العين برس – اليمن – تقرير
تعد محافظة مأرب من أقدم المناطق اليمنية وأكثرها أهمية. تمتد على مساحة 17 ألف كم2، وتبعد عن العاصمة صنعاء نحو 170 كم، وهي تحاذي شرقاً محافظتي شبوة وحضرموت الساحليتين على بحر العرب. ومن الناحية الجنوبية، تحاذي محافظتي البيضاء وشبوة. أما إلى الجنوب الغربي، فتحاذي أجزاء من مديرية بني ضبيان شمال شرق محافظة صنعاء.
ترجع أهمية المدينة تاريخياً، بحسب المصادر، إلى أن السبئيين (نسبة إلى سبأ) اتخذوها عاصمة لهم في القرن الثامن قبل الميلاد، وكانت في عهدهم أكبر مدينة في جنوب الجزيرة العربية، وأكثرها انتعاشاً من ناحية الزراعة والتجارة والعمران. وقد ازدهرت تجارياً بسبب وقوعها على طريق القوافل التجارية التي كانت الوسيلة الوحيدة لنقل بضائع الهند والصين وفارس إلى أوروبا من شواطئ البحر الأبيض المتوسط في الشمال والعكس، كما ضاعف ازدهارها الزراعي قربها من السد المشهور باسمها، وفقاً لبعض المصادر.
وتكتسب مأرب أهمية استراتيجية نظراً إلى “وجود النفط فيها وبكونها العاصمة التاريخية لليمن”، كما يقول عضو المجلس السياسي لحركة “أنصار الله” محمد البخيتي، ما يضفي على معركة استعادتها والسيطرة عليها أبعاداً استراتيجية وسياسية في مسار الحرب التي يشنها التحالف السعودي على اليمن منذ سنوات.
أبرز مناطق مأرب وقبائلها
تتألف مأرب من 14 مديرية هي الجوبة وجبل مراد والعبدية وبدبده وحريب وحريب القرامش ورحبه ورغوان وصرواح ومأرب وماهليه ومجزر ومدغل الجدعان، وهي تتميّز بتركيبة اجتماعية فريدة، وتحتضن تجمعات قبلية ذات جذور تاريخية مختلفة. ولعلَّ أهمّ تلك القبائل هي قبيلة عبيده أبراد من مراد، وقبيلة آل الذوي من بكيل، وقبيلة الأشراف، وبعض قبائل خولان العالية.
تتمركز قبيلة عبيدة في الوادي، في شرق المحافظة وشمالها، فيما تتوزع قبيلة مراد في أجزاء كبيرة من الجهة الجنوبية. وفي الجبهة الغربية للمحافظة في صرواح، تسكن قبائل الجدعان.
تعد صرواح من أبرز المدن في مأرب. وصرواح اسم مشترك بين 3 أماكن في اليمن، أهمها صرواح خولان العالية، وهي مدينة أثرية مهمة، تبعد عن صنعاء 120 كم شرقاً، وكانت عاصمة لمملكة سبأ. تقع على جانب واد يحمل اسمها، وهو الوادي الذي أقيم عليه سدّ مأرب. تحتضن صرواح 3 مواقع أثرية، الأول في منطقة بنا، وهو مكان السد القديم، والثاني في منطقة القصر. أما الثالث، وهو الأهم، فيقع في المنطقة المعروفة باسم الخريبة.
الأهميّة التاريخيّة لمدينة مأرب
تزخر مأرب بمخزون تاريخي عظيم، يتمثل بآثار سد مأرب، وعرش بلقيس، ومسجد النبي سليمان، ومدينة براقش، وآثار قصر سلحين، المطمور أسفل المدينة الحديثة، وآثار مدينة صرواح، وخصوصاً النقش التاريخي المعروف بنقش النصر، وغير ذلك من المواقع الأثرية التي يصل تعدادها إلى نحو 300 موقع. وقد تعاقبت عليها 4 حضارات قديمة، هي سبأ ومعين وحمير وقتبان.
تقع مدينة براقش التاريخية في مديرية مجزر، وهي من أهم المعالم السياحية في مأرب. تقع المدينة على طريق حزم الجوف، وتبعد 125 كيلومتراً عن صنعاء، وتقوم فوق تل مرتفع لقلعة محاطة بسور يصل ارتفاعه إلى 8 أمتار.
