العين برس / مقالات
عباس السيد
خرج ملايين اليمنيين في العاصمة صنعاء والمحافظات الحرة أمس الجمعة وهم يصرخون : “الحصار حرب” . لا مبالغة في مضمون هذه الصرخة، فالحصار الذي يتعرض له اليمنيون منذ ثماني سنوات هو أسوأ بكثير من حالة الحروب العسكرية والتي تكون غالبا محصورة بين جيوش نظامية أو فئات مسلحة في مناطق جغرافية محددة، وتكون تداعياتها على المدنيين محدودة طالما توفرت لهم وسائل العيش الأساسية . لكن، من سوء حظنا في اليمن، أننا نواجه تحالفاً عدوانياً يفتقد أخلاق الحروب والقيم الإنسانية . فالتحالف الأميركي السعودي يستند في حربه على اليمن على قيم أخرى، وعلى موروث هائل من الجرائم التي صاحبت الدولتين ـ أميركا والسعودية ـ من التأسيس وحتى الآن .
الولايات المتحدة التي بدأت بمستوطنة صغيرة مطلع القرن السابع عشر، لا يمكن حصر جرائمها بحق شعوب العالم، بداية بجريمة إبادة الهنود الحمر، السكان الأصليين لما تُعرف حالياً بالولايات المتحدة، وصولاً إلى جرائمها في العراق وأفغانستان والصومال، مروراً باستخدامها القنابل النووية في حربها مع اليابان .
المملكة السعودية التي لا يتجاوز عمرها ثلاثة أجيال، هي الأخرى تستند إلى موروث بشع من الجرائم . ولا يزال السيف السعودي يقطُر دماً، منذ معارك الغزو والضم والتوسع في شبه الجزيرة العربية . ولم يتوقف السيف السعودي عن جرائمه، حتى مع حجاج بيت الله، كما في مجزرة تنومة، أو مع مواطن معارض، أو يشتبه في معارضته كما في حالة الصحفي خاشقجي أو أبناء المنطقة الشرقية . إلى هذا الموروث الإجرامي البشع، يستند التحالف السعودي الأميركي في سلوكه البربري والهمجي، فهو لم يكتف بفتح أكثر من أربعين جبهة حرب على الأرض اليمنية استخدم فيها كل ما يمتلك في ترسانته العسكرية من أسلحة حديثة وفتاكة ومحرمة دولياً، في معركة حشد فيها الآلاف من مرتزقة العالم إلى جانب مئات الآلاف من المرتزقة المحليين . لم يكتف التحالف السعودي الأميركي بكل بذلك، بل عمل على توسيع نطاق الحرب لتشمل ملايين المدنيين اليمنيين عبر الحصار الجائر الذي يفرضه براً وبحراً وجواً . وبسبب هذا الحصار فقد مئات الآلاف من المدنيين حياتهم، غالبيتهم من النساء والأطفال . وبحسب تقارير دولية، تسبب الحصار في أكبر كارثة إنسانية من صنع “الإنسان” . ما تم قتلهم بالحصار يبلغون أضعاف من قتلوا في جبهات المعارك والقصف المباشر للمدن والقرى، ما يعني أن قتل اليمنيين وإبادتهم هدف أساسي لهذا العدوان . ومن الواضح أن هذا التحالف الإجرامي قد استمرأ قتل اليمنيين عبر الحصار لأن ذلك لا يكلفه شيئا . وعندما يطالبون بتمديد الهدنة، فذلك لا يعني أنهم يرغبون في السلام وإيقاف حربهم على اليمن، لكنهم في الحقيقة وجدوا في قتل اليمنيين عبر الحصار وسيلة مثالية ورخيصة لقتل اليمنيين، وهذا ما دفع اليمنيين للخروج بالملايين أمس الجمعة لرفضه بصرختهم المدوية : “الحصار حرب” جملة من كلمتين، لكنها تختزل الكثير من المعاني والمشاعر والرسائل . ومن خلالها، وصل اليمنيون بالعد التنازلي إلى نهايته . فمنذ انتهاء الهدنة في الثاني من أكتوبر الماضي، بعثت القيادة في صنعاء بالكثير من الرسائل، عسكرية وسياسية، وما حمله الوفد العماني إلى مسقط بعد زيارته صنعاء قبل أيام، كانت الرسالة قبل الأخيرة .
أمس الجمعة، تكفل الشعب اليمني بإطلاق الرسالة الأخيرة، وعلى تحالف العدوان أن يتعامل معها بجدية، لأنه سيكون الخاسر الأكبر إن تجاهلها .
نعلم جيدا أن تحالف العدوان سيعمل كعادته على التعامل مع أي رد فعل يمني مشروع باعتباره انتهاكاً للقانون الدولي، مع أنهم هم من ينتهكون القانون الدولي، يفسرونه حسب رغباتهم أو يضربون به عرض الحائط . وحين يرد اليمنيون على استمرار حصارهم، فهم بذلك لا يدافعون عن حقوقهم فقط، بل يدافعون عن القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني، عن ميثاق الأمم المتحدة 1945، عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، وعن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، ويدافعون عن اتفاقيات جنيف الأربع 1949، والبروتوكول الإضافي الملحق بها لعام 1977، وجميعها تصنف حصار المدنيين ـ كما هو في حالة اليمن ـ ضمن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، ويجب محاكمة مرتكبيه وفق قواعد ومبادئ أحكام القانون الدولي الجنائي وفق المادتين، 7 و 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .