العين برس – اليمن – تقرير
أكد قائد الثورة المباركة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه، بمناسبة العيد السادس لثورة 21 سبتمبر 2014م، بأن الثورة ثورة شعبية مميزة؛ وأصيلة لم تكن امتداداً لأي توجه خارجي، ولا بدفع من أي جهة خارجية، إنما كانت نابعةً من وعيٍ وإحساسٍ بالمسؤولية، ومن واقع معاناة حقيقية يعاني منها الشعب آنذاك، وأضاف، إن ثورة 21 سبتمبر “تحركٌ واعٍ، وتحركٌ مسؤول، وهو تحركٌ نابعٌ عن معاناةٍ حقيقية وتحرك فاعل وحكيم ومميز بخطواته الحكيمة والصائبة والمميزة والفاعلة والقوية، وهو يعبر فعلاً عن هوية هذا الشعب التي أبرز عناوينها: الإيمان والحكمة”
فكيف كان الوضع السياسي والعسكري والأمني والمعيشي قبل سبتمبر 2014م؟
بالعودة إلى، أحداث ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014م ، والأوضاع التي سادت قبلها في مختلف المجالات ، يمكن التعرف بشكل تفصيلي إلى المكاسب التي حققتها الثورة ، وكيف أنها كانت الموقف الواعي والحكيم لمعالجة الوضع آنذاك، والتحرك الأنجع والمثالي لمعالجة كل ما سبقها من اختلالات وتدخلات أجنبية ووصاية سياسية وأمنية وعسكرية أمريكية.
يمثل المشروع الذي أطلقه السيد حسين بدر الدين الحوثي في العام 2000م ، من جبال مران بصعدة الرافعة الثورية لثورة 21 سبتمبر 2014، وهو الأساس الأيديولوجي والديني والثقافي كذلك ، علاوة على أن الشعب اليمني ذو قيم أصيلة وثورية تحررية ترسخت في وجدانه وهويته ، إنما جاءت محاضرات الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، لاستنهاض الهمم من خلال الطرح الواعي لواقع الأمة وما تتعرض له من أخطار وتحديات ، وكشف مفاعيل الهيمنة الأمريكية وتمظهراتها ومساراتها.
وقد برز المشروع القرآني في شكله الثوري بشكل أكبر حينما اجتاحت أمريكا أفغانستان ثم العراق وما رافق ذلك من هجمة كبرى على منطقة الشرق الأوسط تحت عنوان محاربة الإرهاب، التي أعقبت تفجيرات 11 سبتمبر 2001 ، ولذا جاء التحذير من السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي من أن يصل اليمن إلى ما وصل إليه اشقاؤه في المنطقة.
وقد سبق لأمريكا في العام 2000 استخدام ما عرف بحادثة المدمّرة العسكرية الأمريكية البحرية (يو إس إس كول) في ميناء عدن بتاريخ 12 أكتوبر 2000م، وما تلاها من الضغوط الأمريكية على النظام في اليمن، للقبول بالشروط المفروضة من قبل البيت الأبيض وتقديم التنازلات على حساب السيادة والاستقلال كحال الكثير من البلدان التي رضخت لأطماع أمريكا الاحتلالية بعد حادثة 11 سبتمبر 2001م (تفجير مباني التجارة العالمية).
وبينما كانت الدول وسيادتها تتهاوى في يد أمريكا طوعاً وكرهاً، ويزداد جشع الإمبريالية العالمية في التهام كرامة الشعوب واحداً تلو الآخر، وفي الوقت الذي سلمت فيه قيادة اليمن آنذاك قرارها للعدو الأول للأمة، كان شعاع الثورة يشرق من أعالي جبل مرّان في أقاصي شمال اليمن، حيث انطلق التحرك في المشروع القرآني بإطلاق الشهيد القائد شعار الصرخة في وجه المستكبرين يوم الـ 17 من يناير 2002م.
شكّل مشروع الثورة التي حملت لواء الأمة في وجه أعدائها تهديداً بالغ الأثر على مشروع الهيمنة الأمريكي الذي كان قد تغلغل في جسد الدولة اليمنية، فهبّت أياديها لوأد الثورة في مهدها، معلنة الحرب الأولى التي انتهت باستشهاد القائد غير أنها لم تقض على الثورة، فظلت الأخيرة راسخة في عقول وقلوب وأفئدة جيلٍ من الرجال الصادقين وقائد حكيم لا يخافون في الله لومة لائم.
