غاب الحديثُ عن صرف المرتبات ورفع الحصار بشكلٍ ملحوظٍ عن بيانات وتصريحات المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، خلال الفترة الأخيرة في مؤشر على أن جولتَه في المنطقة أصبحت مُجَـرّد تحَرّكات شكلية هدفها تضليل الرأي العام الدولي والمحلي بوجود “جهود أممية” لإنعاش مسار التهدئة، وهو الأمر الذي يمثل بدوره مؤشراً على أن تحالف العدوان ورعاته الدوليين يحاولون تكريس حالة من الجمود تساعدهم على كسب الوقت والالتفاف على متطلبات المرحلة.
خلال لقاءاته الأخيرة بالأطراف، اكتفى المبعوث الأممي بالحديث عن مناقشة “سبل تجديد الهُــدنة” لكن بدون أية إشارة إلى العناوين الرئيسية لهذا الموضوع والمتمثلة بصرف المرتبات ورفع الحصار؛ كونها النقاط الأبرز الذي تدور حولها المناقشات ولا يمكن تجديد الهُــدنة بدونها.
الجديرُ بالذكر أن غروندبرغ كان قبل انتهاء الهُــدنة يتحدث عن هذه النقاط ويؤكّـد العمل على تحقيقها، وهو ما يوضح الآن أن الرجل كان يفعل ذلك فقط لخداع صنعاء وإقناعها بمواصلة التمديد لا أكثر، الأمر الذي يعني أن رفض صنعاء للتمديد قد أربك حسابات تحالف العدوان ورعاته (بما في ذلك الأمم المتحدة) ومحاولاتهم لاستغلال المواضيع الإنسانية كدعاية، ووضعهم أمام اختبار عملي للمصادقة على تلك الدعايات.
اختبار بات من الواضح الآن أن تحالف العدوان ورعاته لا يريدون خوضه أصلاً، فتجاهل المبعوث الأممي المتكرّر لنقاط صرف المرتبات ورفع الحصار، يؤكّـد بشكل واضح عن أن الإدارة الدولية للعدوان تركز على تحويل موضوع “تجديد الهُــدنة” إلى عنوان سياسي بعيد تماماً عن الجوانب الإنسانية.
هذا بدوره يؤكّـد أن تحالفَ العدوان لم يكن منذ البداية ينوي أن يصلَ بمسار التهدئة إلى حَــدِّ معالجة المِلف الإنساني وتخفيف معاناة اليمنيين، وأن الهدف الرئيسي كان ولا يزال كسب الوقت وتقييد خيارات صنعاء، وتكريس وضع اللا حرب واللا سلام لأطول فترة ممكنة.
هذا ما تؤكّـده أَيْـضاً وبشكل واضح جميع المواقف والتحَرّكات المعلنة من جانب تحالف العدوان ورعاته الدوليين منذ انتهاء الهُــدنة، فتصريحات وبيانات الأمم المتحدة والمبعوث الأمريكي إلى اليمن وممثلي دول الغرب كلها ركزت على مهاجمة صنعاء وترهيبها ومحاولة الضغط عليها للقبول بتمديد الهُــدنة بغض النظر عن أية نقاط أَو استحقاقات مشروعة!
ووفقاً لهذه المعطيات يمكن القول إن تحالف العدوان ورعاته يحاولون أن يحافظوا على مساحة المراوغة نفسها حتى بعد انتهاء الهُــدنة، وذلك من خلال استخدام “المفاوضات” كغطاء بديل عن غطاء اتّفاق إبريل، إذ يبدو أن تحَرّكات ولقاءات المبعوثين الأممي والأمريكي في المنطقة هدفُها الوحيدُ هو القولُ إن هناك “مساعيَ مُستمرّةً” تستدعي الحفاظَ على التهدئة الهشة لأطول وقت ممكن، بحيث تتحقّق نفس النتيجة المرجوة للتمديد الذي رفضته صنعاء.
لكن ما يتجاهله تحالف العدوان ورعاته والمبعوث الأممي هو أن التحَرّكات الشكلية والدعايات لم “تجبر” صنعاء على قبول الهُــدنة وتمديدها مرتين؛ لأَنَّ صنعاء لها حساباتها الخَاصَّة ومعادلتها الثابتة، وفي حال اقتضت هذه المعادلة التوجّـه نحو التصعيد فلن يكونَ بوسع أية تهديداتٍ أَو ضغوط أَو تحَرّكات شكلية أن تعرقلَ ذلك.