استشراف كسر احتكار السلاح النووي الإسرائيلي
العين برس/ تقرير
في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أثار وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو جدلاً كبيراً بعدما صرح لإذاعة “كول براما” الإسرائيلية بأن قصف قطاع غزة بقنبلة نووية هو أحد الخيارات المقبولة في رأيه. وأضاف “إلياهو” إن أحد الخيارات هو إلقاء قنبلة نووية على غزة، رغم أنها في هذه الحالة ستدمر مدن إسرائيلية أيضاً، ورداً على سؤال عن مصير نحو 250 إسرائيلياً أسرتهم كتائب القسام في معركة طوفان الأقصى إذا قصفت إسرائيل غزة بقنبلة نووية، قال إلياهو “حياتهم ليست أغلى من حياة الجنود الإسرائيليين” الذين قتلوا في الحرب على القطاع، لكن “هناك ثمن للحرب يجب أداؤه”، حسب قوله.
الموجة الواسعة من الانتقادات الواسعة دولياً، لا تعود فقط لمدى وحشية هذا الاقتراح ودمويته، بقدر ما ترجع إلى كون هذا التصريح كسر سياسة داخلية عمرها عقود تتعلق بـ”الغموض النووي” الإسرائيلي.
وهذا أيضاً ينصرف على الحليف الأمريكي حيث أن سياسة عدم تأكيد وجود ترسانة نووية إسرائيلية علناً -التي وصفها أحد العلماء ذات مرة بأنها “أحد أسوأ الأسرار المحفوظة في العالم”- تعود إلى اتفاق سياسي بين الولايات المتحدة وإسرائيل في أواخر الستينيات. وقد أدت هذه السياسة إلى مساعدة إسرائيل في الحفاظ على موقف عسكري فريد في منطقة غرب آسيا مع تجنب الضغوطات والانتقادات التي تُوجَّه في العادة للقوى النووية الثمانية المعترف بها في العالم.
لكن في عام 2014، أثارت سياسة الولايات المتحدة المُتمثلة في حماية البرنامج النووي الإسرائيلي جدلاً واسعاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى كونها لعبت دوراً في الانتقادات المُوجهة إلى باحث معروف في مختبر وطني للأسلحة في شهر يوليو/تموز من ذلك العام، بعد نشره مقالا أقرَّ فيه بأن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، فيما اشتكى بعض العلماء والخبراء أيضاً من أن عدم صراحة الحكومة الأميركية في هذا الشأن يُعقِّد حملتها البارزة لمنع تطوير أسلحة نووية في إيران، فضلاً عن التخطيط الذي تقوده الولايات المتحدة لاتفاقية محتملة لحظر الأسلحة النووية في أي مكان في المنطقة.
وحتى الكونغرس الأميركي ظل حذراً بشأن مناقشة هذا الموضوع. فعندما نشرت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ تقريراً عام 2008 بعنوان “سلسلة من ردود الفعل: تجنب سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط”، تضمن التقرير فصولاً عن المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا، ولكن لسبب ما لم يتطرق إلى ذكر إسرائيل ضمن هذه الدول. في ذلك التقرير المؤلف من 61 صفحة، تجاهل المؤلفون تماماً ترسانة إسرائيل النووية، وكل ما فعلوه هو ذكرها في هامش صغير يشير إلى أن هذه الترسانة مجرد “تصور أو افتراض” لا أكثر.
وعلى مدار عقود، تبنَّت “إسرائيل” سياسة أطلقت عليها اسم “amimut”، التي تعني الغموض أو عدم الوضوح للإشارة إلى برنامجها النووي. ومن خلال اعتمادها على التلميح بامتلاكها أسلحة نووية دون تأكيد ذلك، سعت “إسرائيل” إلى ردع أعدائها عن شن هجمات كبرى وفي الوقت نفسه تثبيط أي جهود لتطوير ترسانة نووية مشابهة.
إلا أن لإسرائيل عقيدة نووية وقائية موازية تستفيد من غموض برنامجها النووي لتمنع أي دولة في المنطقة من امتلاك قدرات ذات طابع نووي. قام بصياغتها رئيس وزراء العدو مناحيم بيغن في ثمانينيات القرن الماضي. سنقوم في هذا المقال تحليل سيناريو كسر دولة معادية لأحادية اسرائيل النووية. ويمكنكم تحميل الدراسة بشكل كامل في الأسفل.
تحليل سيناريو كسر دولة معادية لأحادية اسرائيل النووية
في هذا الحال فإن امتلاك إحدى دول المنطقة المعادية لإسرائيل لسلاح نووي سيُغير بشكل جذريّ من قواعد اللعبة في منطقة غرب آسيا، وسيُشكّل تحدّياً كبيراً لأحادية إسرائيل النووية، ويُمكن في هذا المجال تصوّر التأثيرات التالية:
أولاً: كسر الاحتكار الإسرائيلي:
– سيفقد السلاح النوويّ الإسرائيليّ قيمته كرادع مطلق، ولن تتمكّن إسرائيل من الاعتماد عليه كضمانة لأمنها القوميّ.