ثورة مسروقة
ولمّا كانت الثورة تحيي نفسها من جديد، رافعة شعار الحرية والاستقلال المتمثل بالعداء لأمريكا وهيمنتها، أعلنت الحرب الثانية ولم تنته بالسادسة، بل ظلت أمريكا وأدواتها تكيد للثورة ورجالها بشكل مستمر حتى انطلقت ثورة الشباب في الـ 11 من فبراير 2011م، لتمثل بارقة أمل للمشروع الثوري فكان ثوار الأمس أول الثائرين والمبادرين للاحتشاد إلى ساحات التغيير والهتاف برفض الوصاية والتغيير على أمل التحرر؛ ما دفع أمريكا وأدواتها للالتفاف على ثورة الشباب من خلال تقديم بعض أركان النظام كحماة للثورة والمبادرة الخليجية بقيادة المملكة السعودية في 3 أبريل 2011م.
انخدع الكثير من الشباب المنخرطين في القوى السياسية – المتباينة في الموقف والمتحدة في الولاء لأمريكا – في تأييد المبادرة التي تضمنت انتقال السلطة لشخص توافقي آخر هو الفار هادي مع ضمان الحصانة لأركان النظام الفاسد، فيما ظل مكوّن أنصار الله يرفع شعارات الرفض للمبادرة وأصحابها ويهتف بنداءات الثورة في كافة الساحات التي أفرغت – إلا قليلاً – بعد تولي هادي السلطة، مدركاً لخطورة المسار الذي سلكته القوى الأخرى والذي رسمته السياسات الأمريكية.
تدخلات أمريكية
برزت التدخلات الأمريكية في اليمن بشكل واضح منذ بداية القرن الحالي ، إذ وظفت حادثة المدمرة كول، التي وقعت في سواحل عدن عام 2000م، في سياق ذرائعي بررت من خلاله فرض وجود أمني وعسكري في عدن ، جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 ورفع شعار «من ليس معنا فهو ضدنا»، لتضيف بعدا أوسع من الهيمنة الأمريكية ، جعلت علي عبدالله صالح يفتح الأجواء للطائرات الأمريكية بتنفيذ غارات جوية بذريعة ملاحقة الإرهابيين ، وشنت أول غارة أمريكية عام 2002م في مارب على ثلاثة من المتهمين بتفجير كول “.
صارت التدخلات الأمريكية تأخذ أبعادا أوسع مع مرور السنوات التي تلت العام 2001 وصولا إلى تنفيذ مؤامرة تدمير أسلحة الدفاع الجوي وتفجيرها بإذن من رئيس النظام علي عبدالله صالح في الأعوام 2005 و 2007 ، واستمرت مسارات الهيمنة حتى تفجرت أحداث ثورة 2011.
مرحلة الوصاية الأمريكية
مع أحداث 2011 بدأت أمريكا في مرحلة الوصاية الكلية على اليمن وأوجدت من خلالها نقطة انطلاق نحو التحكم والهيمنة على القرار السياسي والأمني والتواجد العسكري وتدخلت في كل التفاصيل.
ففي الـ 3 من أبريل 2011م قامت الأحزاب -سلطوية ومعارضة- بتوقيع المبادرة الخليجية في الرياض تحت إشراف السعودية لتهدئة ثورة الشباب التي تفجرت في اليمن منذ فبراير 2011، مثلت المبادرة التفافا على أهداف ثورة فبراير ، ومدخلا لأمريكا والدول العشر التي قالت إنها تشرف على المبادرة الخليجية.
في 12 يونيو 2012م، قامت أمريكا برعاية إصدار قرار مجلس الأمن العدواني رقم (2051) لسنة (2012)، دعا إلى:” التنفيذ الكامل، للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية” لغرض إنهاء الثورة الشعبية 11 فبراير 2011م.
جاء في القرار ضرورة: ” (أ) عقد مؤتمر حوار وطني شامل. (ب) إعادة هيكلة القوات الأمنية والمسلحة. (ج) اتخاذ خطوات لمعالجة العدالة الانتقالية (د) الإصلاح الدستوري والانتخابي، تولت أمريكا رسم استراتيجية عدوانية لتحديد مستقبل اليمن، وتوجهاته واوضاعه السياسية والأمنية والعسكرية.
