إنهاء العدوان على اليمن : مصالح مَن أولَى الرياض أم واشنطن؟
العين برس / تقرير
صالح البقشي
يتجدد الحديث عن كيفية إنهاء العدوان السعودي الأميركي المستمر على اليمن منذ ثماني سنوات، في ظل معلومات عن تقدم أحرزته المفاوضات والوساطة العُمانية بين النظام السعودي الذي كان يحاول أن يلعب دور الوسيط، وحكومة صنعاء وحركة “أنصار الله” اليمنية، ما يؤكد تراجع النظام السعودي عن الكثير من شروطه ومطالبه، بما يُظهره على حقيقته، فاعلاً رئيسياً في الحرب العدوانية التي قتلت الآلاف ودمرت اليمن وسرقت ثرواته. أمام هذا الواقع المستجد، تُطرح العديد من الأسئلة عن مرحلة ما بعد نجاح المفاوضات، والانعكاسات المحتملة لفشل النظام السعودي في تحقيق أهداف العدوان، والتغيّرات المتوقع أن تطرأ في حال سارت الأمور كما هو معلن حتى الآن من الطرفين؟ محددات التفكير السعودي تبرز الأهمية الاستراتيجية للموقع الجغراقي لليمن على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية كافة في منطقة الخليج والجزيرة، ويعتبر هذا الموقع الاستراتيجي مصدر اهتمام القوى الإقليمية والدولية باليمن على مر تاريخ هذه البلاد، وهي الدافع الأكبر الذي حرّك آلة العدوان السعودية ضد اليمن منذ ثماني سنوات حتى اليوم. ويمثل اليمن البوابة الجنوبية لمدخل البحر الأحمر وتتحكم في الممر الذي يصله بالمحيط الهندي وعبر منطقة خليج عدن تحتضن كلاً من البحر الأحمر والمحيط الهندي من الخاصرة وتتحكم كذلك في طرق الملاحة البحرية المؤدية إلى آسيا بالإضافة إلى ثقلها السكاني وتوجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتوازنة المستنيرة. كما يمثل اليمن العنصر الأساسي لأمن المنطقة واستقرارها ولضمان استمرار تدفق الثروة النفطية من دون مشكلات أو معوقات عسيرة، كل ذلك أهّل اليمن ليكون عنصراً إقليمياً هاماً في مسألة الأمن والاستقرار والنمو في منطقة الجزيرة والخليج. فاليمن بمساحته الجغرافية وكتلته البشرية يعد عمقاً وامتداداً أمنياً وسياسياً لدول الخليج، إضافة إلى أن متاخمته للمملكة السعودية، التي تمثل ثقلاً سياسياً بالنسبة لدول الخليج وللعالم العربي تجعل أي توتر أمني وعدم استقرار في اليمن يؤثر بالضرورة على أمن واستقرار السعودية ودول الخليج. وكذا، فإن وقوع اليمن على باب المندب يضيف له أهمية استراتيجية خاصة ويجعل مسألة الاهتمام بأمنه واستقراره مسألة لا تعني اليمن فحسب، وإنما تعني دول الخليج والدول العربية بصفة عامة، خاصة وأن ما شهده اليمن لا يمثل صراعاً سياسياً داخلياً، وإنما صراع للسيطرة على اليمن بموقعه ومساحتها وأهميته الاستراتيجية، وهذا ما دفع النظام السعودي إلى التدخل العسكري عبر تحالف عدواني عربي – غربي كبير. يبدو أن استراتيجيات النظام السعودي في اليمن قد تغيّرت مع يأسه من هزيمة “أنصار الله” وتحوّلت إلى السعي للهيمنة على المناطق الاستراتيجية في اليمن التي تمثل أهمية خاصة للملاحة الدولية، ولاسيّما طرق نقل النفط. في المرحلة السابقة، ومع تعثُّر عملية السلام بين صنعاء والنظام السعودي، رسَّخ الأخير بمعية الإمارات، قبضتهما على أجزاءٍ استراتيجية من البلاد. فقد ركَّزَ السعوديون اهتمامهم على محافظة المهرة، شرقيّ اليمن، وهي ثاني أكبر