صالح البقشي
يواصل النظام السعودي تراجعه أمام صمود الشعب اليمني وإصراره على تحصيل حقوقه دون منّة من تحالف العدوان المستمر على اليمن منذ أكثر من ثماني سنوات. وفي هذا الإطار، سُجّل في الأيام الأخيرة الكثير من الإيجابيات المصحوبة بالوساطة العُمانية فيما خصّ تمديد الهدنة الإنسانية في اليمن، بما يرضي حكومة صنعاء ويلبي شروطها ومطالبها المحقة. ووسط هذه الأجزواء الإيجابية وصل المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، إلى العاصمة اليمنية أمس، لوضع اللمسات الأخيرة على الترتيبات الخاصة بإعلان التوصّل إلى اتّفاق على تمديد الهدنة الإنسانية. وتأتي هذه الزيارة بعد يومين من مغادرة الوفد العُماني، الذي أُبلغ بوضوح خلال جولته ما قبل الأخيرة على المسؤولين اليمنيين في صنعاء بأن هذه هي “الفرصة الأخيرة” أمامه لإحداث اختراق في جدار الأزمة، تحت طائلة العودة إلى التصعيد. مكاسب صنعاء في هذه الأثناء، كشفت تقارير إعلامية أنه جرى الاتفاق ما بين صنعاء والرياض على تمديد الهدنة السارية في اليمن، بعدما قبلت الأخيرة بتلبية مطالب الأولى في ما يتّصل بالملفات الإنسانية، وعلى رأسها ملفّ رواتب موظفي الدولة. وبحسب المعلومات التي نشرتها صحيفة “الأخبار”، فسيتمّ صرف هذه الرواتب وفقاً لكشوفات العام 2014، وبالعملة الصعبة، على أن تحملها طائرة خاصة شهرياً إلى العاصمة اليمنية. كما سيتمّ توسيع وجهات مطار صنعاء الدولي لتشمل كلّاً من مصر وقطر والأردن والهند وماليزيا، فيما ستُرفع جميع القيود عن دخول الواردات إلى ميناء الحديدة. وكشفت المعلومات أيضاً أن وفداً سعودياً، برئاسة سفير النظام السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، زار صنعاء في أعقاب مغادرة الوفد العُماني إياها، حيث خاض مفاوضات مباشرة مع “أنصار الله” من أجل وضْع اللمسات الأخيرة على اتفاق الهدنة الجديدة، موضحةً أن تأخير زيارة المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، جرى بناءً على طلب النظام السعودي نفسه بهدف الحيلولة دون أيّ تشويش على تلك المفاوضات. كما كشفت المصادر أنه خلال الزيارة الثانية للوفد العُماني، التقى هذا الأخير رئيس أركان القوات التابعة لـ”أنصار الله”، حيث عُرضت أمامه خريطة تُظهر جميع المواقع الحيوية التي تستطيع الحركة استهدافها، وجرى التشديد على أنه لن يُسمح ببقاء مطار الرياض مفتوحاً في مقابل إبقاء مطار صنعاء مغلَقاً، فيما نبّه قائد “أنصار الله” السيد عبد الملك الحوثي، ضيوفه، إلى أن أيّ محاولة لكسر الحظر المفروض على تصدير النفط من جنوب البلاد وشرقها، ستقابَل بتوسيع دائرة الاستهداف. وإذ قدّرت المصادر أن تلك التهديدات فعلت فعلها في تسهيل التوصّل إلى الاتفاق الأخير، فهي أفادت بأن الرياض ظلّت حتى يوم أمس تحاول عرْض نفسها على صنعاء بوصْفها وسيطاً، وهو ما قوبل برفض حازم من قِبَل الأخيرة، بينما لا تزال صيغة الاتفاق المنويّ إعلانه خلال الساعات المقبلة قيد الدرس. تراجع سعودي تأتي هذه التطورات فيما سُجّل تراجع سعودي مستمر فيما يتعلق بالسقوف العالية للشروط التي كان يضعها النظام بخصوص حلحلة الملف اليمني، وأبرزها إصراره على عدم تسهيل مسلف المرتبات، ومحاولته المتكررة لتجزئة الملف بما يفرّغه من مضمونه وينزع منه أي شكل من أشكال الانتصار لليمنيين. كما يُسجّل فشل سعودي متجدّد في محاولة إظهار الرياض وكأنها “وسيط في الحرب الأهلية اليمنية”، وأنها “من موقع الحرص على الأشقاء اليمنيين تتدخّل محاولةً حلّ الأزمة بينهم”، فيما أصرّ اليمنيون على التعاطي مع النظام السعودي على أنه طرف أصيل في العدوان عليهم، ومشغّل أساسي لفصائل المرتزقةن من يمنيين وأجانب، على الأرض اليمنية. وفي هذا الإطار بالذات، فشل النظام السعودي في محاولته تغليف أي اتفاق لتمديد الهدنة بغلاف “الحرص السعودي”، فيما أصرّ اليمنيون على إظهاره طرفاً في العدوان اضطر إلى التراجع أمام صمودهم وأمام معادلات الردع الاستراتيجية التي كرّسوها طوال فترة العدوان على بلادهم، والتي كان آخرها التفويض الشعبي الكبير في 6 ينانير الجاري، الذي حصلت عليه القيادة في صنعاء من أجل استئناف التصعيد العسكري فيما لو استمر النظام السعودي ومَن معه من مرتزقة في المماطلة وإفشال الوساطات العُمانية وغيرها. تهديدات مثمرة وأتت الإيجابيات الأخيرة على وقع تحذيرات وتهديدات صارمة من قبل صنعاء، إضافة