تحليل أميركي: مستقبل الولايات المتحدة السياسي قد يكون أكثر عنفًا
العين برس/ متابعات
أكد الباحثان الأميركيان المتخصّصان بـ”العنف السياسي” ليليانا ماسون وناثان كالمو أن الدراسات التي أجرياها منذ عام 2017 تفيد بأن نسبة الأميركيين الذين يرون أن الرد العنيف مبرر في حال ارتكاب الخصوم السياسين العنف، تزداد بشكل دراماتيكي. وفي مقالة نُشرت بمجلة “Foreign Affairs”، أشار الكاتبان إلى أنه وفق الدراسات التي قاما بها، فإن العامل الأهم الذي يقلل من دعم الأميركيين للعنف السياسي يتمثل بالقيادة المسؤولة من زعماء الأحزاب، بحيث يقلل الزعماء من خطاب العنف، ويكثفون من توجيه الرسائل التي ترفض العنف.
وإذ شدد الكاتبان على ضرورة أن يقوم القادة السياسيون الأميركيون بشجب العنف السياسي عند حدوثه، أكدا في الوقت نفسه أن ذلك ينطبق بشكل خاص على الجمهوريين.
وقال الكاتبان، إن البيانات واضحة في هذا السياق، فبينما يزداد دعم الشارع للعنف السياسي من كل الانتماءات السياسية، فإن المحسوبين على معسكر اليمين هم أكثر ميلًا بكثير لترجمة هذه المشاعر إلى فعل. وأضافا: “في ضوء قبول الشارع الأميركي بأعمال العنف السياسي، فإن الأحداث على غرار محاولة اغتيال المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب قد تتكرر في حال لم يغير قادة الحزب الجمهوري الخطاب المعتمد”.
كما لفت الكاتبان إلى أن الولايات المتحدة تشهد العنف السياسي منذ تأسيسها، حيث ولدت البلاد من أرحام “الحرب الثورية”، وتعود النزاعات الداخلية بين المتطرفين العنصريين والدينيين من جهة، وحركات التحرر المعارضة من جهة أخرى إلى حقبة أواخر القرن الثامن عشر. وأوضحا في هذا السياق أن الحروب التي حصلت بين السكان الأصليين والحكومة الأميركية، وانتفاضة الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية، والدمار الذي حدث خلال الحرب الأهلية وما يسمى مرحلة “إعادة الإعمار” وغيره، و”القومية المسيحية”، شجعت على العنف السياسي.
وأضاف الكاتبان أن احتمالات تأييد المنتمين إلى الأحزاب للعنف السياسي تتضاعف إذا ما وضع الموضوع في سياق الرد على أعمال عنف ارتكبها أشخاص ينتمون إلى الحزب السياسي الخصم. وأكدا أن هذا الدعم للعنف الانتقامي ازداد بشكل ملحوظ، إذ إن الاستطلاعات التي أجريت في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2020 بينت أن 39% من الديمقراطيين و48% من الجمهوريين رأوا أن العنف السياسي قد يكون مبررًا إذا ما بادر الطرف الآخر إلى العنف، بينما أظهر استطلاع للرأي أجري في حزيران/يونيو الماضي أن 58% من الديمقراطيين و60% من الجمهوريين رأوا أن العنف قد يكون مبررًا إذا ما بادر الطرف الآخر، وذلك يمثل ارتفاعًا ملحوظًا.
وشدد الكاتبان على أن العديد من المحللين ربطوا الدعم المتزايد للعنف السياسي في الولايات المتحدة بالنزاع الحزبي المتنامي، لكنهما قالا إن أسباب تأييد الأميركيين للعنف السياسي أكثر تعقيدًا من ذلك، ومن بين الأسباب مواقف القادة السياسيين الكبار حيال العنف، والذي قد يساهم في “تطبيع العنف” لدى المناصرين.
وأشار الكاتبان إلى أنه وبحسب دراسة جديدة أجرتها منظمة “Dangerous Speech Project”، فان اعتماد أصحاب النفوذ خطاب الكراهية أو العنف قد يشجع على ارتكاب العنف.
