الصفقة النووية الجديدة مع إيران: “أقل بقليل مقابل أكثر بكثير”
العين برس / تقرير
البرنامج النووي الإيراني مجددًا إلى الواجهة، يكفي فقط قراءة المقابلات الأخيرة للمبعوث السابق الأمريكي إلى إيران روبرت مالي، وخلفه مدير إيران في المجموعة الدولية لإدارة الأزمات، علي وايز، كي نلاحظ أن الاتصالات جدية. على الرغم من أن الظرف المباشر الذي أسقط اتفاق 2022 ما زال موجودًا، إلا أنه على ما يبدو ثمة قرار سياسي أمريكي. بالإضافة إلى بدء إيران بمعالجة المشاكل التقنية للمفاعلات الثلاث التي تمّ الإشكال عليها، وفي ظل القرار المحسوم لاستبعاد الحل العسكري، كل ذلك يجعل الظروف مؤاتية بشكل أفضل لتوقيع اتفاق ولو كان محدودًا ومؤقتًا. صحيح أنّ الكثير من التفاصيل يمكن أن تفجر المحاولة، ولا يوجد أي ضمانة للوصول الى اتفاق، إلا أنه نتيجة ضيق الخيارات أمام الولايات المتحدة، بفعل مواصلة إيران لتطوير برنامجها النووي، جعلها تبحث عن الخيار الأقل خطورة من بين البدائل الأخرى، فيما يعتبر أنه انتصار للاستراتيجية الإيرانية في مقابل الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية.
الفكرة المركزية من وراء صفقة النووي التي تُنسج بين الولايات المتحدة وإيران هي تجميد التقدّم الإيراني لتخصيب يورانيوم على مستوى 60%، مقابل تحرير أموال محتجزة (في العراق وكوريا)، بالإضافة إلى تحرير سجناء ايرانيين.
“أقل بقليل مقابل أكثر بكثير”
يتفق الإسرائيليون على أن هذه الصفقة “سيئة”، وإذا كان الأمريكيون قد أعطوها شعار “أقل مقابل أقل”، إلا أن المسؤولين في الكيان المؤقت، والذين دأبوا على تخريب أي اتفاق، يعتبرون أن هذه الصفقة هي بمثابة “أقل بكثير مقابل أكثر بكثير”، ولدى النظر في هذه الصفقة، يمكن ملاحظة الإنجازات التي يمكن أن تحققها الصفقة في حال إتمامها:
– سيتمّ تجميد التقدم الإيراني فقط، مع المحافظة على المستوى الذي وصل إليه البرنامج خلال الفترة التي انتهك فيه الغرب اتفاق 2015 ومبادرة 2022. وبالتالي ستتمكن إيران من المحافظة على تخصيب 60%، كما أنه ليس ثمة تقييد على برنامج الصواريخ الباليستية القادرة على حمل الرؤوس النووية، ولا على أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وغيرها من أجزاء البرنامج النووي.
– سيتمّ الإفراج عن مليارات الدولارات التي ستنعش الاقتصاد الإيراني، يدّعي الإسرائيليون أن هذه الأموال سيتمّ صرفها لتعزيز محور المقاومة، وكان ذلك من الأسباب التي أفشلت الصفقات التي سبقت.
– تحسين مكانة النظام الإيراني بقيادة السيد إبراهيم رئيسي أمام الشعب الإيراني بأن إدارته استطاعت فرض واقع نووي جديد بدون اتفاق، وتكيّف العالم معه، واستطاعت إدارة رئيسي تحصيل جزء من حقوق إيران الاقتصادية من دون أي تنازلات.
– ستغلق الوكالة الدولية للطاقة النووية ملفات التحقيق التي كان يعمل على فتحها الإسرائيليون، ويحاولون العرقلة من خلالها.
– ركزت إيران نفسها “على عتبة دولة نووية”.
تسهيلات في الاتفاق النووي مقابل تقارب من الرياض
كتبت شيريت أفيطان كوهِن لصحيفة إسرائيل هيوم، وهي مراسلة شؤون دبلوماسية ومحللة سياسية، أن الولايات المتحدة تسعى إلى اتفاقٍ محدود مع إيران. ومن أجل إسكات الجبهة الإسرائيلية، عامت من جديد إمكانية التطبيع مع السعودية.
وزير الشؤون الاستراتيجية، رون درمر، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هانغبي، سافرا إلى اجتماعاتٍ في الولايات المتحدة حول الموضوع حيث ستتركز على موضوعين حاسمين: السعي المستجد من إدارة بايدن إلى اتفاقٍ مع إيران، ودفع اتفاق تطبيع مع السعودية.
من وراء الكواليس يتبين ان الأميركيين يربطون بين الصفقة الجديدة مع إيران وبين التطبيع مع السعودية، ومصادر دبلوماسية سابقة تعتقد انهم في إدارة نتنياهو، يميلون إلى قبول الصفقة التي تُنسج، ذلك أنّ حقيقة عدم القيام بخطوات علنية ضدّ الاتفاق، يدلّ على توافقات تحت الطاولة، وإلا لكان نتنياهو تصرّف كما فعل عام 2015. في المقابل، تنفي إدارة نتنياهو التقارير عن أنّ إسرائيل لا تعمل ضدّ الاتفاق.
رئيس مجلس الأمن القومي السابق، مائير بن شابات، الذي يعمل اليوم رئيسًا لمعهد مسغاف لأمن قومي واستراتيجية صهيونية، يصف هذا الاتفاق بأنه اتفاق استسلام. وحسب قوله: “اتفاق يُبقي إيران قريبة من دولة عتبة نووية، يحرر لها أموالًا ويسمح بتعاظمها – إنه اتفاق سيء”. فيما رأى آخرون “إنه بالفعل مقترح ضعيف وليس باحترافية دبلوماسية غير عادية. لا أرى إسرائيل تؤثر على الحدث أو تنجح في تخريب الاتفاق، وبالتأكيد فيما الأميركيون يقدّمونه على انه اتفاق محدود جدًا. في المقابل، الإدارة ستعطي على ما يبدو إسرائيل هذه الحلوى على شاكلة تقدّم مع السعوديين”.
بالطبع سيتناول اجتماع هانغبي ودرمر قضية المطالب السعودية بنووي مدني ومنظومات أسلحة متقدّمة تخرق التفوق النوعي لإسرائيل في المنطقة. وكان هانغبي قد عبّر عن الخشية الإسرائيلية من منظومات الأسلحة التي تطلبها السعودية، لكن أيضًا مسألة النووي المدني يمكن ان تسقط في أيدٍ إشكالية في تغييرات نظام مستقبلية محتملة في السعودية. سبق ان تعلّمت إسرائيل هذا الدرس من الدولة الجارة إيران، في حين يتخوّف يعقوب ناغل (عميد احتياط وبروفيسور وباحث كبير في مؤسسة حماية الديمقراطيات، FDD، عمل في الماضي مستشارًا للأمن القومي وقائمقام رئيس مجلس الأمن القومي)، من أن منح السعودية قدرة نووية، سيفتح المنطقة أمام سباق للتسلح النووي.
المصدر : موقع الخنادق