الوقت يكشف المزيد عن هول مأساة الشرق الليبي… واحدٌ وعشرون ألفاً بين قتيل ومفقود
العين برس/ ليبيا
البحر مقبرة لسكان درنة. تتمدد مأساة تلك المدينة وغيرها في الشرق الليبي مع مرور الزمن. يتكشف جبل الكارثة عن جثث إضافية، أحلام ماتت، حياة بكاملها غمرتها المياه في ذلك الليل المشؤوم (ليلة العاشر من أيلول/سبتمبر). يحاول الناجون، ممن كتب لهم الحياة بأعجوبة، نقل مرارة وهول ما حدث، لكن ألسنتهم عاجزة عن الحديث مطولاً عن “آمال دفنت في لحظات”، كما قالت إلهام الذبياني لاحدى القنوات الإخبارية وهي تتفقد ما بقي من منزلها، أما زوجها فتخنقه دموعه التي ذرفها على “أحباب وجيران رأيتهم جثثاً في المياه”.
هذا وقد قدّرت حكومة الوحدة الوطنية الليبية عدد المباني المدمّرة بالكامل في مدينة درنة جراء الإعصار “دانيال” بـ891 مبنى، بينما تتواصل جهود البحث عن المفقودين، (تحدثت بعض المصادر الإعلامية عن إمكانية وصولهم إلى العشرة الاف)، في وقت بلغت فيه التقديرات الأممية لعدد الضحايا حتى الآن (لا تزال أعمال الإغاثة وانتشال الجثث مستمر)11 ألفاً وثلاثمئة شخص، وسط حديث عن أكثر من عشرة الاف مفقود.
وبعد أسبوع على الفيضانات، تواصل أجهزة الإسعاف الليبية، بمساندة فرق أجنبية، البحث عن آلاف القتلى والمفقودين من جراء الكارثة، التي تسببت بنزوح 40 ألف شخص، وفق ما أوردت المنظمة الدولية للهجرة.
ووسط الخراب الذي عمّ المدينة، يتم انتشال جثث كل يوم من تحت أنقاض الأحياء المدمرة أو من البحر ودفنها.
وفي ظل صعوبة الوصول والاتصالات وعمليات الإغاثة والفوضى السائدة في ليبيا حتى قبل الكارثة، تتضارب الأرقام عن أعداد الضحايا.
وقال أستاذ إدارة الأزمات في كلية العلوم التقنية في درنة، عيسى الشلوي، خلال تصريحات صحفية إنّ عدد ضحايا الكارثة وصل إلى 17 ألفاً ما بين وفيات ومفقودين، مشيراً إلى أنّ عدداً من الوفيات دفنوا في مقابر جماعية من دون التعرّف إلى هوياتهم.
أزمة بيئية
فرق الإنقاذ حذرت من أزمة بيئية وصحية جراء تحلل جثث الضحايا. كما أعلن الناطق باسم جهاز الإسعاف والطوارئ بحكومة الوحدة الوطنية أسامة علي، أن عمليات البحث عن الناجين وانتشال الجثث في المناطق المنكوبة التي اجتاحتها الفيضانات “ستستغرق عدة أيام” لوجود عديد كبير من المباني المدمرة.
ولفت علي إلى أن “عمليات البحث والانتشال بحاجة إلى فرق وشركات مختصة لأن عدداً كبيراً من البيوت أصبح شبه مدفون تحت التربة التي جرفتها السيول”.
وأشار إلى “عديد من البلاغات عن وجود جثث في البحر”، وهو ما أكده شهود عيان عن وجود عدد كبير من السيارات الممتلئة بالجثث والتي جرفها السيل أثناء محاولة هؤلاء الهرب من الموت.
من جانبها، دعت منظمة الصحة العالمية ومنظمات إغاثة أخرى السلطات في ليبيا إلى التوقف عن دفن ضحايا الفيضانات في مقابر جماعية، وحذّرت من أن دفنها بالقرب من المياه قد يُحدث مخاطر صحية، وأشار تقرير للأمم المتحدة إلى أن أكثر من ألف شخص دفنوا بهذه الطريقة حتى الآن في مدينة درنة.