إلى المسيرات الكبرى التي شهدتها عدة محافظات يمنية تحت شعار “الحصار حرب”، تنديداً باستمرار حصار التحالف السعودي الأميركي لليمن. ولفت بيان المسيرات إلى أنّ “فترات الهدنة وما بعدها من مُراوحات ومفاوضات أثبتت أنّ تحالف العدوان، بقيادة أميركا، ليس في وارد التزام أيّ خطوات تخفّف معاناة اليمنيين”. ودعت صنعاء على لسان أكثر من مسؤول فيها، تحالف العدوان السعودي، إلى الكفّ عن التعنت وإهدار فرص تحقيق السلام في اليمن، كما دعته إلى تعديل سلوكه ووقف العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال وتنفيذ الحقوق المشروعة وترك اليمنيين لحلّ مشاكلهم من دون وصاية خارجية. وكان عضو المكتب السياسي لـ”أنصار الله” قد باستئناف العمليات العسكرية ضد قوات التحالف ومرتزقته، قائلاً “في المقابل، العام الجديد قد لا يكون كأيّ من الأعوام التي مضت ولا سيما مع استمرار العدوان والحصار، وماهو مقبل لن يكون معهوداً ولا مسبوقاً وفيه من المفاجآت التي لا تخطر على بال ولا في حسبان”. وشدّد القحوم على أنّ “المعادلات تغيّرت، وتغيّرت معها قواعد الاشتباك وتعززت عناصر القوة وفرضت معادلات الرد والردع”. متابعة رسمية وخلال الاجتماع، أشار الرئيس المشاط إلى أن المشاورات مع الوفد العُماني حملت أفكاراً إيجابية تتعلق بالملف الإنساني وفي مقدمته صرف المرتبات لكافة موظفي الدولة من عائدات النفط والغاز والفتح الكامل لمطار صنعاء وميناء الحديدة وفتح الطرقات وتبادل الأسرى. وتابع رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء مهدي المشاط، تفاصيل المفاوضات، فالتقى المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ والفريق المرافق له، كما عقد اجتماعاً مع أعضاء المجلس السياسي الأعلى، ورئيسي مجلسي النواب والوزراء ونائب رئيس الوزراء لشئون الدفاع والأمن، أطلعهم خلاله على آخر المستجدات السياسية ونتائج المشاورات مع الوفد العُماني التي جرت في صنعاء. وأكد المجتمعون على أن الملف الإنساني له أولوية بكل الاعتبارات، وهو المدخل السليم والصحيح للانتقال إلى أي ملفات أخرى. وثمّنوا الجهود المبذولة التي تقوم بها سلطنة عُمان وحرصها على الدفع بعملية السلام في اليمن، وهي جهود مشكورة تقدرها وتثمنها القيادة في الجمهورية اليمنية. كما نوّه الاجتماع بحرص المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ على إنجاح المساعي الرامية لتحقيق السلام الشامل والعادل، مؤكداً الحرص على تحقيق الاستقرار في المنطقة وبما يخدم السلم والأمن الدوليين. وثمّن صمود أبناء الشعب اليمني كافة في مواجهة العدوان الأميركي السعودي وحصاره الجائر لثمانية أعوام والذي تسبب بأسوأ أزمة إنسانية في العالم. وجدّد دعوته للمتورطين في الخيانة للعودة إلى حضن الوطن والاستفادة من قرار العفو العام، مشيراً إلى أن هذه الدعوة تمثل فرصة ثمينة ينبغي استغلالها. الحذر واجب الإيجابية المسيطرة على المشهد اليمني اليوم لا تعني بالضرورة الركون إلى حُسن نوايا تحالف العدوان السعودي، فالنظام في الرياض يبدو كمن أُجبر على الرضوخ لمطالب الشعب اليمني، وبالتالي، قد نكون أمام هجنة مرحلية فيما لو تمّ الإعلان الرسمي عن التوصّل إلى اتفاق، وهذا يعني وجوب إبقاء الحذر عنواناص رئيسياً للمرحلة المقبلة. وفي هذا الإطار، تقول مصادر يمنية يمنية إن الأجواء إيجابية لكنها محفوفة بالحذر؛ لأنه عادةً ما تنقض دول العدوان كل الاتفاقات والالتزامات. وتشدّد على أن الجيش اليمني مستعد لكل الاحتمالات ولديه الكثير من المفاجآت، التي ستكون أشد إيلاماً وأكبر وأوسع وأكثر تأثيراً من الضربات السابقة. بالتزامن، أكد نائب رئيس الوزراء اليمني الفريق جلال الرويشان، أنه “لا يمكن أن يكون هناك سلام في البحر إذا لم تتحقق السيادة لمياهنا الإقليمية وفي جزرنا”، مشدداً على أن اليمن شريك في أمن الممرات الدولية. وأشار الرويشان في تصريحات صحافية إلى أن مؤتمر الأمن البحري الذي سينعقد في 22 يناير الجاري يحمل رسالة ذات شقين، بأن اليمن هو المعني فقط بحماية شواطئه ومياهه الإقليمية وأنه شريك في أمن الممرات الدولية. وشدد على أنه “لا تنازل ولا تجزئة فيما يتعلق بسيادتنا المطلقة على إقليمنا البحري والبري والجوي، وسنواجه أي تهديد لمياهنا الإقليمية أو جزرنا”، مضيفاً “لا يمكن أن يكون هناك سلام في البحر إذا لم تتحقق السيادة لمياهنا الإقليمية وفي جزرنا”.