– ستُصبح المنطقة ثنائية القطب نوويّاً، مما سيُؤدّي إلى ظهور قوة نووية إقليمية تُنافس إسرائيل.
– ستتآكل قدرة إسرائيل على ردع أعدائها بالسلاح النوويّ، حيث ستُصبح عُرضةً لضربات نووية انتقامية من الدولة المُعادية التي امتلكت السلاح النوويّ.
ثانياً: تغيّر موازين القوى:
– ستزداد مكانة الدولة التي امتلكت السلاح النوويّ على المستويين الإقليميّ والدوليّ.
– قد تُؤدّي هذه التحولات إلى تغيير التحالفات في المنطقة، حيث قد تُقرّر بعض الدول التقرّب من الدولة النووية الجديدة، أو البحث عن حماية منها.
– ستزداد التوتّرات في المنطقة، حيث ستُصبح إسرائيل أكثر عدوانيةً وحذراً من الدولة النووية الجديدة.
ثالثاً: سباق تسلّح نوويّ:
– ستُثير هذه التطوّرات مخاوف أمنيّة لدى دول أخرى في المنطقة، مما قد يدفعها للسعي نحو امتلاك أسلحة نووية، مما سيُؤدّي إلى نشوب سباق تسلّح نوويّ خطير في المنطقة.
– قد يُسهّل امتلاك دول المنطقة للسلاح النوويّ من تراجع القبضة الأمريكية عن المنطقة وتوسع مفهوم الردع، والأمن القومي بالنسبة للدول ذات الحضور الإقليمي.
– من وجهة النظر الأمريكية سيُؤدّي سباق التسلّح النوويّ إلى تهديد مصالحهم ويجبرهم على عدم التعاطي مع الدول النووية بفوقية.
رابعاً: الضغط الدوليّ:
– سيُواجه امتلاك أيّ دولة معادية لإسرائيل للسلاح النوويّ إدانةً دوليةً واسعة، وربّما عقوباتٍ اقتصاديةً ودبلوماسيةً.
– ستُضاعف القوى الدولية من ضغوطها لمنع امتلاك الدول المعادية للكيان الإسرائيلي للسلاح النووي، وربّما تُحاول فرض مُعاهدة إقليمية تُلزم جميع دول المنطقة بالتخلّي عن امتلاك الأسلحة النووية، مع الأخذ بعين الاعتبار إفقاد الكيان أحد أعمدة ردعه في حال تخلى عن السلاح النووي، وارتفاع منسوب الصراع التقليدي بين الهند وباكستان المسلحتين نووياً.
– إنّ امتلاك إحدى دول المنطقة المعادية لإسرائيل للسلاح النوويّ سيُغيّر بشكل جذريّ من التوازنات الاستراتيجية في منطقة غرب آسيا وسيُشكّل تحدّياً كبيراً لإسرائيل و”مصالح” الولايات المتحدة الامريكية.
الدول المرشحة لكسر الأحادية:
– إيران: تمتلك إيران برنامجاً نوويّاً سلمياً متقدّماً، وحسب الإعلام الغربي بأنها قد تتحول الى عسكرته في حال تعرضها لهجوم نووي، أو تعرض منشآتها النووية لأي نوع من الضربات.
– السعودية: تُعدّ السعودية من أغنى دول المنطقة، وتمتلك الموارد المالية والتقنية لإطلاق برنامج نوويّ عسكريّ، ولكن لا يمكن أن تمتلك السعودية سلاحًا نوويا إلا بإرادة أمريكية، والنظام السعودي غير مستقر على الأمد الطويل، وفي هذه النقطة يخاف الأمريكي من وقوع مثل هذا السلاح بيد (المتطرفين) أو بيعه للدول المعادية لها في المنطقة.
– تركيا: تُطوّر تركيا برنامجاً نوويّاً سلمياً، لكنّها قد تُقرّر تغيير مساره نحو الاستخدام العسكريّ إذا شعرت بضعفها إقليمياً أو دولياً، وقد تسمح الولايات المتحدة لتركيا بامتلاك السلاح النووي على سبيل تعزيز التوازن الإقليمي، ولكن على الولايات المتحدة أن تأخذ بعين الاعتبار أن تركيا قد تصبح متفلته أكثر من تحالفها معها ومع الناتو.
إنّ مستقبل أحادية إسرائيل النووية غير مؤكّد، ويعتمد على عدّة عوامل ومُتغيّرات إقليمية ودولية. وتُعدّ السنوات العشر المقبلة فترةً حاسمةً لتحديد مصير هذه الأحادية وتداعياتها على المنطقة، وتسعى الولايات المتحدة بمنع وصول التكنولوجيا والقدرة النووية العسكرية عن باقي دول غرب آسيا لإبقاء إسرائيل متفوقة عسكرياً، واقتصادياً، وتكنولوجياً، وإبقاء مصالحها العسكرية والاقتصادية خارج حدود المنافسة مع الدول الإقليمية.
المصدر: موقع الخنادق