وتواصلت جهود انتشال الجثث المتناثرة في الشوارع والبيوت المتأثرة بالفيضانات، لكن السكان وفرق الإغاثة يواجهون صعوبات كبيرة في التعامل مع آلاف الجثث التي أعادتها الأمواج لليابسة أو تحللت تحت الأنقاض، إذ أكد شهود عيان وصول الروائح الناتجة عن هذه الجثث إلى مناطق بعيدة نسبيا، مثل منطقة باب طبرق أعلى الجبل.
وفي أحدث عمليات الإنقاذ، أعلن الهلال الأحمر إنقاذ شقيقتين على قيد الحياة في منطقة حي الصحابة، وقال متحدث باسمه إن السيدتين -اللتين يتراوح عمرهما بين 20 و25 عاما- نقلتا إلى المستشفى.
من جانبه، قال مدير إدارة الدفاع المدني والإنقاذ في ليبيا اللواء الطيب بلوط إن السيول جرفت كثيرا من المباني والسيارات إلى مسافة 3 كيلومترات داخل البحر. وأضاف أن جهودا كبيرة تبذل لانتشال جثث الضحايا من البحر.
وذكر فريق إغاثة ليبي أن عناصره شاهدوا نحو 600 جثة في البحر قبالة منطقة أم البريقة على مسافة نحو 20 كيلومترا من درنة، كما ذكر مسعفون من مالطا يساعدون في عمليات البحث أنهم شاهدوا مئات الجثث في عرض البحر.
تقسيم درنة وخطط محتملة لإخلائها
وأعلن مسؤول ليبي تقسيم مدينة درنة، التي ضربتها السيول قبل أسبوع وأدت إلى سقوط آلاف الضحايا، إلى 3 مناطق حسب حجم الضرر، في وقت تواترت فيه الأنباء عن إخلاء محتمل للمدينة المنكوبة.
وقال رئيس غرفة عمليات طوارئ صحة المجتمع التابعة لوزارة الصحة جبريل عبد السلام إن مدينة درنة تم تقسيمها إلى 3 مناطق.
وأضاف عبد السلام أن التقسيم تم بحسب حجم الضرر الذي لحق بكل منطقة، وهي كالتالي
المنطقة الأولى: وهي المنطقة المتضررة ولا يمكن العيش فيها، ويجب أن تخلى من السكان، عدا فرق الإنقاذ والإسعاف.
المنطقة الثانية: وهي المنطقة الهشة التي غمرتها المياه، ولكن العيش فيها يشكل خطورة على الأفراد.
المنطقة الثالثة: وهي القابلة للعيش.
كما حذر عبد السلام -في مؤتمر صحفي للجنة الطوارئ الحكومية في طرابلس- من استعمال مياه الشرب التي مصدرها شبكة المياه الحكومية في درنة خشية تلوثها.
وفي الشأن ذاته، تحدث المتحدث باسم وزارة الداخلية في الحكومة المكلفة من قبل مجلس النواب طارق الخراز عن “خطة لعزل المناطق الأكثر تضررا في درنة”.
وأضاف الخراز في تصريح للأناضول “تلقينا التعليمات العليا بشأن ذلك، ومن المرجح أن يطبق ذلك في وقت لاحق الاثنين”، بهدف “السيطرة على أي كارثة بيئية يمكن أن تحدث”.
بدوره، قال الهلال الأحمر الليبي إن إخلاء مدينة درنة يبقى “خيارا واردا” ويعتمد على الوضع الصحي فيها بعد إعلان حالة الطوارئ لمدة عام في المناطق المتضررة جراء السيول والفيضانات تحسبا لمنع تفشي أي مرض.