وفي مأرب، يقع عرش الملكة بلقيس، ملكة حضارة سبأ، وهو يعد أشهر المواقع الأثرية في اليمن، ويعرف حالياً بـ”العمائد”. وتقول المصادر التاريخية إنه بُني في عهد الملكة بلقيس التي حكمت مملكة سباء في القرن العاشر قبل الميلاد.
يُنظر إلى سد مأرب بكونه رمز الحضارة السبئية في اليمن. يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثامن قبل الميلاد. وقد لازم الحضارة اليمنية حتى لحظات الانهيار، ولا تزال بعض معالمه قائمة حتى اليوم. ويوجد سد آخر أقدم منه، هو سد الجفينة، الذي يقع على بعد 8 كيلومترات جنوب غرب مركز المحافظة، ويعود تاريخه إلى العصر السبئي الأول.
وعرفت مأرب أيضاً باحتضانها عدداً من المعابد القديمة، أبرزها أوام المعروف بمحرم بلقيس، الذي ظل مكاناً مقدساً تمارس فيه العبادات إلى بداية النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي. وبحسب بعض المصادر، شُيد هذا المعبد لأول مرة في القرن العاشر قبل الميلاد، وهو يعد الأقدم والأكبر من نوعه في الجزيرة العربية.
ومن بين المعابد المشهورة في المدينة أيضاً، معبد بران المشهور بعرش بلقيس، وحرونم، وهو المعبد الواقع في أسوار المدينة، في ما يسمى اليوم “مسجد سليمان”، ومعبد سبأ الأكبر.
مأرب.. الثالثة في إنتاج المحاصيل الزراعية في اليمن
تعد مأرب منطقة زراعية خصبة، ويقع فيها عدد من الوديان المشهورة، منها وادي عبيده، ووادي حريب، ووادي مأرب، ووادي الجوبة، ووادي خشب، إضافةً إلى أودية أخرى متعددة في صرواح ومجزر والجوبة. وبعد إنشاء السد الجديد، ازدادت الرقعة الزراعية لتصل إلى أكثر من 50 هكتاراً.
تحتل مأرب المرتبة الثالثة من بين محافظات الجمهورية في إنتاج المحاصيل الزراعية بنسبة 7.6% من إجمالي إنتاج المحاصيل الزراعية بعد محافظتي الحديدة وصنعاء، وأهم محاصيلها الزراعية الفواكه والحبوب والخضراوات. ويعتبر رعي الماشية وتربية الحيوانات من الأنشطة السائدة للسكان في المحافظة.
وتنشط بعض مديريات المحافظة أيضاً في تربية النحل، ومنها مأرب ورحبة وماهلية، وهي تنتج كميات من العسل للاستهلاك المحلي.
يغلب على الجزء الغربي من سطح المحافظة الطابع الجبلي، إذ تنتشر مرتفعات جبلية ذات ارتفاعات متوسطة، وبعضها ذو انحدارات شديدة. تتركز هذه المرتفعات في مديريات مجزر وبدبدة وحريب القراميش وصرواح والجوبة ورحبة وماهلية وحريب والعبدية. وتشكل هذا المرتفعات أعلى ارتفاع على السطح عن مستوى سطح البحر. ومن أشهر الجبال هي جبال الحميمة والشعب والوثبان ومردح والعيونة الواقعة في مديرية حريب القراميش وجبال العريف…
أما سطح المحافظة من الجهة الشرقية، فهي بمعظمها مناطق سهلية وصحراوية، وتكاد تشكل أكثر من نصف المحافظة. تقع مديرية مأرب فيها، وهي جزء من صحراء واسعة تمتد نحو الشمال باتجاه محافظة الجوف، وشرقاً نحو مديرية العبر في محافظة حضرموت، وجنوباً نحو الأجزاء الشمالية من محافظة شبوة.
النفط في مأرب: الرافد الاقتصادي الأساسي في اليمن
تكتسب مأرب أهمية اقتصادية واستراتيجية بين المدن اليمنية، لكونها تزخر بالثروات المعدنية، مثل البترول والغاز والفضة والملح الصخري والغرانيت والإسكوريا والجبس والرخام. وتعد محافظة مأرب أولى المحافظات اليمنية التي اكتشف فيها النفط. وقد بدأ إنتاجه في العام 1986.
