في حين أن الضغط العسكري لأنصار الله على السعوديين أجبر الرياض على الموافقة على وقف إطلاق النار لمدة شهرين في صنعاء لوقف الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار اليمنية، تريد السعودية استضافة اجتماع بين اليمنيين بحضور ممثلي بعض القبائل اليمنية والأحزاب والجماعات المسلحة.
يُعقد هذا الاجتماع تحت شعار تحديد المستقبل السياسي لليمن، ورغم دعوة أنصار الله وحكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء لحضور اجتماع مجلس التعاون، لكن ممثلي الحرکة وحلفاءها الآخرين اعتبروا أن السعودية غير مؤهلة لعقد مثل هذا الاجتماع باعتبارها العدو الرئيسي لليمن، واصفين أي محادثات بشأن استمرار الحرب والحصار والضغط على الشعب اليمني بأنه غير شرعي ودون نتيجة إيجابية لحماية المصالح الوطنية اليمنية.
حتى الآن ومع عدم مشاركة أهم فصيل في مجال معادلات القوة في اليمن، يعتبر اجتماع الرياض فاشلاً قبل أن يُعقد ولا يتعدی کونه عرضًا دعائيًا بلا نتيجة؛ لکن تصرفات السعوديين في طريقة عقد هذا الاجتماع، تكشف إلى حد ما عن بعض خطط الرياض الاستراتيجية وأهدافها لمستقبل اليمن.
إستمرار حالة الحرب والضغط
يهدف اجتماع الرياض إلى تحسين السمعة المشوهة للتحالف السعودي في الرأي العام الدولي، أكثر من کونه علامةً على إرادة الرياض الحقيقية لإنهاء غزو اليمن الذي دام ثماني سنوات ورفع الحصار اللاإنساني.
من جهة أخرى، لجأ السعوديون إلى عرض تسوية يمكن أن تقنع المجتمع الدولي لإيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية، من أجل الهروب من ضغوط الهجمات اليمنية على مراكزها النفطية والاقتصادية.
وفي هذا الصدد، تسعی السعودية لإعادة فتح مسار مشتريات الأسلحة من الغرب، وخاصةً من إدارة بايدن، وإصلاح العلاقات مع الغرب، بحسب ما صرح به فريق المبعوث الأمريكي الخاص لليمن “تيموثي ليندركينغ”، الذي قال: “أعتقد أن هذه الخطوة في اليمن ستعزز بالتأكيد علاقات الولايات المتحدة مع السعودية والإمارات”.
وقال دبلوماسي أمريكي كبير أيضاً إن واشنطن عرضت مبيعات عسكرية مناسبة للسعودية والإمارات، لمنع المزيد من الهجمات على صنعاء.
إشتدت العلاقات الباردة بين واشنطن والسعودية والإمارات في الأسابيع الأخيرة في أعقاب حرب أوكرانيا، ومع ارتفاع أسعار النفط، أرسل الرئيس الأمريكي مسؤولين كبارًا إلى السعودية والإمارات، وحث الرياض على زيادة إنتاج النفط، لكن كلا البلدين رفضا ذلك.
وفي هذه الحالة، يمكن بيع الأسلحة لهذه الدول لاستمرار الحرب وحتى إمكانية إعادة أنصار الله إلى قائمة الجماعات الإرهابية من قبل واشنطن، مقابل زيادة إنتاج النفط.
خطط الرياض لجنوب اليمن
ثماني سنوات من الحرب غير المثمرة للسعودية قضت في اليمن دون تحقيق أي إنجاز وبتكلفة مالية وسياسية عالية للغاية؛ والسعوديون المحبطون من تحقيق الأهداف الأولية لغزو اليمن، يفكرون في الحصول على الحد الأدنى من المصالح في اليمن قبل نهاية الحرب.
أما بالنسبة إلی الإمارات، فمنذ بداية دخولها التحالف مع السعودية، وضعت على جدول الأعمال استخدام الموارد والموقع الاقتصادي والجيواستراتيجي لموانئ وجزر جنوب اليمن، وركزت على هذا المجال. في غضون ذلك، تكبدت الإمارات تكاليف أقل بكثير من السعودية، وكانت أكثر نجاحًا في تحقيق أهدافها.
وقد أدى هذا الوضع إلى التنافس بين الرياض وأبو ظبي على استخدام الكعكة في جنوب اليمن، مع هزيمة جبهة حلفاء السعودية في شمال ووسط وغرب اليمن. في الواقع، سعت السعودية في السنوات الأخيرة إلى زيادة نفوذها في جنوب اليمن، في منافسة مع الإمارات.
وبينما يقال إن أكثر من 600 من قادة حزب الإصلاح الإخواني وممثلين من جنوب اليمن والقوات التابعة للإمارات والسعودية يحضرون الاجتماع، ذكرت مصادر يمنية أن السعوديين قدموا امتيازات خاصة لهؤلاء الأشخاص، من بينها منحهم الإقامة الدائمة.
وبطبيعة الحال، يعتبر منح الإقامة لهؤلاء الأفراد خطوةً نحو بناء شبكة من الحلفاء، وتعزيز العلاقات مع المجموعات والقبائل والشخصيات الجنوبية.
تخلي السعودية رسمياً عن منصور هادي
يمكن اعتبار أحد أهم نتائج وأبعاد اجتماع الرياض، إرسال إشارة تخلي السعوديين عن منصور هادي.
بعد أن شنت السعودية عدوانها العسكري المستمر منذ ثماني سنوات على اليمن في عام 2015 بحجة إعادة منصور هادي إلى السلطة، اتسعت الفجوات في التحالف السعودي الفاشل في السنوات الأخيرة، وبرزت الخلافات بين الرياض ومنصور هادي.
وفي وقت سابق أيضاً، فإن الإعلان عن انتهاء إقامة منصور هادي وأعضاء حكومته في السعودية، ووقف تمويل الفنادق التي كانوا يقيمون فيها من قبل الحكومة السعودية، أظهر بوادر أزمة في العلاقات بين حكومة منصور هادي المستقيلة والرياض.
ولكن الآن، فإن عدم دعوة منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر لاجتماع الرياض، يثبت تخلي السعودية عن منصور هادي في خططها المستقبلية لليمن. كما ينبغي اعتبار ذلك بأنه يتماشی مع الاستراتيجية الرئيسية للسعودية في محاولة الاقتراب من الجنوبيين، وزيادة نفوذها في المناطق الجنوبية من اليمن.
لأنه أولاً، لا يملك منصور هادي أدنى شرعية عامة بين اليمنيين في شمال وجنوب البلاد، بعد ثماني سنوات على بدء الحرب.
وثانيًا، منذ عام 2019، عندما تم التوصل إلى اتفاق الرياض على تشكيل حكومة ائتلافية بين قوات المجلس الانتقالي التابعة للإمارات وفريق منصور هادي، لم ينجح هذا الاتفاق في تحقيق أهدافه، واتسعت الهوة بين هادي والمجلس الانتقالي تدريجياً.
* الوقت