سدان آخران
وفي سياق متصل، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من مخاطر تحدق بسدين آخرين شرقي ليبيا بعد أن ورد أنهما يتحملان كميات هائلة من الضغط المائي عقب إعصار “دانيال” الذي ضرب المنطقة قبل أسبوع.
وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن السدين المعنيين هما سد وادي جازة الواقع بين مدينتي درنة وبنغازي، وسد وادي القطارة قرب بنغازي.
في المقابل، قالت السلطات الليبية إن كلا السدين في حالة جيدة، ونقل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية عن السلطات الليبية قولها إنه يجري تركيب مضخات في سد جازة لتخفيف الضغط عليه.
غواصون وحملة تعقيم
وفي ميناء مدينة درنة، قال مراسل الجزيرة إن فرقا من الغواصين تواصل البحث عن الجثث التي جرفها السيل إلى البحر والسواحل.
من جهته، قال رئيس جهاز الشرطة البيئية العقيد مصطفى القديم إنه لم تسجل حالات تسمم في مدينة درنة، مشيرا إلى أن احتمال تضرر المياه الجوفية يبقى قائماً.
ودعا القديم إلى تدابير عاجلة للتعقيم وحماية المسعفين والفرق في الميدان. وقد باشرت شركات عدة عملية رش مدينة درنة بمواد للتعقيم والوقاية من مخاطر انتشار الأوبئة نتيجة تحلل بعض الجثث التي لم يتم انتشالها بعد.
وتشمل عمليات التعقيم المرافق الصحية في مدينة درنة، إضافة إلى عدد من الأحياء المنكوبة داخل المدينة، مع مطالبات من عاملين بالقطاع الصحي في درنة بضرورة مباشرة حملة تطعيمات للحماية من الأمراض والأوبئة التي قد تنتشر بعد وقوع الكارثة.
وقد بدأت فرق متطوعة في منطقة مرتوبة (شرقي مدينة درنة) في تغطية قبور ضحايا السيول بالخرسانة خوفا من انتشار الأوبئة.
عودة الكهرباء
من جانب آخر، أعلنت الشركة العامة للكهرباء في ليبيا عودة الكهرباء إلى مدينة درنة. ونشرت الشركة، عبر صفحتها بفيسبوك، صورا ليلية قالت إنها لمدينة درنة وهي بكامل إنارتها.
مبعوث أممي
في غضون ذلك، دعا رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي خلال استقباله المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي إلى دور فني ورقابي للأمم المتحدة على عمل اللجنة وجهود الإنقاذ والتعافي للمدن المنكوبة، لتعزيز الشفافية والإفصاح والرقابة.
وقال المنفي إنه اتفق مع رئيس البعثة على ضرورة تعزيز عمل اللجنة المالية العليا وتطويرها بما يستجيب لجهود الإنقاذ والتعافي للمدن المنكوبة. من جانبه، اقترح باتيلي إنشاء آلية شاملة للإشراف على جهود التعافي وتحديد الأولويات وضمان المساءلة، مما يساعد على استعادة الحياة الطبيعية وتمكين الناس من استئناف حياتهم.
وكان باتيلي قد زار درنة أول أمس السبت، وتفقد العمليات الميدانية والتقى السلطات المحلية.
وقال المبعوث الأممي إنه عاين الدمار والخراب الذي ألمّ بالمدينة وغادرها والألم يعتصر قلبه، ووصف الكارثة بأنها أكبر من قدرات ليبيا وتتجاوز شؤون السياسة ومسائل الحدود.
وفي حديثه لوسائل الإعلام، قال باتيلي إن زيارته تهدف إلى تفقد الأوضاع ودعم عمال الإغاثة على الأرض.
وفي طرابلس، وصف رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة السيول التي ضربت درنة بـ”الصدمة الصعبة التي أربكت العالم أجمع”، حسب تعبيره. وقال الدبيبة إن حكومته بدأت في حصر الأضرار الناجمة عن السيول، وإن عمليات الإنقاذ وانتشال الجثث تسير بنسق جيد، وفق قوله.