العين – تقرير
تعيد الإدارة الأميركي بقيادة رئيسها الجديد، جو بايدن، ترتيب الأولويات في الشرق الأوسط، فاتفاقية النفط مقابل الحماية الموقعة منذ تأسيس المملكة انتفت الحاجة إليها، بعد إنتاج النفط الصخري الأميركي، واشنطن اليوم تسعى إلى تهميش السعودية من خلال أمور عدّة.
فمنذ تأسيس الملك عبد العزيز آل سعود، للمملكة السعودية، سعى الرئيس الأميركي، فرانكلين روزفلت، لإقناع الملك السعودي بإبرام الاتفاق “النفطي – الأمني”، وبالفعل تمّ توقيع الاتفاق على متن المدمرة الأميركية “كوينسي” عام 1945، وحاول محمد بن سلمان إعادة إحياء هذا الاتفاق عام 2018.
رغم الاختلافات التاريخية والثقافية والجغرافية الكبيرة بين الولايات المتحدة والسعودية، أقام الشريكان تحالفاً قوياً في عدّة مفاصل أساسية ومنها مواجهة المدّ الشيوعي، والمساندة في الحرب الباردة، وتنفيذ السعودية للسياسات الأميركية في الدول العربية كلبنان وسوريا واليمن وغيرها.
أستاذ علم الاجتماع والدراسات الدولية في جامعة ويسكونسن، سيف دعنا، يؤكد أنّ السعودية لعبت دوراً أساسياً في الحرب الباردة، حيث زوّدت أميركا بالنفط واستجابت لرغبة واشنطن باللعب بالأسعار، كما موّلت مشاريع أميركية كبيرة ومنها التدخل الأميركي في أفغانستان نهاية السبعينيات.
رغم عمق العلاقات الأميركية السعودية، إلا أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تسعى إلى إعادة ترتيب أولوياتها المتعلقة بالشرق الأوسط، ولا سيما فيما يتعلق بالملف السعودي الذي برزت تداعياته في الأيام الأخيرة. فما هي هذه التداعيات؟
واشنطن تسحب دفاعات صاروخية من السعودية
بعد الانسحاب الأميركي من أفغانسان والتحضير للانسحاب من العراق، تعمل واشنطن على خفض البصمة الأميركية في قواعد العمليات الأكبر حجماً، لذلك أظهرت صور الأقمار الصناعية التي حللتها وكالة “أسوشيتد برس” أنّ الولايات المتحدة أزالت نظام الدفاع الصاروخي الأكثر تقدماً وبطاريات “باتريوت” من قاعدة الأمير سلطان الجويّة في السعودية في الأسابيع الأخيرة، في وقتٍ تواجه فيه المملكة هجمات جوية مستمرة من “أنصار الله” في اليمن رداً على العدوان السعودي
وفي السياق نفسه، يقول الباحث في معهد السياسة العامة في جامعة رايس، كريستيان أولريشسين، لصحيفة “واشنطن بوست”: “السعودية ترى الآن أنّ الرؤساء الثلاث أوباما وترامب وبايدن اتخذوا قراراتٍ تدلّ على تخلي واشنطن عنهم”.
وبحسب سيف دعنا، فإنّ “أوباما اقترح إعادة صياغة العلاقات السعودية الأميركية، واليوم الرئيس الأميركي جو بايدين يحاول إعادة ترتيب الأولويات الأميركية في ظل التنافس الأميركي الصيني أو الأميركي الروسي”.
مدير معهد السياسات الدولية في واشنطن، باولو فون شيراك، يطرح خلال مقابلة مع الميادين وجهة نظرٍ مغايرة، فيقول إنّ “بما أننا أكبر موردي للأسلحة إلى السعودية فالولايات المتحدة تستمر في الحفاظ على علاقات قويّة وحيوية وصحية مع المملكة”.
