لم يسلم الصحفيون في قطاع غزة خلال عام 2024 من تداعيات حرب الإبادة التي يشنها العدو الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، إذ استشهد أكثر من 45 ألف فلسطيني، بينهم أكثر من مائتي صحافي، في عدد يفوق أعداد الصحفيين الذين قتلوا خلال الحرب العالمية الثانية التي استمرت نحو ست سنوات.
وارتفعت حصيلة الشهداء من الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي منذ أكتوبر 2023 إلى 201، ووصل عدد الجرحى منهم إلى 399، وبلغ عدد المعتقلين الذين عرفت أسماؤهم 43، وفقاً لما أعلنه المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة في 29 ديسمبر الحالي.
وصنفت منظمة مراسلون بلا حدود أخيراً غزة المنطقة الأكثر دموية للصحافيين هذا العام، إذ قتلت قوات العدو أكثر من 30% من إجمالي الصحافيين هناك.
وتكرر الاعتداء على الصحافيين في غزة خلال العام الذي جاء استمراراً للعام الذي سبقه من ناحية قصف المقدرات الصحافية وتدمير المكاتب الإعلامية وسيارات البث المباشر وقصف الصحافيين خلال عملهم الميداني في تغطية الحرب الإسرائيلية والعمليات في مختلف مناطق القطاع.
وكان الكثير من الصحافيين المستهدفين تعرضون لحملات تحريض من قبل المنظومة الإعلامية التابعة لجيش العدو الإسرائيلي، تحت مزاعم عسكرية وأمنية ومحاولة إلصاق تهم انتمائهم لفصائل المقاومة الفلسطينية أو أذرعها العسكرية، بالرغم من أن جميعهم يعملون على تغطية الحرب منذ أيامها الأولى وبشكل علني.
ويخصص الناطق باسم جيش العدو باللغة العربية، أفيخاي أدرعي، مساحات واسعة من التحريض عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، سواء بحق صحافيين سبق أن استهدفتهم قوات العدو أو آخرين لا يزالون يتابعون تغطية الإبادة.
وتكرر هذا الأمر في حالات عدة، كان آخرها عملية استهداف خمسة من صحافيي قناة “القدس اليوم”، إذ ادعى العدو أنهم يعملون في الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، بالرغم من نقلهم اليومي للأحداث وبشكل علني من المنطقة الوسطى في القطاع.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عدداً من الصحافيين تعرضوا للاستهداف في منازلهم خلال وجودهم مع عائلاتهم، ما تسبب في استشهادهم برفقة زوجاتهم وأطفالهم، ما يعكس استهدافاً ممنهجاً للمنظومة الصحافية.
كما أن غالبية المؤسسات الصحافية المحلية العاملة في حقل الإذاعة والتلفزيون تعرضت للتوقف شبه الكامل، فيما لجأ البعض الآخر للتحول نحو البث من خارج القطاع للاستمرار في التغطية الصحافية.
ولم تسلم المنشآت والعمارات التي تضم المكاتب الصحافية من الاستهداف، إذ قصف الاحتلال عدداً من الأبراج في مدينة غزة تضم مكاتب لمؤسسات صحافية عربية ودولية وأخرى محلية ما تسبب في دمار كامل.
يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن عدد الصحافيين الفلسطينيين الذين ارتقوا منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة بلغ 201 صحافي وصحافية، ما يعكس استهدافاً ممنهجاً يهدف إلى إسكات الحقيقة ومنع وصول الصوت الفلسطيني إلى العالم.
ويضيف الثوابتة، أن استهداف الصحافيين لا يقتصر فقط على القتل المباشر، بل يمتد إلى قصف مقراتهم ومنازلهم ومعداتهم، وهو ما يشكل انتهاكًا صارخًا لكل المواثيق الدولية المعنية بحماية الصحافيين وضمان حريتهم في ممارسة مهامهم من دون تهديد أو ترهيب.
ووفقاً للثوابتة، فإن الخسائر المادية في القطاع الإعلامي الذي يضم مقرات المؤسسات الإعلامية المختلفة من فضائيات وإذاعات ووكالات إخبارية ومراكز إعلامية تدريبة ومختلفة، وكذلك الأجهزة اللازمة لتشغيل محطات التلفزيون والإذاعة ووسائل الإعلام المختلفة، بلغت نحو 400 مليون دولار أميركي.