انتخب هادي رئيسا بترشيح وحيد ، في بداية العام 2012 ، وفي 7 سبتمبر 2012، قام هادي بزيارة أمريكا ، وفي اللقاء أعاد هادي التأكيد على التزامات سلفه علي صالح في إباحة الأجواء اليمنية للطائرات الأمريكية وفتح قواعد عسكرية وأمنية ومخابراتية في صنعاء والعند وعدن وحضرموت ، وفي نفس الشهر صرح السفير الأمريكي “جيرالد فايرستاين” بأن “قوات من المارينز الأمريكي وصلت صنعاء وفقا لمشاورات تمت مع الحكومة (حكومة الوفاق) ، وبعد عام وتحديدا 30 مايو 2013م بعد عام من زيارة هادي لأمريكا، اقتحمت فرقة من قوات المارينز الأمريكي بعض بيوت المواطنين في محافظة لحج.
قبلها وتحديدا 25 يونيو ٢٠١٣م كان هادي يمتدح ضربات الطائرات الأمريكية ويقول إنها اعجوبة ، خلال لقائه بالرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير الدفاع الأمريكي “تشاك هيغل ، ويؤكد هادي أن كل غارة تتم بموافقته المسبقة أصبحت اليمن مركزا إقليميا لوكالة الاستخبارات الأمريكية المركزي السي آي إيه ، وأنشأت أمريكا معسكرات في صنعاء في قاعدة الديلمي وفي شيراتون ، وفي قاعدة العند وفي شبوة وفي عدن ، وباتت اليمن محكومة من قبل أمريكا في الجانب الأمني والعسكري.
اليمن تحت الفصل السابع
في 25 فبراير 2014 أصدر مجلس الأمن قرارا قدمته أمريكا عبر مجلس الأمن 2140، وضع اليمن تحت الفصل السابع، وجاء فيه “الحالة في اليمن تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين في المنطقة”، والتهديد بفرض عقوبات على من سيعرقلون عملية الانتقال السياسي.
تزايد الفوضى الأمنية وتردي الحالة المعيشية وبدأت اليمن تدخل مرحلة صراع سياسي برعاية أمريكا ، الفوضى الأمنية كانت عارمة وجماعات القاعدة تتمدد في المحافظات وتقتحم المعسكرات والمدن.
أوضاع معيشية متردية
لقد كانت الأوضاع تزداد سوءاً يوماً تلو آخر، على كافة المستويات، إذ دخل البلد في أزمة معيشية واقتصادية وثقافية وصحية طاحنة تزامنت مع الصراع الفئوي بين الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وأبناء الشيخ عبد الله الأحمر ومن انخرط في الصراع من الجيش المنقسم بين نجل عفاش (أحمد علي) وعلي محسن الأحمر وبعض من أبناء القبائل الموالية للطرفين.
ارتفاعات شبه يومية للأسعار وانقطاعات متكررة واعتداءات مستمرة على ناقلات المشتقات النفطية وأبراج الكهرباء وانعدام للكثير من السلع الأساسية وتوسّع مستمر لرحى الحرب الأهلية، لكأن اليمن قطعة أرضٍ ورثتها الأسرتان عن أجدادها، والشعب مسخّر لخدمتهم، والحقيقة أن تلك النظرة الدونية للشعب اليمني لم تكن نظرة عفاشية أحمرية خالصة، دفعهم إليها الغرور والسلطة، بل كانت نظرة أمريكية بحتة رسم ملامحها السفير الأمريكي جيرالد فايرستاين، الذي يمثّل الحاكم الفعلي لليمن.
وإلى جانب ذلك كان حجم الفساد في البلاد قد وصل إلى أعلى مستوى له وأصبحت ثروات الوطن ومقدراته تذهب لصالح مجموعة من الأسر فيما الغالبية العظمى من الشعب يعانون من فقر مدقع، وانهارت المنظومة الزراعية اليمنية بفعل الاتفاقيات الدولية بين الحكومة والجهات الدولية التابعة لقوى الهيمنة على غرار ما حصل في مصر من قبل المنظمات الإسرائيلية.
حوار سياسي ترعاه أمريكا وسفراء الدول العشر
تسارعت الأحداث واحتشدت القوى إلى ما عرف بمؤتمر الحوار الوطني – الذي انعقدت أولى جلساته في الـ 18 من مارس 2013م – بحثاً عن مخرج من المعجنة التي فرضتها سفارة أمريكا وما حولها من سفارات الدول العشر على البلد، فيما ظلت مخيمات الثوار (أنصار الله) تفترش الساحات، ورؤيتهم في الحوار واضحة لا تتجاوز مفهوم الحرية والاستقلال.