محافظة في اليمن ومتاخمة لسلطنة عُمان. المهرة بعيدةٌ عن الأراضي التي تسيطر عليها أنصار الله في شماليّ اليمن. وابتداءً من عام 2017، سيطَرَ السعوديون تدريجياً على المهرة، واحتلوا العاصمة والميناء، وسيطروا على المراكز الحدودية مع عُمان. وأفادت منظمة هيومان رايتس ووتش بأن السعوديين والقبائل المحلية المتحالفة معهم استخدموا القوة والتعذيب والاحتجاز التعسُّفي لسحق أيِّ معارضةٍ لاحتلالهم. ولدى السعوديين 20 قاعدة وبؤرة استيطانية في المحافظة الآن. يكمن هدف السعوديين الأساسي والمعلن في إبقاء “أنصار الله” خارج شرق اليمن، لكن مصالحهم الاقتصادية المتزايدة في المهرة دفعتهم لإبعاد الإمارات، التي تريد هي الأخرى السيطرة لحماية خطوط الملاحة التجارية على الساحل الجنوبي اليمني، بحسب تقرير لمعهد كارنيغي الأميركي. فالسيطرة على المهرة تمنح النظام السعودي وصولاً مباشراً إلى المحيط الهندي. وتعتزم الرياض بناء خط أنابيب نفطي من منطقتها الشرقية الواقعة على ساحل الخليج عبر المهرة إلى البحر العربي المفتوح على المحيط الهندي. ومن شأن ذلك أن يخفِّف من اعتماد النظام على مضيق هرمز (الذي يصل بين المحيط الهندي والخليج) لتصدير النفط، وهو المضيق الذي يستطيع الإيرانيون تهديد الملاحة به، ويعتبر واحداً من أهم الأوراق في أيديهم ضد دول الخليج عامة. في الخلاصة، يحرص النظام السعودي على تحقيق استفادة قصوى من عدوانه على اليمن قبل أن يُجبر على وضع حدّ لهذا العدوان المستمر منذ عام 2015 وكبَّده الكثير من الخسائر. قد يكون الاستحواذ على الأراضي ذات الأهمية الاستراتيجية هو المكسب الوحيد الممكن. قد يجري الاستحواذ بحكم الأمر الواقع، لكن هذا الواقع لن تقبل به القوى اليمنية الوطنية، وعلى رأسها “أنصار الله” التي تخوض مفاوضات صعبة لتحافظ بنتيجته على وحدة البلاد وترابطها الجغرافي. توازياً، يرى تقرير لمؤسسة Brookings الأميركية أنه يتعيَّن على الولايات المتحدة الأميركية ألا تكون طرفاً في تمزيق أوصال اليمن، ويشير إلى أنه إذا تم التوصُّل إلى وقفٍ لإطلاق النار في اليمن، قد يضطر السعوديون إلى إخلاء المهرة ويفعل الإماراتيون الأمر ذاته ميون وسقطرى، وإعادة السيطرة عليها إلى اليمنيين. مفاوضات غير مستندة على انتصار اليوم، يتزايد الحديث عن تقدم ملحوظ في المفاوضات. وتنشر وسائل الإعلام المختلفة تقارير ومعلومات عن استعداد النظام السعودي لتلبية شروط “أنصار الله” التي باتت معروفة، مقابل تمديد الهدنة الإنسانية، ليكون التمديد مدخلاً نحو إعلان وقف نار شامل وانتهاء العدوان على اليمن. دخل اليمنيون هذه المرحلة من التفاوض وهم محمّلون بتجربة أعوان ثمان مليئة بالإنجازات والمعادلات، فيما دخل السعوديون وهم مثقلون بالهزائم، وبأعباء التكطاليف الباهظة للعدوان، فيما ينوي محمد ابن سلمان تحويل البلاد إلى “لاس فيغاس الشرق”، مع ما يتطلّبه هذا التحوّل من توفير تكاليف فضلاً عن توفير الأمن والاستقرار في الداخل والخارج، مع ما يعنيه هذا أيضاً من ضرورة وقف العدوان على اليمن، والذي بدأ يتهدّد أمن المملكة الداخلي بعد المعادلات الكبرى التي دشّنها “أنصار الله”. فبعد شعورهم بالعجز عن تحقيق أي هدف استراتيجي أو عسكري في الميدان اليمني، عاد النظام