بعد 40 عاماً على تأسيسه، بات حزب الله يمتلك ترسانة عسكرية قاربت 120 ألف صاروخ، وصار لديه القدرة على إطلاق 3 آلاف صاروخ في اليوم الواحد من كل المديات على الجبهة الداخلية الإسرائيلية في أيّ مواجهة مقبلة.
حزب الله.. أربعون وبعد
اكتسب حزب الله لقب حامي لبنان عن جدارة، من خلال تزعمه المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي
تعرّف “الجيش” الإسرائيلي إلى حزب الله كتنظيم لبناني مقاوم تأسَّس في مدينة بعلبك، ونشط ضد قوات الجيش الإسرائيلي في لبنان منذ تأسيسه عام 1982، لكن ما ميز حزب الله منذ نشأته كان تجنيده الأشخاص ذوي الدوافع الدينية العميقة والالتزام العقدي بالقتال ضد “إسرائيل”، وارتباطه الفكري والثوري بالثورة الإسلامية في ايران.
ورغم توسع القاعدة الجماهيرية والتنظيمية لحزب الله، فقد استمر في التركيز بشدة على تعبئة قواعده ومنتسبيه بتلك المبادئ المبنية على حتمية زوال “إسرائيل”، وخصوصاً على يد ثلة واسعة من علماء الدين الَّذين مثلوا غالبية عظمى من نواته التأسيسية داخل الطائفة الشيعية.
انعكس البعد الأيديولوجي الديني على العمل العسكري الفدائي لحزب الله ضد “إسرائيل”، إذ نفذ بين عامي 1985-1989 (عام توقيع اتفاق الطائف) نحو 100 عملية عسكرية ضد أهداف إسرائيلية في جنوب لبنان.
ولكن بعد توقيع اتفاق الطائف وانتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، باتت هناك قدرة لدى حزب الله على تركيز قوته العسكرية على تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي؛ ففي الفترة الممتدة بين توقيع اتفاق الطائف حتى الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، بلغت عملياته 5956 عملية عسكرية ضد “إسرائيل”.
أحدث حزب الله تغييراً جوهرياً في بنيته العسكرية بعد تحرير الجنوب اللبناني، وخصوصاً على مدار السنوات الست التي سبقت حرب تموز عام 2006، والتي جاءت الحرب لتزيل الستار عنها، وتحقق المفاجأة للجميع، وفي مقدمتهم الإسرائيلي، إذ اتضح أنَّ حزب الله:
1. حسّن قدرته باستيعاب الهجوم الإسرائيلي، مع الحفاظ على قدرة مقاتليه على استمرار القتال.
2. زاد قدرته على القصف المستمر للجبهة الداخلية الإسرائيلية، وبكميات كبيرة من الصواريخ والمقذوفات المتنوعة، بلغ عددها 4 آلاف صاروخ خلال حرب تموز.
3. باتت لديه القدرة على تأخير وتيرة تقدّم القوات البرية المدرعة الإسرائيلية وتكبيدها أثماناً باهظة، من خلال الاستخدام الجيد للصواريخ المضادة للدبابات وقذائف الهاون والعبوات الناسفة على الشرايين المرورية.
وبذلك، باتت “إسرائيل” تواجه شكلاً جديداً من الأعداء يدمج بين البعد الأيديولوجي الديني من جهة، ومعايير المنظمة الهجينة من جهة أخرى، والذي يتجلى في:
أولاً، النضج التنظيمي والقيادي للتنظيم الذي يسمح لحزب الله على المستوى الاستراتيجي بتحقيق هدفين في آن واحد:
1. اكتساب لقب حامي لبنان عن جدارة، من خلال تزعمه المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتكريس نفسه لاعباً رئيسياً في محور المقاومة ذي العلاقات الاستراتيجية مع دول عظمى، وتأثيره في سياسات المنطقة.
2. الاندماج في مؤسسات الدولة اللبنانية كقوى سياسية مؤثرة، وخصوصاً مع دخول الحزب في العديد من المجالات المرتبطة بالبيئة الجماهيرية الحاضنة للمقاومة، وقدرته على نسج تحالفات قوية مع القوى اللبنانية من خارج الطائفة الشيعية.
ثانياً، درجة الاستفادة من العوامل الطبيعية التي تقدمها البيئة المحيطة، سواء الجغرافية أو البشرية، لمصلحته، للسماح لذلك التنظيم بتشكيل قوة عسكرية تمثل تحدياً حقيقياً للقوات العسكرية النظامية التي تريد قتاله.
ثالثاً، القدرات العسكرية المتنوعة التي يتداخل بعضها مع قدرات جيوش الدولة، وخصوصاً بعد قتال حزب الله في سوريا، وانكشافه على تكتيكات وطرق وأدوات قتالية على مستويات جيوش نظامية متطورة، ولكن مع الحفاظ على مرونة الهيكل العسكري كتنظيم ملتزم بنمط قتال العصابات المعقّد المبني على السلوك السري للتنظيم ومقاتليه، والعدد القليل نسبياً من المقاتلين، وإخفاء قدراته العسكرية، وتمويه عناصره ومقدراته، مع منح مساحات واسعة من القرار لقادته الميدانيين في ساحة المعركة.
بعد 40 عاماً، بات حزب الله يمتلك ترسانة عسكرية قاربت 120 ألف صاروخ، وصار لديه القدرة على إطلاق 3 آلاف صاروخ في اليوم الواحد من كل المديات على الجبهة الداخلية الإسرائيلية في أي مواجهة مقبلة، إضافةً إلى أسطول من الطائرات المسيرة، وقوات نخبة هجومية هي “قوة الرضوان”، التي لا تُخفي أهدافها الهجومية العلنية المتمثلة بتحرير الجليل المحتل، إضافةً إلى ما تتناقله الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عن مشروع الصواريخ الدقيقة وصواريخ بر- بحر الجديدة.
كل تلك القوة العسكرية منحت حزب الله القدرة على تصعيد أيّ صراع ينشب مع “إسرائيل” إلى مستوى عالي الحِدَة، إلى الدرجة التي تمثل، بحسب تقديرات تقارير الأمن القومي الإسرائيلية السنوية، تهديداً استراتيجياً سيتحول إلى تهديد وجودي ما لم يُعالج.
المصدر: الميادين