حمل الأنصار مشروع الدولة اليمنية الحديثة بتفاصيلها الدقيقة وكان ممثلوهم في المؤتمر أعلى صوتاً من غيرهم، ولما عجز الأمريكي عن تمرير مخططه عبر المؤتمر، والمتمثل بتقسيم اليمن وتمزيقه من خلال الأقاليم، لجأ إلى تزوير وثيقة الحوار، فيما عمدت يده الغادرة إلى إسكات ذلك الصوت من خلال اغتيال بعض ممثلي أنصار الله في مؤتمر الحوار الوطني كـ عبد الكريم جدبان والدكتور أحمد شرف الدين، وحينما لم يخبُ صوت الثورة شرعت أمريكا في تنفيذ سياساتها الإجرامية بشكل غير مسبوق.
سيطرة أمنية
أدركت الإدارة الأمريكية مع كل ما لاحظته من إصرار للثوار أن سياستها المتمثلة بتطويع النظام المؤقت في اليمن، على غرار سابقه لتحقيق التوسع غير مجدية، فراحت تعمل على تدمير مقومات الدولة اليمنية على كافة المستويات وفرضت السفارة الأمريكية والمخابرات المركزية سيطرة أمنية وعسكرية مطلقة، فإلى جانب الوضع الاقتصادي المنهك، وأعمال التخريب التي شجّعتها والخسائر التي لحقت بقطاعات العمل والإنتاج الاقتصادية والصناعية العامة والخاصة وسائر الخدمات اليومية للمواطنين في البلاد، عمدت إلى العبث بالأمن والسكينة الاجتماعية، من خلال الاغتيالات والتفجيرات واقتحام المعسكرات وتساقط وتدمير الطائرات الحربية مع تدمير شبكات الكهرباء وأنابيب النفط، إضافة إلى تقديم وتنفيذ مشروع هيكلة الجيش.
وخلال السنوات الأربع التي سبقت ثورة 21 سبتمبر، وصل عدد استهداف قيادات سياسية وعسكرية وضباط ومفكرين يمنيين إلى 1364 اغتيالا كان أنصار الله المكون الأكبر خسارة في هذا المجال، علاوة على ضحايا التفجيرات، بينما استطاعت المخابرات الأمريكية اختراق جهاز الأمن القومي اليمني ووزارتي الدفاع والداخلية خلال الفترة التي عمل فيها مسؤولون في تلك الأجهزة مع القوات الأمريكية في وحدات إقرار تنفيذ الضربات الجوية بواسطة طائرات “بريداتور”.
انتشرت تصاعدت وتيرة الاغتيالات والتفجيرات يوماً تلو آخر بينما اكتفت الدولة بتسجيل القضايا ضد مجهولين أو عمل إرهابي، ليتم في الأخير تتويج تلك الأحداث بإيصال تنظيم القاعدة إلى صنعاء برعاية أمريكية وتواطؤ يمني من نظام هادي، كانت نتيجته كارثية في تفجيرات مجمع وزارة الدفاع (العرضي) والعرض العسكري الخاص بقوات الأمن المركزي والمتقدمين لكلية الشرطة.
“المارينز” الأمريكي في صنعاء
في منتصف سبتمبر 2012، أعلن السفير الأمريكي السابق، جيرالد فايرستاين، وصول مجموعة وصفها بالصغيرة من قوات المارينز الأمريكية، إلى صنعاء بناء على مباحثات تمت مع الحكومة، وأضاف السفير في بيانه إن “مهمة تلك القوات سيكون المساعدة في جهود الأمن وإعادة الوضع إلى طبيعته في سفارة الولايات المتحدة بصنعاء، وهي تعمل وفقا للقانون الدولي”.
حينها كشفت صحيفة “الشارع” اليمنية، أن نحو 1500 أمريكي تمّ إرسالهم إلى قاعدة العند العسكرية، وأن 200 آخرين أُرسلوا إلى قاعدة الديلمي الجوّية في صنعاء، وأصبحت –القاعدتان- تحتضنان في ما بعد 5800 عسكري أمريكيّاً، بينما كانت الطائرات بدون طيار تنفذ عمليات متفرقة في كافة مناطق اليمن لاستهداف القرى الآهلة بالسكان بحجة محاربة الإرهاب.
