ما تزال كلمات الرئيس الأميركي جو بايدن في أذهان العالم خلال مناظرات الحزب الديمقراطي لإختيار مرشح للإنتخابات الرئاسية. في العشرين من نوفمبر عام 2019، قال بايدن حين سئل عن السعودية: “أريد أن أؤكد بأننا لن نبيع مزيدا من الأسلحة للسعوديين.. في الواقع سنجعلهم يدفعون الثمن.. وسنجعلهم دولة منبوذة”..
قد يظن البعض أن كثيرا من الأمور والعوامل تغيرت حتى يغير بايدن موقفه من السعودية، لكن في الواقع، هناك محور ثابت ومواقف متغيرة ضمن إطاره. فأهم عامل بالنسبة للإدارة الأميركية بقي ثابتا، وهو المصلحة المتمثلة في هذه الحالة (بالنفط)، أما المتغير والذي يقصد به تصريحات بايدن حول السعودية فهو متغير طبيعي طالما يخدم المصلحة الثابتة.
هناك ثلاثة عناوين أساسية لزيارة بايدن تخدم هدفا واحدا بالنسبة للرئيس الأميركي ومعه الحزب الديمقراطي
العنوان الأول – أمن الكيان “الإسرائيلي”
حين تكلم بايدن بشكل مباشر حول زيارته إلى المنطقة ولقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أرجع سبب اللقاء هذا إلى أمن الكيان “الإسرائيلي”.
يعاني بايدن من نفور إسرائيلي منه، خاصة بعد العلاقة المتميزة جدا التي جمعت واشنطن بالكيان الإسرائيلي في عهد دونالد ترامب. لقد لعبت أيضا الإنتقادات المتتالية للتيار التقدمي في الحزب الديمقراطي لممارسات الحكومة الإسرائيلية دورا في الإمتعاض داخل الكيان من واشنطن.
من هنا جاء إصرار بايدن على ربط زيارته بأمن الكيان ليفتح الباب أمام ترحيب يليق برئيس أميركي في فلسطين المحتلة. لكن ما يريده بايدن قد لا يحصل عليه، فالكيان الإسرائيلي يعاني من فوضى سياسية وأزمات عديدة، وبايدن سيلتقي رئيس حكومة مؤقت لا يقدم ولا يؤخر.
العنوان الثاني – النفط
بالرغم من أن بايدن لم يذكر النفط إلا مرة واحدة في مقالته التي نشرتها “واشنطن بوست” ودافع فيها عن زيارته إلى الرياض، إلا أن توجهه إلى السعودية مباشرة من الكيان الإسرائيلي يهدف بشكل أساسي إلى دفع ولي العهد محمد بن سلمان لزيادة الإنتاج والمساهمة في تخفيض أسعار النقط التي بدأت تثير إنتقادات شرسة داخل الولايات المتحدة. تعرض بايدن لإنتقادات إتهمته بالتنازل لولي العهد من اجل النفط، فيما يسعى الرئيس الأميركي إلى إظهار التفوق الأميركي التقليدي واليد الطولى لواشنطن في العلاقة مع السعودية ودول المنطقة خلال زيارته إلى الرياض
العنوان الثالث – إيران
يجد بايدن نفسه في مأزق فيما يتعلق بالإتفاق النووي مع إيران. فبعد عام ونصف تقريبا من رئاسته لم يستطع الخروج من تأثير سياسة سلفه دونالد ترامب حيال الإتفاق، ما يضعه في موقف حرج، خاصة وأنه تعهد بالعمل عكس ترامب فيما يخص العلاقة مع طهران. سوف يحاول بايدن إقناع الإسرائيلي والسعودي بأن الإتفاق مع إيران لن يضر بهما، وأن بلاده ستقدم ضمانات أمنية لكلا الطرفين في حال توقيع إتفاق مع طهران
هنا يمكن التوسع قليلا ضمن هذا العنوان والدخول في موضوع التحالف العربي “الإسرائيلي” الذي كثر الكلام عنه مؤخرا.
سوف يحاول بايدن إعطاء ضمانات للإسرائيلي والعرب من خلال تشكيل ما يسمى “بتحالف الدفاع الجوي في الشرق الأوسط”، والذي يضم دولا عربية والكيان الإسرائيلي، ووضع الحجر الأساس له في قمة النقب قبل أشهر قليلة
هذا التحالف سيستدعي بطبيعة الحال تقديم أسلحة أميركية له، وبالتالي سيناقض بايدن تعهدا جديدا قدمه خلال حملته الإنتخابية وهو وقف أي مبيعات أسلحة للسعودية. لكن نقض هذا التعهد سيجلب الأموال لواشنطن من خلال صفقات الأسلحة التي ستعقدها مع الدول العربية تحت عنوان التحالف الجديد ومواجهة إيران
وارتباطا بهذا العنوان أيضا، سيحاول بايدن تحقيق إنجاز ملموس من خلال تدشين تطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الإسرائيلي، وهو ما تم وضع العناوين العريضة له قبل وقت كما تشير التقارير. والتطبيع السعودي الإسرائيلي سيكون تحت عنوان التحالف لمواجهة إيران أيضا، وسيكون مرتبطا بسياسة تهميش القضية الفلسطينية من خلال ما يسمى باتفاقيات “أبراهام” التي لعبت فيها السعودية دورا كبيرا بإعتراف رئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو
كل هذا، يخدم هدفا أساسيا بالنسبة لبايدن، “إنقاذ إدارته وحزبه من سقوط مدوٍ في الإنتخابات النصفية المقررة في الثامن من تشرين الثاني – نوفمبر المقبل.
= كسب رضا الإسرائيلي وفتح الباب أمامه لتطبيع العلاقات مع السعودية قد يمنح بايدن ورقة قوية تتمثل بدعم اللوبي الصهيوني في واشنطن.
= وإقناع الإسرائيلي والعرب بجدوى الإتفاق النووي (الذي لن يحصل إلا بتراجع بايدن عن أخطاء سلفه ترامب) سيرفع من أسهمه لدى الاميركيين، خاصة أولئك الديمقراطيون الذين ينتقدون تقاعسه في إحياء الإتفاق
= والنجاح في جعل السعوديين يزيدون إنتاج النفط، سيريح بايدن كثيرا ويخفف من نقمة الشارع بسبب إرتفاع أسعار النفط وما يتربط به من مشاكل إقتصادية ومالية
غير أن نجاح كل هذه المحاولات، ليس مرتبطا ببايدن نفسه، بل بالإسرائيلي والسعودي. والخبر السيء الذي لا يريد بايدن ربما التفكير به، هو أن العيون في الكيان الإسرائيلي والسعودية تنظر لما بعد إنتخابات 2024، واحتمال عودة رئيس جمهوري (قد يكون ترامب). ما يعني أن أي تنفيذ لأمنية من أمنيات بايدن من زيارته للمنطقة قد لا يكون ضمن أولويات الأطراف التي ناقض الرئيس الأميركي عهوده وتنازل كثيرا وتغاضى عن وعود حماية حقوق الإنسان التي تبناها لكي يزورها.
المصدر: العالم