لم تقتصر مفردات التطور والترف الحضاري الإمبريالي، في جانب إنسانيته المزعومة، على قصة القطة الحزينة، أَو الكلب المدمن، أَو الدجاجة التائهة، بل وصلت إلى مراحل شعورية ونفسية متقدمة، محذرة من تداعيات تلك الحالات، وهو ما جعل الناشطين الناعقين في هذا المجال، يتطوعون لإيجاد الحلول، ويطالبون علماء نفس الحيوان، بدراسة تلك الحالات دراسة مستفيضة، وتقديم المعالجات اللازمة، في أسرع وقت؛ تفادياً لتداعيات الموقف المحرج، وفي الوقت ذاته يروج الإعلام الإمبريالي، لصورة أُخرى من الترف الحضاري، حَيثُ الكلبة الهولندية التي هجرها حبيبها الإسكندنافي، وتزوج أُخرى بولندية، وحين أخبرها الكلب الأمريكي القادم من إيطاليا، حزنت كَثيراً بينما كانت ترضع جراءها، وقد حذر خبراء متطوعون، من عواقب انتقال الحزن إلى الجراء، وتأثيره عليها مستقبلا، بما من شأنه تعزيز نزعة الانتقام لديها، وقد تتحول إلى عالم الإجرام، ولا يتوقف تضليل الماكينة الإعلامية الإمبريالية، عند قضية تعرض المثليين في دول العالم الثالث للاضطهاد والقمع، الأمر الذي جعل متطوعين أُورُوبيين وأمريكيين، يتطوعون لتنفيذ حملة مناصرة حقوق المثليين، في إطار أعمال ومشاريع التنمية البشرية، وبناء الإنسان ورعاية حقوقه.
والأشد من ذلك والأنكى أن القوى الإمبريالية قد صدرت الكثير من مشاريعها التطوعية الحضارية، إلى عدد من الشعوب العربية المترهلة، ذات الأنظمة الحاكمة العميلة المتآكلة، وبذلك انتشرت الكثير من المبادرات والأعمال الطوعية، الخَاصَّة برعاية القطط والكلاب، وأنجزت الكثير من اللوائح والقوانين المنظمة لاقتنائها، والتعريف بحقوقها، ومعاقبة من يخالف ذلك، وربما كانت أقرب مبادرة إلى روح تلك المجتمعات المتهالكة، هي تعريفها كيفية غسل اليدين، حفاظا على صحة الكلب السلوقي والهرة المنغولية، وبهذه الأساليب الأكثر قذارة وتضليلا، عملت القوى الاستعمارية على تغييب العقل العربي نهائيًّا، وتوصيف من يقف ضد تلك التفاهات، أَو يتبنى مشاريع تنموية فكرية أَو اقتصادية حقيقية، بأنه متخلف ورجعي، ولا يستحق مكرمة الترف الحضاري القادم من الغرب.
في الجانب الآخر، كانت جميع المشاريع التنموية، ومشاريع البنية التحتية، والمشاريع النهضوية الجادة، كلها في حالة غيبوبة وموت سريري، على يد الأنظمة العربية الحاكمة، التي استجابت لأوامر القوى الإمبريالية، حَيثُ تعهدت بدورها للأنظمة العميلة، بتوفير كُـلّ مقومات المشروع الحضاري النهضوي، إلى كُـلّ البلدان العربية والإسلامية مجانا، وبتصدير الترف الحضاري والرفاهية، إلى كُـلّ الشعوب النامية، والوصول بها – بين ليلة وضحاها – إلى مصاف الدول المتقدمة الصناعية الكبرى، فأتقنت الأنظمة الحاكمة فلسفة الانتظار المصطنع، وقمع العقول وتعطيل القوة الجمعية، وجعل المجتمع رهينة فتات مشاريع تنموية حكومية فاشلة متعثرة، وأسير وعود المنظمات ومشاريعها الهدامة.
المصدر: موقع أنصار الله