وكانت الثورة قد نشرت تقريراً عن وثائق كشفتها قناة المسيرة، تتضمن ما يثبت أن السفير الأمريكي هو الحاكم الفعلي لليمن، حيث أشارت الوثائق إلى لقاءات جمعت السفير مع مسؤولين في الحكومة ليؤكد لهم وصول فريق أمريكي إلى صنعاء للإشراف على هيكلة القوات المسلحة في اليمن، وفي ١٦ أبريل ٢٠١٢م، عقدت لجنة الهيكلة المشكلة من قبل هادي اجتماعا برئاسة السفير الأمريكي، بحضور فريق فني أمريكي.
إلى ذلك، عملت أمريكا على تدمير القوات الدفاعية بشكل عام، من خلال تدمير منظومات صواريخ الدفاع الجوي، وتسريح ألوية حماية الحدود وقوات الدفاع البحري العسكرية، واستبدالها بـ ”وحدات أمنية رمزية” حسب نص التوجيه الذي أصدره السفير الأمريكي.
وبتوجيه أمريكي أنشئ جهاز الأمن القومي ليتم توجيه نشاطه في مسارات محددة تخدم مصالح الأمريكي، فيما عملت السفارة على إنشاء وحدات مكافحة الإرهاب، ودعمها وإسنادها وتقويتها وجعلها ضمن وحدات الجيش، ونقل تبعيتها من وزارة الداخلية إلى الدفاع، بحسب الوثائق التي تضمنت توجيهات بإلغاء قوات حرس الحدود والدفاع الساحلي، والاقتصار على وحدات رمزية لتكون قوات أمن للحدود اليمنية البرية والبحرية.
وصاية سياسية
استمرت جلسات مؤتمر الحوار الوطني في الانعقاد بينما كان السفير الأمريكي يجوب اليمن شرقاً وغرباً؛ لتغذية الصراع بين الأطراف السياسية من أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام والقبائل، فإلى جانب اللقاءات العسكرية التي عقدها مع قيادة الأمن والدفاع فتح السفير مسارات أخرى للصراع وعقد لقاءات شبه يومية مع أمناء الأحزاب المختلفة من أجل إفشال مؤتمر الحوار من خلال الضغط على الأطراف غير الوطنية لتمرير مشروع التمزيق.
وعلى الجانب الآخر فتح مساراً خاصاً بالوجاهات القبلية فأصبح يزور مجالس كبار المشايخ والوجاهات الاجتماعية ويوجههم من منطلق القوة التي يفرضها الحاكم الديكتاتور على عمّاله، فانشغلت القبائل بالثارات والتقطعات وراحت السفارة تمول الصراعات القبلية ضد بعضها حتى بات لا يمر يوم في اليمن دون أن نسمع فيه عن اشتعال حرب بين قبيلة وأخرى على قضية ثأر قديم، بغية إشغال القبيلة بنفسها وتجريدها من القيام بأي دور إيجابي تاريخي يتمثل بإنقاذ البلد وأبنائه من الهاوية.
وكانت السفارة قد مارست ضغوطاتها على الحكومة اليمنية لمقاطعة مكتب المقاطعة المركزي في دمشق وإلغاء نظام المقاطعة للبضائع الإسرائيلية من الدرجة الأولى والثانية، إضافة إلى التماهي مع بقية الدول في التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية عابرة لا باعتبارها القضية الأساسية للأمة.
ترويض وإفساد
لم تترك السفارات أي تكتل يمني رسمي كان أو اجتماعي، قبلي أو مدني، نسوي أو شبابي إلا وسعت للسيطرة عليه وتدجينه، حيث قدّمت المنظمات الدولية المانحة –والتي تمولها حكومات الدول العظمى عن طريق السفارات – الدعم المادي للمنظمات اليمنية من أجل تنفيذ برامج مسيئة للعادات والتقاليد القبلية والمبادئ الدينية والقوانين والتشريعات الوطنية.
تهدف تلك البرامج إلى الضغط التي تشكله منظمات المجتمع المدني على الدولة لإلغاء وتعديل القوانين والتشريعات الوطنية؛ ومواءمتها مع الأحكام التي تضمنها العهد الدولي، من خلال تعديلها؛ وفق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، والدعوة لإلغاء القوانين الوطنية التي تخالف ذلك، خاصة المتعلقة بالانتخابات، أو بتولي المرأة للقيادات العامة، أو بالمساواة المطلقة بين الذكر والأنثى، أو بحرية المرأة المطلقة وبدون قيود، ومن ذلك ما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية الصادر عام 2012م، الخاص بالحقوق السياسية والمدنية ومطالبته للحكومة اليمنية بـ ”إلغاء المواد 263 و264 و267 و268 من قانون الجرائم والعقوبات، التي تجرِّم العلاقات الجنسية المثلية التي تتم بالتراضي”.