ويوضح مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي أن تكرار هذه الجرائم في ظل صمت دولي مريب يفتح الباب واسعاً أمام مزيد من الانتهاكات، ويفرض على المنظمات الدولية اتخاذ خطوات عملية وحقيقية لوقف هذا النزيف المستمر. ويلفت إلى أن الفترة منذ بداية أكتوبر 2023 حتى نهاية عام 2024 كانت السنة الأسوأ في تاريخ الصحافة الفلسطينية، بل في تاريخ الصحافة في كل العالم.
ويقول: “كان عاماً حافلًا بتحدياتٍ كبيرة وجسيمة على القطاع الصحافي والإعلامي، وكان عاماً مؤلماً وقاسياً بالنسبة للصحافيين الفلسطينيين، وخاصة في ظل استمرار العدو الإسرائيلي في استهداف الحقيقة وتقييد حرية الصحافة والإعلام، وممارسة القتل المتعمد للصحافيين والإعلاميين الفلسطينيين في قطاع غزة”.
ويشير إلى أن استهداف الصحافيين في غزة يشكّل اعتداءً صارخاً على حرية الصحافة وحق العالم في معرفة الحقيقة، فالصحافيون هم شهود العيان الذين ينقلون الصورة الحقيقية لما يحدث على الأرض وفي الميدان، واستهدافهم بشكل ممنهج لا يهدف فقط إلى إسكات أصواتهم، بل إلى تعتيم المشهد وطمس الجرائم والاعتداءات التي يتعرض لها المدنيون.
وينبه إلى أن العدو يدرك تماماً مدى خطورة الصحافة الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي وقدرتها على كسر الحصار الإعلامي الذي يحاول فرضه على الشعب الفلسطيني، لذلك يعمل جاهداً، بالتنسيق والتأثير على إدارات وسائل التواصل الاجتماعي، على إغلاق الحسابات المؤثرة، وتقييد المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية، وبالتالي هو يحاول إضعاف الرواية الفلسطينية وإضعاف تأثيرها على الرأي العام العالمي.
وخلال الأسابيع الأخيرة من العام 2024 تكرر استهداف الصحافيين بمتوسط يتراوح ما بين اثنين إلى ثلاثة صحافيين أسبوعياً، وفقاً لبيانات المؤسسات النشطة في مجال حقوق الصحافيين وتوثيق الانتهاكات بحقهم في غزة.
ويقول نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين، تحسين الأسطل، إن الصحافيين والصحافيات في غزة يواجهون تحديات جسيمة أثرت بشكل كبير على أدائهم والمؤسسات الإعلامية، فقد “كان العام المنصرم عاماً مأساوياً بكل المقاييس، دفعوا فيه ثمناً باهظاً من حياتهم ومهنتهم جراء حرب الإبادة”.
ويضيف الأسطل، أن أكثر من 190 صحافياً استشهدوا نتيجة القصف والاعتداءات المستمرة، بينما بلغ عدد الجرحى 353 صحافياً وصحافية، فيما تعرضت جميع المؤسسات الإعلامية للتدمير الكامل، ما أثر بشكل مباشر على القدرات الإعلامية لنقل الأحداث.
ويشير نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين إلى أن الانتهاكات لم تقتصر على الخسائر البشرية والمادية فقط، بل أجبر الصحافيون وعائلاتهم على التهجير القسري المتكرر من منازلهم، في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي.
وبحسب الأسطل، فإنه ورغم هذه الخسائر الفادحة، نجح الصحافيون الفلسطينيون في تحدي الواقع المرير وإصرارهم على أداء مهامهم، غير أن التقديرات فيما تتعلق بالتغطية الإعلامية تشير إلى أن ما يراه العالم من مشاهد ووثائق حول الجرائم المرتكبة في غزة يمثل أقل من 2% من حجم الانتهاكات الفعلية، وهو ما يعكس الجهود الكبيرة التي يبذلها الصحافيون رغم المخاطر.
ويلفت إلى أن هذه الجرائم التي وثقها الصحافيون الفلسطينيون أثارت غضباً عالمياً واسعاً، تجسد في مظاهرات خرجت في العديد من العواصم العالمية للمطالبة بوقف الاعتداءات وحماية الصحافيين، وتزايد الضغوط على العدو لوقف الانتهاكات والإبادة.