تعدّ شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج (SAFER) شركة النفط والغاز الوطنية الرائدة في اليمن. تأسست الشركة في 23 آذار/مارس 1997 كمشروع وطني للنفط والغاز في اليمن، بعد أكثر من 25 عاماً من إنتاج النفط المستمر، وتم تفويضها برعاية وشرعية الجمهورية اليمنية للقيام بعمليات استكشاف وإنتاج الطاقة.
وبفعل حقوق المشاريع الحصرية للمجموعة الأولى من “بلوك 18″، تطورت صافر لتصبح أكبر منتج للغاز الطبيعي وثاني أكبر منتج للنفط في اليمن، ويصبح إنتاجها الرافد الأساسي للاقتصاد في البلاد. كل هذا النمو كان يعزى إلى عمليات صافر في مربع 18 وما حوله.
يختزن حوض منطقة صافر كمية وافرة من الغاز الطبيعي والغاز المصاحب للنفط. وفي العام 1984، كانت مأرب تنتج أكثر من 250 ألف برميل يومياً من النفط. وفي العام 1986، أُنشئت مصفاة مأرب لتكرير النفط، وتأسس مشروع مد أنابيب النفط من صافر إلى رأس عيسى على البحر الأحمر، بطول 432 كيلومتراً، وصار التصدير إلى الخارج يتم من خلاله.
في 12 نيسان/أبريل 1986، تم تدشين مصفاة مأرب بطاقتها الإنتاجية القصوى. وفي 13 نيسان/أبريل 1986، أنشأَت شركة النفط مكتباً لتوزيع المواد البترولية، يقع مقره في المجمع الحكومي في المحافظة. وبعد ذلك تم تأسيس الفرع الذي اضطلع باستقبال المواد البترولية القادمة من المصفاة، لسدّ احتياجات المناطق الواقعة ضمن النطاق الجغرافي الذي يتولى مسؤولية تموينها، والمتمثل بمحافظتي مأرب والجوف وجزء من محافظتي صنعاء وشبوة.
وفي 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2005، تم منح صافر حقوق ملكية حصرية لعمليات النفط والغاز في القطاع الأول من مربع 18 في حوض مأرب. وبذلك، قامت صافر بتطوير البنية التحتية اللازمة لعمليات الاستكشاف والإنتاج، وتحول حقل 18 إلى واحد من أكبر مصادر النفط الخام والغاز الطبيعي المسال في اليمن.
بحلول العام 2007، أضافت صافر حفاراً ثانياً، واستمرت في العمل مع اثنين من منصات الحفر إلى العام 2009. وانطلاقاً من العام 2009، وصلت صافر إلى أعلى مستويات إنتاجها من برميل النفط المكافئ وتسليمه.
وكان خط أنابيب مأرب ينقل نحو 110 آلاف برميل يومياً من النفط الخام الخفيف إلى ميناء رأس عيسى على ساحل البحر الأحمر، إلى أن تعرض لسلسلة هجمات في العام 2011.
وبدءاً من العام 2013، صارت صافر تقدم خدمات شاملة لليمن، وتوفر أكثر من 40،000 برميل من النفط يومياً، و2.4 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، و28000 برميل من غاز البترول المسال في اليوم الواحد، وهو ما كان يوفر نحو مليار دولار سنوياً لخزينة الدولة.
وخلال فترة عمل صافر، طورت رأس عيسى إلى محطة تصدير. حتى الآن، نجحت صافر في حفر ما مجموعه 90 بئراً من إجمالي 738 بئراً في حقل 18، ليصل إجمالي قيمة الإنتاج إلى 116 مليون برميل من النفط الخام، و46 مليون برميل من غاز البترول المسال، و200 مليون برميل مكافئ نفط من الغاز الطبيعي المسال من العام 2005 إلى العام 2013.
كما تنتج صافر 10 آلاف برميل من النفط الخام إلى مصفاة محافظة مأرب، و1200 متر مكعب من الغاز المسال في بلحاف، و75 مليون قدم مكعب لمحطة كهرباء مأرب.
خلال الحرب التي شنها التحالف السعودي على اليمن، شهدت مأرب اعتداءات على مصافي النفط فيها. في العام 2012، تعرض خط أنابيب النفط الرئيسي في محافظة مأرب اليمنية للتفجير مرتين، وفي منطقتين مختلفتين من خط الأنابيب.
المصدر الميادين