السفير الأمريكي حاكم مطلق
على الجانب الإداري للدولة تفرّد السفير الأمريكي بتوجيه الأوامر إلى هادي لإصدار قرارات رئاسية لعدد من القادة العسكريين في مناصب مختلفة بينها قائد جديد لقوات العمليات الخاصة، ونائبا له ونائبا لرئيس هيئة الأركان العامة، بحسب وثائق يعود تاريخها للعام 2012م.
ذلك الحال تكرر بشكل متواصل إلى الدرجة التي يوصف معها السفير بأنه الحاكم الفعلي لليمن.. وبعودة سريعة للاطلاع على أرشيف صحيفة “الثورة” الرسمية من تاريخ 1 يناير 2010م، تجد أن أخبار السفير الأمريكي منذ 2010م حتى بداية سبتمبر 2014م، نشرت جميعها في الصفحة الأولى للصحيفة وبلغت 336 خبراً بحجم مساحات أخبار الرئيس وكبار المسؤولين، إلى جانب الأخبار المنشورة في الصفحتين الثانية والثالثة.
تغريب وتهريب
على الجانب الثقافي، دعمت السفارات الغربية التي تقودها أمريكا عدداً من الصحف والقنوات الخاصة والحزبية من أجل تضليل الرأي العام ونشر ثقافة الكراهية والعنصرية والطائفية في أوساط المجتمع، وشنت الحروب الإعلامية ضد أعداء المشروع الأمريكي، فيما أنشئت كيانات شبابية ونسوية في الجامعات والمعاهد لغرض التمزيق الكلي للمجتمع مع نشر ثقافة الاختلاط الفوضوي اللاأخلاقي وثقافة العنصر الجنسي الواحد.
كما عملت السفارات على تقديم فرص للطلاب المتفوقين في معاهدها في صنعاء من أجل استقطاب العقول والكفاءات وتصديرها إلى الخارج، واختفت الندوات العلمية والثقافية والصباحيات والأمسيات الشعرية والقصصية التي تحيي روح الثورة في قلوب الأجيال وطغى بدلاً عنها الفن الهابط والحرب الناعمة، وكان الجيل كله قد نشأ مغيباً عن تاريخه الحقيقي بعد تغيير المناهج وحذف كل ما يتعلق بالصراع العربي الإسلامي مع الصهاينة.
التحرك الشعبي الحكيم والواعي والموقف المسؤول
كان قرار فرض الجرعة السعرية الذي أصدرته حكومة باسندوة وهادي المرتهنة للسفارة الأمريكية بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ، فقد فجرت الجرعة ثورة الشعب اليمني ، إثر القرار الذي اتخذته الحكومة ليلة عيد الفطر في 30 يونيو 2014م ،لم يكن الأمر معالجة اقتصادية حسب خبراء حينها بل إركاع للشعب اليمني ووسيلة من وسائل الترويض.
شرارة الثورة الشعبية
لم تكن المشكلة تتمثل بالجرعة فحسب، بل كان الجانب الآخر من القرار مستفزاً إلى الدرجة التي أسهمت باندلاع الثورة، حيث ظهر قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في أول خطاب له عقب قرار الجرعة يوم 3 أغسطس 2014م، داعياً إلى الخروج والتظاهر وإسقاط الجرعة، والتنديد بجرائم العدوان الصهيوني في قطاع غزة، معتبراً ذلك القرار وتوقيته عاملًا من عوامل الاستهداف وليست أبداً في سياق إصلاحات اقتصادية.
وفي الـ 4 من أغسطس 2014م، احتشد اليمنيون في تظاهرات واسعة في معظم المحافظات تلبية لدعوة السيد القائد، رافعين الهتافات والشعارات الرافضة للجرعة، منددين بجرائم العدو الصهيوني في قطاع غزة.. رسمت تلك التظاهرات ملامح ثورة شعبية كبرى.
تصعيد ثوري نحو صنعاء
في الـ 13 من أغسطس، خرج قائد الثورة بخطاب ثانٍ دعا فيه الجماهير إلى الخروج الكبير وتدشين المرحلة الأولى من التصعيد الثوري، لكن هذه المرة كانت ملامح الثورة قد اتضحت أكثر حين أعلن القائد أهدافها الثلاثة المتمثلة بـ “إسقاط: الجرعة والحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني”.