السعودي محاولة تطرح نفسه وسيطاً حريصاً على السلام، إلا أن صنعاء أحبطت مرة جديدة محاولته. لكن، النظام، وبحسب خبراء عسكريين خسر الحرب على اليمن، من الوجهة العسكرية والاستراتيجية، بعد فشل كل الأهداف السعودية المُعلنة للعدوان، وأهمها القضاء على «أنصار الله”. ألولويات الرياض راهناً في سياق مساعيه لـ”تغيير جلد المملكة”، يبدو أن ابن سلمان، وعلى وقع المتغيّرات الدولية والأزمات العالمية، مضطر إلى إعادة ضبط علاقاته وسياساته الخارجية.لذا، فإنه محكوم بأولويات عدّة أهما ضرورة تأمين تأمين مصادر الطاقة ومنابعها وممراتها. والتوجه نحو تنمية الاقتصاد السعودي والاستثمارات الداخلية والخارجية. وهذان العاملان يحتمان عاملاً ثاثلاً وهو تصفير المشاكل من خلال الحوار مع المحيط العربي والإسلامي. في هذا السياق، يرى الكثير من المراقبين أن النظام السعودي لم يعد يملك كثيراً من الخيارات في هذه المرحلة الحرجة، وهو بحاجة ماسة إلى التهدئة في اليمن، و”إيجاد سبيل لإعادة الهدنة في اليمن، والعمل على تحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار”، بحسب ما كشفه وزير خارجية النظام السعودي فيصل بن فرحان خلال لقاء جمعه بالممثل الأممي هانس غراندبرغ. يقول الكاتب اليمني علي ظافر، إن ذلك يقدّم تفسيراً للحراك الدبلوماسي غير المعلن للوفود السعودية ذهاباً وإياباً إلى صنعاء (3 مرات منذ كتوبر العام المنصرم). ومن الإيجابي أن تبحث النظام السعودي عن مخارج من ورطته، وألا يستمر بالمكابرة إلى ما لانهاية، لأنَّ تجربة السنوات الثماني الماضية لا تشجعه على الغرق في المستنقع اليمني إلى ما لانهاية. من جهتها، تصرّ صنعاء على أولوية إنجاح الملف الإنساني، كممر إجباري للعبور نحو السلام العادل والشامل، ولن يكون ذلك إلا بتسليم عائدات المرتبات من النفط والغاز لمصلحة المرتبات والخدمات لكل الموظفين والمواطنين من المهرة إلى صعدة، ومن دون استثناء، ورفع الحصار بشكل تام عن مطار صنعاء وميناء الحديدة وحل ملف المرتبات، كخطوات تمهيدية تليها خطوات لإعادة إعمار كل حجر دمره العدوان في اليمن، مع جبر الضرر والتعويض للمتضررين، ليصار بعد ذلك إلى مفاوضات سياسية شاملة بين الفرقاء اليمنيين، وأي مقاربات من خارج هذا السياق تدفع الأمور نحو انسداد جديد. هذا الإصرار يضع النظام السعودي أمام معضلتين، الأولى تتمثل في انكشاف فشل عدوانه بسقوط أهدافه. والثانية تتمثّل في كون النظام السعودي لا يملك القرار النهائي فيما يتعلّق بمستقبل العدوان على اليمن وطريقة إنهائه. لكلمة واشنطن في هذا السياق وزن هام، وهي لازالت تتعامل بانتهازية مع الملف اليمني، فهي تريد تجميده متى تشاء، وإشعاله متى تشاء وفقاً للمصلحة من ناحيتين: استمرار إمدادات النفط وبيع صفقات الأسلحة، وتكريس الحضور العسكري الأميركي في المنطقة. فأمام الأولويات السعودية المذكورة، تقف المصلحة الأميركية حاجزاً صلباً امام رغبات ابن سلمان في اليمن في المرحلة الراهنة. وعليه، تبقى الكرة في ملعب ابن سلمان، إذ يتساءل المراقبون عمّا إذا كان يملك الجرأة الكافية التي تمكّنه من التصرّف في اليمن وفقاً لمصلحته تماشياً مع ما يخططه لمستقبل مملكته؟ أم أنه سيبقى أسير المشروع الأميركي وأولوياته؟