العين برس:
يتحدث الكاتب دوغ باندو عن فشل السياسة الأميركية في سوريا، ويدعو السلطات الأميركية إلى الاعتراف بذلك، والتخفيف من معاناة الشعب السوري التي تزداد بسبب العقوبات.
مقال للكاتب، دوغ باندو، في موقع “responsiblestatecraft” يدعو إلى انسحاب القوات الأميركية من سوريا، ويشير إلى فشل السياسة الأميركية هناك بشكل كامل تقريباً.
تنشر الميادين نت نص المقال منقولاً إلى العربية:
الوضع الراهن يضر أكثر مما ينفع. دعونا نعترف بالفشل قبل أن يتعرض المزيد من السوريين للأذى.
تستمر الحرب في سوريا بشكل متقطع بعد ما يقرب من 12 عاماً على اندلاعها، ولا تزال الولايات المتحدة، تحتل ركناً في (شمال – شرق) هذا البلد، بعديد قوات يصل إلى 900 جندي. كذلك، تحكم واشنطن قبضة الموت على الاقتصاد السوري، وتجعل سكان البلد يعانون من الفقر المدقع، تحت وطأة العقوبات و”قانون قيصر”.
كما هي الحال مع الخصوم الآخرين، اعتقدت واشنطن أنّ الضغط الأقصى سيولّد، بطريقة ما، حكومة “صديقة” في دمشق. حتى الآن، حافظت إدارة بايدن، ببساطة، على وضع لا تعرف فيه الولايات المتحدة، ما تريده من وجود قواتها في سوريا. ومن غير المرجّح أن يتغيّر ذلك، بالنظر إلى التحوّل الدراماتيكي في أولويات أجندة السياسة الخارجية الأميركية، والافتقار الحاد إلى الخيارات والبدائل السياسية والدبلوماسية.
ينظر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مرةً أخرى إلى سوريا، من أجل شن “حربٍ صغيرة”، قد تحسّن من شعبية حزبه في الانتخابات العامة المقبلة، بعد أن كشفت استطلاعات الرأي الحديثة، تراجعاً ملحوظاً في عدد مؤيدي “حزب العدالة والتنمية”.
قد تكون العملية العسكرية التركية فرصةً “رائعة” لكسب الأصوات، لكنها، تؤدي إلى تعريض الأفراد الأميركيين للخطر، الذي حذّرت منه واشنطن بردود فعل غاضبة على التهديدات التركية.
لا شك في أنّ تهديدات أنقرة غير مبررة، لكن الوجود الأميركي غير مبرر أيضاً. ومع ذلك، اقترح إردوغان لقاء الرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد يؤدي التوصل إلى تسوية مؤقتة بين الزعماء الثلاثة إلى إنهاء آخر بقايا الصراع، وإعادة دمج سوريا في المنطقة. ويجب على واشنطن، أن تُساعد في هذه العملية من خلال التراجع عن العقوبات التي تستهدف الشعب السوري، وأن تشجع شركاءها الخليجيين، على إعادة الانخراط مع دمشق، لا أن تمنعهم كما تفعل الآن.
بدأت “الحرب السورية” في مطلع عام 2011، باحتجاجات “الربيع العربي” ضد حكومة البلاد. وسرعان ما اندلع العنف، واجتذب الصراع جماعات ودولاً أجنبية، بما فيها الولايات المتحدة، التي سعت إلى إطاحة حكومة دمشق وهزيمة “داعش” في آن واحد. وبالفعل، انخرطت واشنطن بغباء في تشجيع المتمردين “المعتدلين”، والتحالف الفعّال مع المتطرفين الإسلاميين، ودعم جماعات مسلحة كثيرة، بشكل غير مباشر، من بينها فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، بينما ركزت موسكو وطهران على دعم حكومة دمشق.
بعد عقدٍ من الزمان، فشلت السياسة الأميركية في سوريا بشكل كامل تقريباً، بخلاف هزيمة “داعش”، التي تمّ إنجازها إلى حدّ كبير من قبل الآخرين، الذين شاركوا في القتال. وفي وقتٍ يتم التسويق للعقوبات الاقتصادية، على أنّها أكثر إنسانية من الحرب، لكنها أكثر تدميراً. فمن يستطيع أن ينسى رد مادلين أولبرايت البارد على العقوبات الأميركية التي قتلت نصف مليون طفل عراقي: “نعتقد أن الثمن يستحق ذلك”.
تمّ فرض عقوبات متعددة على دمشق. الأكثر وحشية هو “قانون قيصر”، الذي يمنع بشكل أساسي أي كيان أجنبي يتعامل مع المؤسسات الأميركية، من ممارسة الأعمال التجارية في سوريا. زعمت إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، بشكل روتيني أنّ العقوبات “لم تكن تهدف إلى إلحاق الأذى بالشعب السوري. ومع ذلك، كان من الواضح أنّ هذا كان خطأً”.
استراتيجية العقوبات تعاقب السوريين، سواء كانوا يدعمون الحكومة أم لا. حالياً يعيش 9 من كل 10 سوريين في الفقر، وأكثر من 6 أشخاص من كل 10 يواجهون خطر الجوع.
وعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة لا تسير بشكل جيد، على الرغم من مناشدات المبعوث الخاص للأمم المتحدة. كما أن تدهور علاقات واشنطن بروسيا وإيران يقلل من أي فرصة للتعاون مع الغرب.
الممثل الأميركي الخاص في سوريا، جيمس جيفري، ضلّل ترامب، وتلاعب به لإبقاء القوات الأميركية في سوريا. ولعب جيفري دوراً رائداً في تنفيذ العقوبات. وبعد إقرار “قانون قيصر”، أوضح جيفري أيضاً عن هدفٍ آخر للهجوم على سوريا: جعلها مستنقعاً للروس. القوات الأميركية
تحمل مبادرة إردوغان الأخيرة واستعداده لإعادة العلاقات بسوريا، بوادر اتفاق تدعمه روسيا، ينسحب بموجبه الجيش التركي، وتستعيد دمشق السيطرة على حدودها مع تركيا. من شأن ذلك أن يوفر الأمن لأنقرة وينهي الاحتلال التركي للأراضي السورية.
كذلك، فإن هذه العملية ستمنح دمشق، بعد الانسحاب الأميركي، السيطرة على باقي حدودها مع العراق. وستشجع هذه الخطوة دول الخليج والحكومات العربية الأخرى، على إعادة العلاقات مع دمشق. يمكن لواشنطن أن تنهي حربها الاقتصادية على الشعب السوري، وعندها يمكن للدول المجاورة لسوريا أن تعرض مساعدات في ملف إعادة الإعمار.
فشلت الإدارات المتعاقبة في إطاحة حكومة دمشق. ويجب أن يعترف صانعو السياسة في الولايات المتحدة بفشلهم وأن يجربوا استراتيجية جديدة. إنّ السعي لتحقيق السلام بدلاً من تأجيج الصراع سيكون أكثر ملاءمة لمصالح أميركا والشعب السوري.
حتى اللحظة، خسرت الولايات المتحدة الحرب والسلام في سوريا.
نقله إلى العربية: حسين قطايا
المصدر: الميادين