ورأى شيراك بأنّ “أميركا لا تحتاج إلى قواعد وفيالق لها في منطقة، لأن السعودية تمثّل اليوم أهمية منخفضة بالنسبة لها، فلماذا على الولايات المتحدة أن تستمر في توزيع موارد على مناطق لا تملك أهمية استراتيجية كما السابق”، مؤكداً أنّ “الصين هي المنافس الأول للولايات المتحدة الأميركية”.
وثائق سرية تُدين المملكة
قبل أيام، بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي”، نشر بعض الوثائق السرية الحديثة التي تتناول علاقة مواطنين سعوديين بإثنين من منفذي هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، وذلك بعد أن غيّر المكتب الفيدرالي تصنيف تلك الوثائق التي كانت تحمل صفة “سرية”.
صحيفة “واشنطن بوست”، ذكرت في تقريرٍ لها، أنّ أهالي ضحايا أحداث 11 أيلول/سبتمبر، أصدروا بياناً بعد رفع السرية عن بعض الوثائق المتعلقة بتورّط السعودية جاء فيه، “هذا الأمر يمثّل اليوم اللحظة التي لا يستطيع فيها السعوديون الاعتماد على الحكومة الأميركية لإخفاء الحقيقة بشأن 11 أيلول/سبتمبر، وتعهد البيان “بمحاسبة الحكومة السعودية بشكلٍ كامل عن الآلام والخسائر الهائلة التي عانى منها أهالي الضحايا”.
ومن هنا، ومع هذه المعطيات المُركبة، تسعى إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لكسبِ أُسر ضحايا أحداث أيلول/سبتمبر، من خلال التوقيع على مرسوم يقضي بإلغاء السرية عن وثائق تخص تورط السعودية في تلك الأحداث.
هذه الوثائق التي كشفت الـ”سي أي أي” وثيقة منها، تحاول أنّ تقدّم أدلة وبراهين للمحاكم الأميركية بهدف إحياء قانون “جاستا” وهو اختصار لقانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” الذي سمح ضمنياً بإجراء دعاوى قضائية ضد المملكة من قبل أهالي القتلى والجرحى والمتضررين، وذلك لتعويض أهالي الضحايا مالياً بمبالغ خيالية من قبل السعودية بالدرجة الأولى والإمارات بالدرجة الثانية.
السعودية نحو الشرق
تزامن القرار الذي وقّعه الرئيس بايدن بإلغاء السرية عن وثائق تخصّ أحداث 11 سبتمبر، مع زيارة وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إلى الخليج، في وقتٍ أعلنت به السعودية فجأةً تأجيل زيارة أوستن، بينما استقبلت رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الدوما الروسي ليونيد سلوتسكي، في رسالة مبطّنة إلى واشنطن.
وعن هذا الأمر غرّد الأمير السعودي، سطام بن خالد آل سعود، قائلاً: “السعودية العظمى لا تقبل إملاءات من أحد”.
من جهته، ولحفظ ماء الوجه، برر البنتاغون إلغاء زيارة أوستن بإشكالات في التوقيت والبرنامج، في حين أن هكذا زيارات رسمية ومفصلية تكون مقرر بتوقيتها وبرنامجها قبل أسابيع من بدايتها.
ورداً على سؤال أحد الصحفيين عن التطورات التي حدثت على خطة زيارته للسعودية، وعما إذا كانت الزيارة قد تأجلت أو أُلغيت، قال أوستن: “دعنا نقول تأجلت”.
ويأتي ذلك، في ظلّ تشنّج سعودي أميركي جرّاء توجه المملكة شرقاً وتقوية علاقاتها مع روسيا والصين في وقتٍ أعلنت فيه إدارة بايدين أن عدوها اللدود اليوم هو الصين، فيما تعمل على رد النفوذ الروسي.
الانسحاب الأميركي من أفغانستان جاء على وقع زيارة نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، لموسكو وتوقيعه عقداً دفاعياً مع نظيره سيرغي شويغو، وهذا الأمر وتّر علاقات الشريكين “الأميركي والسعودي”.
المصدر- الميادين