهزة الحكوميّة الأمنيّة صراعاً ليس سهلاً مع أجهزة موساد العدو التي تستغل نقاط الضعف، فالوضع المادي يعتبر بيئة ملائمة لجراثيم الصهاينة، وبذلك يستغلون الاحتياجات المادية لبعض الضحايا المذنبين فيعرضون عليه تحقيق رغبته وتلبية كل حاجاته وأمنياته الشخصيّة، ويعمدون لعرض الأموال أو الرواتب على موظفي الفنادق، أو سائقي سيارات الأجرة، باعتبارهم ذوي دخل محدود وفي الوقت نفسه هم أهداف دسمة لأن وظيفتهم تقتضي الاحتكاك بالناس والاقتراب منهم لمسافة قريبة جداً.
أيضاً وفي حالات كثيرة، يعيد الكيان الإرهابيّ فلسطينيين يدرسون في الخارج من على المعابر بعد انتهاء زياراتهم لأهاليهم في فلسطين، ويطلبون منهم مقابلة مراكز المخابرات التابعة للعدو، وهناك تبدأ عمليّة المساومة ويضعونهم بين خيارين، إما القبول بالتخابر من الصهاينة أو تحطّيم أحلامهم الدراسية بعد أن يكونوا أنهوا ثلاث أو أربع سنوات، وربما يحصل هذا وهم في سنتهم الدراسية الأخيرة، مستغلين هذا الوضع كنقطة ضعف للإيقاع بالضحيّة، في أسلوب قذر معروف عن الصهاينة وأجهزتهم الأمنية والعسكريّة.
في الختام، وبالرغم من أنّ جهاز الموساد الإسرائيليّ يُعد من الأجهزة الغامضة ويحاول بقوّة إحاطة نفسه بسريّة عاليّة، إلا أنّ المقاومة تتمكن من فترة إلى أخرى من توجيه ضربات موجعة باعتقال “عملاء” كان يعتبرهم العدو الغاصب أداة هامة لتوجيه ضربات للمقاومة، وفشل فيها سابقاً، في وقت يستخدم فيها ضباط المخابرات الصهيونيّة وسائل متعددة لمحاولة إسقاط مواطنين في “وحل العمالة”، ولكن الأجهزة الأمنيّة لدى المقاومة متيقظة لتلك المحاولات وتقوم بدورها الأمنيّ باستمرار من خلال توعية المواطنين والتحذير من التعامل مع الأشخاص الذين ينتحلون أسماء وهمية لمؤسسات خيريّة أو شخصيات أو غيره بهدف تجنيد الجواسيس، الشيء الذي يجعل الاحتلال يعاني من أزمة كبيرة في عمليات تجنيد “العملاء الجدد”، كما أنّه يضطر لتصعيد إجرامه من خلال سعيه لمحاولة استغلال المرضى والمواطنين والتجار والطلاب.
* الوقت