قد لا تكون “إسرائيل” السبب المباشر بما يحدث في الأردن، ولكن بالتأكيد لا يمكن لها أن تقف متفرجة على ما يحدث في أهم دولة تؤثر على “أمنها القومي”.
تنظر “إسرائيل” إلى المملكة الهاشمية الأردنية على أنها الدولة الأكثر أهمية وتأثيراً على أمنها القومي، ولذلك تحظى الأردن باهتمام ومتابعة كثيفة وحثيثة من قبل الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية فتراقب أي تغيرات أو تطورات تجري في الأردن على أي مستوى. ولكن رغم ما يحدث في الأردن من اضطرابات داخلية، وإشكالات مناطقية، تعج بها وسائل الإعلام والسوشيل ميديا، والتي قد تكون لها تأثيرات وتداعيات على استقرار أمن الأردن، بما يحمله من انعكاسات على “الأمن القومي” الإسرائيلي، إلا أن المتابع للإعلام الإسرائيلي يجد نوعاً من الفتور المتعمد غير الطبيعي في متابعة ما يحدث في الأردن، أضف إلى ذلك أن المستويات السياسية الإسرائيلية لم تتطرق إلى ما يحدث في هذا البلد. الأمر الذي يطرح تساؤلات حول الدوافع الإسرائيلية وراء ذلك.
قد يعتبر البعض أن “إسرائيل” تحاول عدم التدخل في شؤون الدول، التي تربطها معها علاقات رسمية، ولكن هذا يتنافى مع السياسة الإسرائيلية الخارجية بالمطلق، والأهم يتعارض مع المفهوم الإسرائيلي للحفاظ على “الأمن القومي” الإسرائيلي، الذي يعتبر أي تغير في المنطقة ذا تأثير عليه، ويجب أن تكون “إسرائيل” مستعدة للتعامل معه.
فإن كان الأمر كذلك، فكيف تصمت “إسرائيل” عن تغيرات وتطورات في الأردن الأكثر خصوصية للأمن القومي الإسرائيلي؟، والتي تربطها معها أطول حدود برية، وعلاقات دبلوماسية ومعاهدة سلام، وتعتبر الدولة التي تحتضن أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، والتي ترتبط بالكثير من القضايا المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني كقضية السيادة على المسجد الأقصى والأوقاف الإسلامية في القدس.
قد يؤشر الصمت الإسرائيلي على أن ما يحدث في الأردن مقبول إسرائيلياً، لكنها لا تريد أن تظهر في الصورة كي لا تتحمل المسؤولية عما يحدث، أو تصبح جزءاً من الحراك الأردني المعارض، الذي إن ظهرت “إسرائيل” كداعمة له بالتأكيد سيفقد شرعيته الجماهيرية وسيفشل. وهذا الموقف ليس جديداً على السياسة الإسرائيلية تجاه دول الجوار، فـ “إسرائيل” رفعت شعار الحياد وعدم التدخل في الأزمة السورية، ولكنها كانت من أهم الداعمين للمنظمات الإرهابية المحاربة للدولة السورية في الخفاء.
“إسرائيل” تعتبر أن حل الدولتين انتهى، ولم يعد أحد فيها يطرحه، وهذا ما أكدته نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، ونوعية الائتلاف الحكومي المزمع تشكيله، وحتى بعض الساسة الإسرائيليين الذين يطرحون حل الدولتين يلحقونه بتأكيد أن الظروف غير مهيأة لتنفيذه، وبالتالي لا حديث عن دولة فلسطينية.
المستقبل يشير إلى أن هناك تيارات سياسية في “إسرائيل” باتت تعمل على ضم الضفة الغربية لإسرائيل بشكل رسمي، حتى ولو بثمن انزلاق الأمور إلى الدولة الواحدة، والذي سيرافقه تهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم، لذلك فإن أي تغيير في الأردن يسمح بتهجير قطاعات من الشعب الفلسطيني من الضفة والقدس والـ 48 إلى الأردن، يعتبر مصلحة إسرائيلية، وأن تصبح الأردن مرجعية الكانتونات الفلسطينية المتبقية في الضفة الغربية بحسب مخططات الضم الإسرائيلي من الناحية السياسية. هذا بالتأكيد يحقق مصلحة عليا إسرائيلية، حيث يتم تهويد الضفة وضمها من دون تكلفة تحمل سكانها سياسياً أمنياً واقتصادياً.
