العدو يصر على الابتزاز والتهرب من الاستحقاقات
العين برس/ تقرير
جدَّدَ قرارُ إيقاف الرحلات الجوية المحدودة بين صنعاء والأردن، التأكيدَ على عدم تغيُّر موقف دول العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي تجاه استحقاقات الشعب اليمني المشروعة، وتجاه متطلبات السلام الفعلي؛ وهو ما تؤكّـده أَيْـضاً بقية معطيات الواقع الذي لم يشهد طيلة الفترة الماضية أي تجاوب عملي في سياق الحل، برغم من الحديث عن مؤشرات إيجابية على طاولة المفاوضات؛ الأمر الذي يؤكّـد أن تحالفَ العدوان لا يزالُ يتحَرّكُ في إطار هامش المراوغة والمماطلة.
ورقة ابتزاز:
القرار الذي دفع فيه تحالف العدوان بشركة الخطوط الجوية اليمنية إلى الواجهة لإيقاف الرحلات الأسبوعية الست المتفق على تسييرها بين صنعاء والعاصمة الأردنية، كان “مفاجئًا” بحسب تعبير مدير عام مطار صنعاء الدولي، خالد الشايف، الذي أكّـد أَيْـضاً أنَّ هذا التصرف “سبَّبَ مأساةً إنسانية كبيرة للمرضى والحالات الإنسانية في الداخل والخارج”.
مع ذلك، لم يكن القرار غريباً بالكامل على المشهد، فمنذ سنوات يصر تحالف العدوان على استخدام حق السفر من وإلى مطار صنعاء كورقة ابتزاز، مستخدماً واجهات محلية للتنصل عن المسؤولية، فبعد إعلان الهُدنة في أبريل 2022، رفضت دول العدوان السماح بتسيير الرحلات التي تم الاتّفاق عليها لأكثر من شهر ونصف شهر، وبعدها تم السماح بتسيير رحلات وجهة الأردن فقط، برغم أن الاتّفاق نص بوضوح على تسيير رحلات بين صنعاء والقاهرة، وحتى الرحلات المسموح بها واجهت الكثير من العوائق والعبث في المواعيد، ومحاولات فرض شروط تعسفية على المسافرين، وقد ألقى تحالف العدوان بالمسؤولية خلال كُـلّ ذلك على حكومة المرتزِقة وشركة اليمنية، برغم أنه يتحكم مباشرة بتسيير كافة الرحلات في اليمن.
وبالتالي فَــإنَّ القرار الجديد لا يمكن فصله عن إرادَة وموقف تحالف العدوان تجاه متطلبات السلام التي تتضمن رفع القيود بشكل كامل عن المطارات والموانئ، وهذا ما أكّـدته بوضوح وزارة النقل ومجلس النواب، السبت، إضافة إلى بيان صدر عن مجلس الشورى، الأحد، وأوضح أنَّ “استمرار تحالف العدوان في التلاعب في الملف الإنساني يهدف إلى التنصل من الالتزام بما تم التفاوض والاتّفاق عليه، كما يعد مؤشراً خطيراً وإساءة لجهود بناء الثقة وإحلال السلام”.
وفي هذا السياق أَيْـضاً، أكّـد وكيلُ الهيئة العامة للطيران، رائد جبل، في حديث لـ “المسيرة”، أن “إغلاق مطار صنعاء أَو التلاعب بعدد الرحلات هو منهجية حصار درج عليها تحالف العدوان بذرائع متعددة وهذه المرة بذريعة طيران اليمنية للأسف”، مُشيراً إلى أن “الخطوط الجوية اليمنية تعمل من مطار صنعاء دون أية عوائق ولا توجد قيود على حساباتها أَو حتى إجراءات تصل إلى حَــدّ تعليق الرحلات”، في إشارة إلى زيف كُـلّ المزاعم التي قدمتها شركة “اليمنية” لتبرير إيقاف الرحلات.
وَأَضَـافَ جبل أن “تعليق طيران اليمنية لرحلاتها من مطار صنعاء تم بإيعاز من تحالف العدوان، ووحده يتحمل المسؤولية والتبعات”.
بدوره، أكّـد نائب وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، حسين العزي، أنَّ: “قرار وقف الرحلات إجراء غير حكيم وغير ضروري ويمثل إساءة كبيرة لجهود بناء الثقة”، داعياً إلى “المبادرة السريعة للتراجع عن هذا التصرف الخاطئ وغير المسؤول”.