كما قالا، إن تصاعد خطاب العنف يترافق معه زيادة في خطط ارتكاب العنف والهجمات والتهديدات بحق القادة، وقد وجدت الأبحاث التي أجراها الكاتبان أن التهديد ضد أعضاء الكونغرس ازداد عشرة أضعاف بين عامي 2016 و2021. كما لفتا إلى ما كشفته “ABC News” عام 2020 عن أن المتهمين في 50 قضية جنائية استخدموا اسم ترامب لشرح أعمال العنف، وتهديدات ارتكاب العنف وعمليات الاعتداء المزعومة.
وحذّر الكاتبان من أن الثقافة قد تشجع العنف، ومن أن الولايات المتحدة هي مجتمع يتقبل بشكل كبير سفك الدماء، وأشارا إلى أن الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى في العالم على صعيد انتشار السلاح، اذ إن هناك ما يزيد عن 120 قطعة سلاح مقابل كل مئة مواطن أميركي.
كما حذر الكاتبان من أن كمية الأسلحة الهائلة يمنح المصداقية لتهديدات اللجوء إلى العنف، ويسهل على الأفراد القتل، خاصة على نطاق واسع.
كذلك، قال الكاتبان، إن المعسكر اليميني في أميركا هو المسؤول عن غالبية أعمال العنف السياسي، وذلك خلافًا للسبعينيات حيث كان معسكر اليسار هو المسؤول الأساس عن أحداث العنف السياسي. كما أشارا إلى دراسة أجراها المعهد الوطني للعدالة التابع لوزارة العدل الأميركية والتي أجريت هذا العام، حيث بينت أنه منذ عام 1990، ارتكب المتطرفون من المعسكر اليميني جرائم قتل بدافع أيديولوجي أكثر من المتطرفين من معسكر اليسار أو “الراديكاليين الإسلامويين”.
كذلك أردف الكاتبان، أن السبب الأوضح وراء ذلك هو أن القادة الجمهوريين هم أكثر استعدادًا بكثير لتبني مواقف تحبذ العنف خلال الأعوام القليلة الماضية، إلا أنهما أضافا أن التفسير الأكثر دقة يرتبط بالفجوة بين الديمقراطيين والجمهوريين في المواقف المتعلقة بالمساواة الاجتماعية والسياسية.
وتابع الكاتبان، أن القادة والناخبين الجمهوريين هم أكثر ميلًا نحو نكران وجود العنصرية الممنجهة، والإيمان بنظرية المؤامرة التي تقول، إن الديمقراطيين يحاولون استبدال الأميركيين من البيض المسيحيين بذوي البشرات الأخرى من غير المسيحيين. وأكدا أن الجمهوريين هم أكثر ميلًا نحو الاعتقاد بأنه يجب حكم الولايات المتحدة استنادًا إلى المسيحية المحافظة.
كذلك أردف الكاتبان، أنه مهما كان الدافع، فإن مطلق النار على ترامب نشأ في بيئة يزداد فيها الدعم للعنف السياسي، وتأتي فيها تهديدات العنف بشكل مباشر من القادة الجمهوريين. وحذرا من أن تعميق الاستقطاب السياسي يؤجج الموضوع، فالأبحاث التي جرت حول بلدان أخرى بينت أن خطر العنف السياسي يزداد عندما تنشأ الانقسامات على خطوط عرقية أو دينية، وخاصة عندما تنظم الأحزاب على هذا الأساس.
وقال الكاتبان، إن دعوة كلا الطرفين إلى التهدئة في غير محلها عندما يؤجج قادة حزب معين الوضع، وتابعا، أن القادة الديمقراطيين عادة ما يرفضون العنف أيًا كان المستهدف، حيث أدانوا محاولة اغتيال ترامب سريعًا، أما القادة الجمهوريون فإنهم لا يفعلون ذلك دائمًا، خاصة عندما لا يؤدي العنف السياسي إلى وفيات.
وخلص الكاتبان إلى ضرورة حصول تحول من الجمهوريين باتجاه القبول بالديمقراطية المتعددة الأعراق، وفق تعبيرهما، وحذّرا من أن رفض ذلك يشجع العنف اليميني، ومن دون هذه التحولات، فإن مستقبل الولايات المتحدة السياسي قد يكون أكثر عنفًا من ماضيها الحديث.
المصدر: موقع الخنادق