علاقة الملك عبد الله بن الحسين مع بنيامين نتنياهو خاصة، واليمين الإسرائيلي الاستيطاني عامة هي علاقة سيئة جداً وفيها الكثير من الرياح العكسية، ولها ارتباطات بقضايا ذات تأثيرات سلبية على الاستراتيجية السياسية لليمين الإسرائيلي تجاه الرؤية الإسرائيلية لحسم “الصراع” الفلسطيني الإسرائيلي.
فالملك عبد الله عارض “صفقة القرن”، والأردن لها مطالب قوية بإلزام “إسرائيل” في اتفاقية الوضع الراهن في المسجد الأقصى والسيادة الدينية عليه، فهل تغيير الملك عبد الله بأمير آخر من العائلة الهاشمية مثل الأمير حمزة بن الحسين يساعد “إسرائيل” في تحقيق مصالحها من خلال تليين مواقف الأردن سواء من “صفقة القرن” أو مدينة القدس والمسجد الأقصى، أو قبول فكرة الوطن البديل أو السيادة الأردنية على سكان الضفة الغربية وليس على أرض الضفة الغربية، هذا من جهة، ويحافظ على الدولة الأردنية وعدم انزلاق الأمور نحو الفوضى من جهة أخرى؟
من المعلوم أن نقطة الضعف الرئيسية في الأردن، هي الاقتصاد وتوفير الموارد المالية للحكومة، لذلك فإن أي جهة أوقفت أو قلصت الدعم المالي والاقتصادي عن الأردن، كانت متأكدة أن ذلك سيؤدي إلى وضع اقتصادي صعب، الأمر الذي سيدفع الحكومة الأردنية إلى أخذ إجراءات اقتصادية تقشفية تمس بحياة المواطن الأردني، أضف الى ذلك الفساد الحكومي والمحاصصة المناطقية والقبلية، والإشكالات داخل العائلة الهاشمية. لذلك فإن كل جهة ساهمت في التضييق على الأردن مالياً واقتصادياً كانت تدرك أن النتيجة ستكون أحداثاً ومظاهرات وتحركات ضد الحكومة والملك.
رغم أن الولايات المتحدة الأميركية تحت إدارة الرئيس جو بايدن، ما زالت تعتبر أن للأردن دوراً مهماً في استقرار المنطقة، ولكنها لم تستطع تقديم يد العون لحليفها الملك عبد الله لأسباب أميركية داخلية تتعلق بإستراتيجية أميركا الاقتصادية أولاً، وانسحابها التدريجي من منطقة الشرق الأوسط ثانياً.
أضف إلى ذلك أن حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة قلصوا دعمهم المالي للأردن بشكل كبير عما كان في السابق، الأمر الذي دفع الأردن للبحث عن بدائل من خلال تقارب أردني عراقي، وتعاون أردني سوري. الأمر الذي مهد الطريق لعلاقات أردنية إيرانية، وبالنتيجة تزداد الفجوة بين الأردن وحلفاء أميركا في المنطقة، وتزداد المخاوف من طريقة إدارة الحكم في الأردن.
قد لا تكون “إسرائيل” السبب المباشر فيما يحدث في الأردن، ولكن بالتأكيد لا يمكن لها أن تقف متفرجة على ما يحدث في أهم دولة تؤثر على “أمنها القومي”، فبالتأكيد ستعمل “إسرائيل” على استغلال ما يحدث في الأردن لتحقيق مصالحها، فقد لا تكون لها مصلحة بهدم النظام الحاكم في الأردن، ولكن من الممكن جداً أن تكون لها مصلحة بإعادة هندسته من جديد.
المصدر: الميادين