وَأَضَـافَ أنه “يجبُ تحييدُ اليمنية كناقل وطني وحمايتها من أي عبث أَو توظيف سياسي لابتزاز صنعاء”.
وتوجّـه هذه الردود رسالة واضحة إلى دول العدوان بأن محاولات الاختباء خلف حكومة المرتزِقة أَو شركة “اليمنية” لن تعفيَه من المسؤوليات التي يجب عليه تحملها إزاء متطلبات السلام، وأن إحالة استحقاقات الشعب اليمني إلى أطراف محلية لا تمتلك قرارها هو محاولة ابتزاز والتفاف مكشوفة، لن تجدي في التهرب من التداعيات المترتبة على استمرار الحصار.
مؤشراتٌ سلبيةٌ:
توقيتُ قرار إيقاف الرحلات المحدودة بين صنعاء والأردن، يؤكّـد أَيْـضاً أن القرار مرتبطٌ بإصرار دول العدوان على المماطلة والتعنت، فالقرار جاء بعد أن تحدثت صنعاء عن تطورات تفاوضية “إيجابية” يفترض أن تكون متبوعة بخطوات عملية لبناء الثقة، وخُصُوصاً فيما يتعلق بالقيود الإجرامية المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة؛ وهو ما يعني أن دولَ العدوان أرادت من خلال القرار كسب المزيد من الوقت وافتعال مشكلة جديدة تؤجّل بدء تنفيذ إجراءات الثقة، الأمر الذي يعني أن الهدف الرئيسي بالنسبة للعدو لا يزال يتمثل في إطالة أمد خفض التصعيد العسكري، وليس التوصل إلى حلول شاملة وثابتة.
هذا ما تؤكّـده أَيْـضاً بقية المعطيات على أرض الواقع، ففي المناطقِ اليمنية الحدودية بمحافظة صعدة، لا تزال نيرانُ جيش العدوّ السعوديّ تستهدف المواطنين بشكل يومي، فخلال أقل من 48 ساعة منذ بداية شهر أُكتوبر الجاري، استشهد ثلاثة مواطنين، وأُصيب أربعة آخرون بينهم امرأة، بنيران سعوديّة مباشرة استهدفت مديريات شدا ومنبه وقطابر.
وتأتي هذه الجرائمُ الجديدة توازياً مع محاولات سعوديّة لتحشيد مواقف دولية ضد صنعاء؛ بهَدفِ التغطية على القصف المُستمرّ على المناطق اليمنية، حَيثُ عملت الرياضُ طيلة الأيّام الماضية على استصدار العديد من الإدانات الإقليمية والدولية، بخصوص ما زعمته أنه هجوم بطائرة مسيَّرة استهدف تجمُّعاً للقوات البحرينية والسعوديّة على الحدود؛ وهو ما عبر عن إصرار واضح على المراوغة.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، حَيثُ صعَّدت وسائلُ الإعلام السعوديّة مؤخّراً نشاطَها التحريضيَّ العدائيَّ الذي يهدفُ لإثارة الفوضى داخل العاصمة صنعاء وفي المناطق الحرة واستهداف قوات الأمن، الأمر الذي أثبت بشكل واضح أن الرياض لا تزال تحاول استغلال حالة خفض التصعيد كغطاء لتحقيق مكاسب أمنية خاطفة.
وتؤكّـد كُـلّ هذه المعطيات أن جهود السلام لا زالت تواجهُ نفسَ التهديدات من جانب دول العدوان ورعاتها ومرتزِقتها، وأن مواقفهم لم تتغير بعد بالشكل الذي تتطلبه الحلول، وهو ما يطرح تساؤلات حول جدوى المؤشرات الإيجابية النظرية التي تطرأ بين كُـلّ فترة وأُخرى على المشهد التفاوضي، حَيثُ لا يبدو أن هذه المؤشرات تفتحُ أبواباً عملية للحل، بقدر ما تركز على كسب المزيد من الوقت.
ويشيرُ ذلك إلى عدم استيعاب دول العدوان للرسائل المتكرّرة التي وجّهتها القيادة الثورية والسياسية خلال الفترة الماضية، والتي حذرت بوضوح من عواقب الإصرار على المماطلة والتسويف، بالإضافة إلى حقيقة أن جولة التفاوض الحالية هي الجولة الأخيرة؛ وهو الأمر الذي قد يدفعُ صنعاءَ إلى اتِّخاذ خيارات ضاغطة تضعُ دولَ العدوان أمام ضرورة المسارعة في تنفيذ تفاهمات السلام.
المسيرة