وفي الـ 17 من أغسطس أعلن قائد الثورة عن خطوات تصعيدية ضاغطة ينتقل خلالها اليمنيون من المحافظات إلى صنعاء للاعتصام في القيعان التي تلف العاصمة، ممهلاً الحكومة 5 أيام – تتخللها مسيرات مكثفة في أمانة العاصمة – للتراجع عن قرار الجرعة والاستجابة لمطالب الثوار، ما لم فالتصعيد مستمر.
خلال تلك الفترة شكل هادي لجنة رئاسية وصلت إلى محافظة صعدة للقاء السيد القائد من أجل تهدئة الشارع لكنها غادرت بشكل مفاجئ دون استكمال المفاوضات، لتعود بخبر أن قائد أنصار الله تعهد بتعويض فارق الدعم الذي قررت الحكومة رفعه ليخرج القائد داحضاً تلك الإشاعات في خطاب تصعيدي ثالث، معتبراً تلك الإشاعات نكتة، بينما قال ناطق أنصار الله محمد عبد السلام حينها إن نقطة الخلاف الجوهرية مع اللجنة الحكومية أنها وصلت إلى صعدة وهي مجردة من أية صلاحيات حول القضايا الرئيسية وبالأخص قرار الجرعة السعرية.
مرحلة ثانية من التصعيد تزعج مجلس الأمن
استمرت المظاهرات تجوب مناطق العاصمة صنعاء، وفي الـ 21 من أغسطس أكد قائد الثورة أن الاعتصام السلمي في صنعاء مستمر حتى تحقيق مطالب الشعب، وفي اليوم التالي الجمعة الموافق 22 أغسطس خرج اليمنيون في الساحات لأداء صلاة الجمعة وكان خط المطار في أمانة العاصمة نقطة انطلاق المرحلة الثانية من التصعيد الثوري.
حينما وجدت الحكومة نفسها في موقف محرج بين مطالب الثوار والضغوط الأمريكية، فلجأت وحزب الإصلاح والأحزاب الشريكة له في اللقاء إلى تسيير تظاهرات مضادة في الـ 24 من أغسطس تحت مسمى “الاصطفاف الشعبي”، وحينما فشلت تلك التظاهرات في حرف مسار الثوار لجأ مجلس الأمن إلى إصدار بيان يوم الجمعة الموافق 29 أغسطس عبّر فيه عن موقف عدائي تجاه ثورة الشعب اليمني، داعياً لوقف المظاهرات وإخلاء الساحات ورفع المخيمات، غير أن تلك التوجيهات قوبلت بمزيد من الإصرار والعزيمة على تحقيق أهداف الثورة وتجاوز العقبات.
جمعة الإنذار (مرحلة ثالثة)
في 31 أغسطس وبعد يومين من بيان المجلس خرج قائد الثورة معلناً بدء المرحلة الثالثة من التصعيد الثوري، والتي تضمنت خطوات شعبية ضاغطة فبدأ الثوار ينصبون الخيام أمام وزارات الكهرباء والمواصلات والداخلية والبريد المركزي.
أسميت جمعة ذلك الأسبوع بجمعة الإنذار رفع الثوار فيها الشارات الصفراء، وأغلقوا شارع المطار فاتسعت ساحات الثورة واحتشد الناس من كل المناطق إلى المخيمات، وبدأت القوافل الشعبية الغذائية تسيّر إلى الساحات من مختلف المديريات، فاتسعت دائرة الاعتصامات أكثر وفتحت مخيمات اعتصام في مناطق حساسة كما شهدت العاصمة عصياناً مدنياً شل الحركة لأربع ساعات تم إغلاق البنوك الرئيسة في شارع الزبيري.
اعتداء على الثوار
في الـ 7 من سبتمبر، أرسلت الحكومة عناصر مسلحة من قوات مكافحة الشغب إلى مخيمات المعتصمين في خط المطار لفض الاعتصام وإزالة الحواجز الإسمنتية، فاستقبلها الثوار بهتافات سلمية غير أنها بادرت بإطلاق الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع والرش بخراطيم المياه ما أسفر عن جرح 40 متظاهراً.
