السياسة القلقة.. ما هي متغيرات الموقف السعودي تجاه اليمن؟
العين برس/ تقرير
بعد سنوات من الجمود الذي أحاط بالموقف السعودي حيال اليمن، شهد هذا الملف تطوّرًا ملحوظًا ظهر في كلام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، والذي كشف عن جهوزية خارطة السلام في اليمن مبديًا استعداد بلاده للعمل وفقًا لبنودها. جاء ذلك في مؤتمر صحفي قال فيه ابن فرحان إن: “خارطة الطريق اليمنيّة جاهزة ومستعدون للعمل وفقًا لها”، مضيفاً “نتمنى أن نتمكن من التوقيع على خارطة الطريقة اليمنية في أقرب وقت ممكن”. وتابع “نحتاج للانتقال الى حالة أفضل لأن الأوضاع في اليمن لا تزال صعبةً لا سيما على الصعيد الاقتصادي”.
وزير الخارجية السعودي أكد أنه بالتوقيع على خارطة الطريق في اليمن “سيكون بوسعنا المضي قدمًا ونأمل أن يحدث ذلك عاجلًا وليس آجلًا”. فيما تناولت وسائل إعلام تابعة للتحالف، توجيهات سعودية صدرت بشأن نقل الحجاج اليمنيين إلى مطار صنعاء الدولي.
التصريحات السعودية الجديدة تأتي لتعارض التحذيرات الأميركية التي أطلقها السفير الأميركي لدى اليمن ستيفن فاجن عندما أعلن أن “خارطة السلام التي قدمتها المملكة العربية السعودية للأمم المتحدة ليست اتفاقية بما تعنيه الكلمة الأولى في طريق طويل للوصول للحل”. وأوضح فاجن في مداخلة له في ندوة أقامها معهد واشنطن للدراسات السياسية بعنوان “السعي نحو سلام مستدام بما يحفظ المصالح الأمريكية”، أن “هذه الخارطة إذا ما كنا واقعيين لن تكون قابلة للتطبيق على المدى القريب، بالنظر لنوايا الحوثي ودوافعه، وبالنظر أيضًا لتعقيدات هذا الصراع، لذلك يجب علينا عدم التسرع”.
يبدو أن السعودية تبحث جديًا عن اتفاقية سلام مع اليمن لكنها لا تزال تجمد هذا الملف استجابةً للتوجيهات الأميركية، إلا أن ملف إعادة فتح الطرقات ومفاوضات الأسرى في مسقط والتي تسير بشكل إيجابي بحسب تصريحات الأمم المتحدة ورئيس لجنة شؤون الأسرى عبد القادر المرتضى، بالإضافة إلى الحديث عن إعادة تفعيل الخطوط اليمنية للعمل لنقل الحجاج، وأيضًا لنقل المسافرين عبر مطار الأردن، كل ذلك يؤكد أن السعودية قد تتحرك فعلًا باتجاه خارط السلام مع اليمن في المدى القريب.
التهديدات اليمنية
في المقابل، لا يزال الملف الاقتصادي عالقًا في اليمن، إذ يواجه اليمنيون عدوانًا من نوع آخر يطال كل مقومات العيش وهو ما يفاقم المعاناة الناجمة عن الانهيار الاقتصادي الحاصل بالفعل. وردًا على هذا التضييق، أطلق قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي تهديدات للنظام السعودي تحذّره من المضي قدمًا بالحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة على اليمن، خاصة في الفترة الأخيرة بما يتعلق بقرارات البنك المركزي في عدن، وقال السيد الحوثي في خطاب له إن النظام السعودي “أقدم على هذه الخطوة؛ خدمةً لإسرائيل، وطاعةً لأمريكا، المعركة القائمة هي معركة بيننا وبين العدو الإسرائيلي، والأمريكي، والبريطاني، أي طرف في هذه المعركة يفعل شيئاً ضد بلدنا، فهو يفعل ذلك خدمةً لإسرائيل، وطاعةً لأمريكا، استجابةً للأوامر والتوجيهات الأمريكية، فهو يفعل ما يفعل في سياق المعركة ضد هذا البلد؛ لأنه يقف في صف الإسرائيلي، والأمريكي، والبريطاني”. ولذلك بحسب قوله لن يقف اليمن مكتوف اليدين متسائلًا “هل تقبلون بأن تغلق كل المطارات في السعودية، وأن تنقطع الرحلات، وأن تغلق الموانئ؟ نحن سننطلق لمقابلة كل خطوة بمثلها، مطار الرياض بمطار صنعاء، البنوك بالبنوك… وهكذا: الموانئ بالميناء”.