وفي الـ 9 من سبتمبر، وبعد يوم من تعيين قائد جديد لقوات الأمن الخاصة، خرجت مظاهرات كبرى باتجاه رئاسة الوزراء، فقابلها الجنود التابعون للفرقة الأولى مدرع بالرصاص الحي. أسفرت تلك الحادثة عن سبعة شهداء و75 مصاباً بطلق ناري و144 بالغازات السامة و50 مفقوداً تم أسرهم.
مساء ذلك اليوم وبعد خطاب السيد القائد الذي حذر فيه للمرة الأخيرة من مغبة الاعتداء على الثوار وطالب بتقديم القتلة إلى العدالة، اعتدت قوات أمنية حكومية في منطقة حِزيَّز جنوب صنعاء على الثوار المعتصمين في شارع المئة.
جمعة الغضب (مرحلة أخيرة)
يوم الجمعة الـ 12 من سبتمبر، أدى الثوار الصلاة في شارع المطار مطالبين بمعاقبة مجرمي تلك المذبحة، لكن النظام وقوات علي محسن الأحمر قابلتهم بالنار مرة أخرى فانطلقت مع ذلك شرارة التصعيد الثوري المسلح.
وفي 17 سبتمبر، اندلعت مواجهات مسلحة في قرية القابل بمديرية همدان شمال صنعاء بين الثوار الذين كانوا في موقف الدفاع ومسلحين يقودهم “صالح عامر” مدير مكتب علي محسن الأحمر. وحين انكسر هجوم مكتب محسن وحوصرت قواته امتدت الاشتباكات إلى منطقة شملان في المدخل الشمالي الغربي للعاصمة واستمرت حتى فجر 18 سبتمبر، حيث لقي صادق مكرم مصرعه وهو قائد لواء الدفاع الجوي في المنطقة العسكرية السادسة التابعة لعلي محسن الأحمر، كما شهد المدخل الجنوبي لصنعاء اشتباكات خفيفة بين الثوار وعسكر الحكومة الفاسدة.
خلال ذلك توجه مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر مع وفد محلي ضم رئيس جهاز الأمن السياسي جلال الرويشان ومدير مكتب الرئاسة أحمد عوض بن مبارك والقيادي الثوري حسين العزي، إلى محافظة صعدة للقاء قائد الثورة والتفاوض معه، لكن المهمة فشلت، وواصل الثوار زحفهم بعد كسر كافة زحوف قوات النظام والتكفيريين.
وفي 20 سبتمبر سيطر الثوار على معسكر التلفزيون، وفي ذلك اليوم أطبق رجال الثورة من اللجان الشعبية حصارهم على معسكر الفرقة الأولى مدرع مع قيادته وتبة صادق وجامعة الإيمان.
بيان النصر
يوم الـ 21 من سبتمبر اقتحم الثوار المعسكر من جهتين، وخلال ساعات كانوا قد أكملوا عملية التمشيط للفرقة وجامعة الإيمان، فأعلنت القنوات الرسمية استقالة الحكومة وأعلنت وزارة الدفاع والأركان العامة تأييدها للثورة كما أعلنت وزارة الداخلية أن أنصار الله أصدقاء للشرطة كما انضم عدد من جنود ومنتسبي الشرطة الجوية وجميع المطارات للثورة الشعبية، هرب الجنرال المجرم علي محسن الأحمر في زي نسائي على متن طائرة مروحية أقلعت من العند إلى السفارة السعودية، تمثلت في هروب الجنرال علي محسن وسقوط الفرقة، ووقع أنصار الله مع كافة القوى اتفاق السلم والشراكة.
وفي ثالث أيام الثورة ظهر قائدها مباركاً للشعب ذلك الإنجاز الكبير، ومؤكداً أن الطريق أمام الثورة وأهلها طويل وأن هذا النصر بزخمه ليس سوى البداية، ومعلناً أن اليمن بدأ مرحلة جديدة عنوانها الشراكة والأمن والعدالة وبناء الدولة.
وقتذاك أحرق الأمريكيون أرشيف سفارتهم الحافل بتطويع اليمن دولة وحكومة ومجتمع مدني وإعلامي وسياسي وثقافي وعسكري وأمني ومخابراتي لصالح السياسة الأمريكية، وغادرت قوات المارينز التي كانت قد نصبت قواعدها في صنعاء والعند وغيرهما وأطلق السفير الأمريكي عبارته الشهيرة: “لم يعد لدينا أي عمل في اليمن”.
(تقرير – عبدالقادر عثمان)