البنك المركزي في عدن
كلام السيد الحوثي جاء بالتزامن مع القرارات العدائية التي يصدرها البنك المركزي اليمني في عدن ضد العاصمة صنعاء، وفي أحدثها أصدر بلاغًا بخصوص التعامل أو التواصل مع فرع البنك في صنعاء.
وفي البلاغ، حذر البنك المركزي اليمني “من التعاطي مع أي معلومات أو مراسلات صادرة عن الموقع الإلكتروني والحسابات التابعة لفرع البنك في صنعاء”.
البنك اليمني وفي إشعار توضيحي صادر عنه لكافة الجهات والأطراف المعنية والمؤسسات المالية الداخلية والخارجية، أشار إلى أن “رابط الموقع الإلكتروني للبنك منذ نقل المقر الرئيسي من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن في العام 2016 والذي يمثل المصدر الرسمي الوحيد المعتمد للبنك، منبهاً إلى أن الموقع الإلكتروني السابق مستولى عليه من قبل ميليشيا الحوثي ولم يعد يرتبط بالبنك بأي شكل من الأشكال وأن ما يصدر عنه من أخبار ومعلومات أو منشورات لا تعد صحيحة أو رسمية”.
وسبق تهديدات السيد الحوثي الإنذار الذي أطلقه المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية يحيى سريع في منشور له على منصة x، مكتفيًا بكتابة “3 أيام” من دون أن يتضمن توضيحًا. وبعد ثلاثة أيام بالضبط أعلن وزير الخارجية وضع خارطة سلام مع اليمن، بالتزامن مع عودة المفاوضات بين الرياض وصنعاء.
مؤتمر هرتسيليا
أكد ممثل النظام السعودي في مؤتمر هرتسيليا الذي عقد في 24 – 25 حزيران 2024، رغبة السعودية بالمضي في اتفاق التطبيع مع الاحتلال مبررًا ذلك بالحرص على تأمين السلام لتحقيق رؤية 2030 الاقتصادية. وقال في مداخلة له خلال المؤتمر “نحن في النهاية سنمضي في السلام، بأي حال من الأحوال نحن نعيش سويةً، ومن وجهة نظر السعودية، السعوديون وولي العهد محمد بن سلمان، مخططون لرؤية 2030، تركيزها على شمال غرب المملكة، ليست بعيدة عن إسرائيل على البحر الأحمر، بدون تعاون مع إسرائيل سنفشل في الوصول إلى رؤية 2030، لن نحقق أهداف الرؤية من دون بيئة سلام، والعمل سويًا، وتبادل المصادر والتكنولوجيا، ويكون بيننا استثمارات، نريد أن نجذب العالم ليأتي إلى نيوم، أو إلى مناطقنا الأخرى في السعودية، وهذا ما نركز عليه في رؤية 2030، لهذا السبب السلام والتعاون مع إسرائيل يجب أن يكون على الطاولة وسيحدث”.
تبدي السعودية تقدمًا غير مسبوق في التأكيد على إتمام اتفاقية التطبيع، إلى درجة أن السلام مع الكيان الإسرائيلي صار بمثابة حاجة للنظام الذي يتطلع إلى استكمال وتطوير المشاريع الترفيهية وجذب السياح والمستثمرين ضمن رؤية 2030. من جهة أخرى تبقى المساعي السعودية محفوفةً بالمخاطر في الوقت الذي تتلقى فيه تهديدات من اليمن ردًا على الحصار الاقتصادي ومقاطعة بنوك صنعاء، وهو الأمر الذي يعيد الرياض إلى المربع الأول في حال استمرت بالضغط الاقتصادي، إلا إذا كانت هذه الضغوط تأتي في سياق المناورة السياسية في إطار التفاوض مع أنصار الله لوضع حد للعدوان السعودي بعدما صار اليمن يشكل تهديدًا للسعودية، لكن رغم ذلك لن تكون السعودية بمنأى عن الرد اليمني إذا ما تماشت إجراءاتها على الأرض مع تصريحاتها.
المصدر: موقع الخنادق