بين كـــــربلاء وغـــــزة
العين برس/ مقالات
أحمد محمد
كلنا يتذكر كلمة مندوب الكيان الاسرائيلي في مجلس الأمن جلعاد إردان، خلال الجلسة الطارئة بمجلس الأمن لبحث الهجوم الإيراني على الكيان، ردا على العدوان الاسرائيلي على القنصلية الايرانية في دمشق، حينها كرر مفردة “شيعة” أكثر من 15 مرة في كلمته، التي لم تستغرق 15 دقيقة، من بينها، “التمدد الشيعي في الشرق الأوسط”، و”تمادي الشيعة في حرب إسرائيل”، و”قوة الشيعة في العالم”، و”خوف إسرائيل من الشيعة”، و”توسع الهلال الشيعي في المنطقة”، و”إلحاق الشيعة الأذى بإسرائيل”، و”تحذر الأمم المتحدة ودول الغرب من قوة الشيعة”، و”العدو الأول والأساس هم الشيعة”.
لا نحتاج ان نكون على المام كبير بالسياسة، او ان نكون اصحاب ذكاء وقّاد، لنعرف ان المقصود من وراء “الخوف” الاسرائيلي من “التمدد الشيعي”، و”الهلال الشيعي”، و” قوة الشيعة”، و”التمادي الشيعي”، و..، ليس “خوف” السلفيين والتكفيريين والطائفيين والحاقدين والمرضى النفسيين، بل هو “خوف” من طبيعة اخرى. فعندما يقول الاسرائيلي “شيعة” ، فانه يقصد “المقاومة” حصرا. لذلك مهما كانت الخلفية المذهبية للانسان العربي والمسلم الحر، الذي يحمل البندقية ويقاوم الاحتلال الاسرائيلي، او يدعم فلسطين بالكلمة والشعار والموقف، فهو يندرج اسرائيليا في خانة “الشيعة”، وهذا ما يفسر الكذبة الكبرى التي روجت لها “اسرائيل” وتلقفتها اذنابها من السلفييين والتكفيريين، كأنه وحي، حول “تشيع حماس” و “تشيع الجهاد”، بل وحتى “تشيع غزة”. ورأينا كيف انطلت هذه الكذبة على الكثيرين، للاسف الشديد، حتى وصل الامر باحدهم، ان يشن هجوما على المتحدث باسم كتائب القسام ابو عبيدة، لتحالفه مع “الشيعة”، وهو هجوم جاء في ذروة العدوان على غزة، فتلقف الصهاينة الهجوم، كدليل على ما يقولونه عن “خطر التشيع”.
لا نحن ولا غيرنا ينكر، ان الشيعة المسلمين، على امتداد جغرافيا العالم، وخاصة جغرافيا منطقتنا، يتخذون من النهج الحسيني، طريقا في الحياة، وهو نهج قائم على شعار الامام الشهيد الحسين بن علي بن ابي طالب عليهما السلام، “هيهات مِنَّا الذِلَّة”،وهو شعار طبقه الامام الشهيد حرفيا يوم العاشر من محرم، عندما خاطب جيش يزيد بن معاوية بقوله:” إنّ الدعي بن الدعي، قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحُجور طابت وطهرت، وأُنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرُ فرار العبيد”.
هذا الشعار الخالد، الذي يجعل من رافعيه، قوما رافضون للظلم على مدى التاريخ، ولما لم يكن من ظلم وقع على المسلمين افدح من ظلم احتلال فلسطين، فقد تسابق مراجع الشيعة على مدى اكثر من 7 عقود، دون استثناء، على اصدار الفتاوى لنصرة فلسطين والمسلمين الفلسطينيين، وعندما انتصرت الثورة الاسلامية في ايران، رفعت شعار “الموت لإسرائيل”، ولم تتراجع عنه رغم كل ما تعرضت وتتعرض له من ضغوط وحروب عسكرية واقتصادية وسياسية ونفسية.
ان مدرسة كربلاء ودروس عاشوراء، كانت ملهمة للشيعة، الذين تمترسوا خلف عقيدتهم الرافضة للظلم، وفي مقدمة هذا الظلم ، ظلم الاحتلال الاسرائيلي. وكما جسد الحسين شعاره “هيهات منا الذلة”، جسده المقاومون في لبنان والعراق واليمن وسوريا، في منازلتهم التاريخية الكبرى، التي مضى عليها 9 اشهر، غير آبهين بالموت ولا بتهديدات امريكا والغرب والصهاينة.
عاشوراء التي تمر ذكراها اليوم، ليست خاصة باتباع اهل البيت عليهم السلام، فهي ارث انساني للبشرية جمعاء، وفي مقدمتهم المسلمين، فالحسين صانع ملحمة كربلاء، هو حفيد نبي الاسلام، لذلك ليس مستغربا ان نرى الملايين من المسلمين، يستلهمون مبادىء ثورة كربلاء، وفي مقدمتها رفض الظلم، والتضحية بالانفس والاولاد والاهل والغالي والنفيس من اجل المبدأ والعقيدة، وهو ما يجسده اهالي غزة والمقاومون افضل تجسيد، فغزة اليوم ما اشبهها بكربلاء. فهذا رئيس حركة حماس في قطاع غزة المجاهد البطل يحيى السنوار، يقول في احدى الرسائل التي بعثها الى الوسطاء وأعضاء المكتب السياسي للحركة في الخارج، الذين يتفاوضون لوقف العدوان على غزة: “علينا أن نمضي قدما، أو فلتكن كربلاء جديدة”.
عاشوراء، هي اخشى ما تخشاه “اسرائيل”، لا بسبب “التشيع” ، او “تمدده” او “هلاله”، كما تروج هي، واصحاب العقول المتحجرة والمتكلسة، من سلفيين وتكفيريين، بل بسبب العنفوان الذي تمنحه للانسان المسلم، وتجعل من خريجي مدرسة كربلاء والمتأثيرين بمبادئها وتعاليمها، طلاب شهادة، يرددون مقولة على الاكبر ابن الامام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، عندما قال لابيه :”يا أبتَ، ألَسنا على الحق”؟ فقال الحسين “بلى”. فقال علي الأكبر: «إذاً لا نبالي، أوقعنا على الموت أو وقع الموتُ علينا”.
ما يحرك المقاومة في لبنان واليمن والعراق وسوريا، هو نفسه الذي يحرك المقاومة في فلسطين وغزة، فالانسان المسلم الحر، مهما كانت توجهاته وخلفياته العقيدية والفكرية، هو انسان رافض للظلم ، مدافع عن الارض والارض، مسترخص روحه من اجل ذلك، وليس هناك من مدرسة يمكن ان تعلم الانسان كيف يكون مظلوما وينتصر، وكيف ينتصر بدمه على السيف، افضل من كربلاء ، وهذا هو سر خلود ثورة كربلاء.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وفي كلمته خلال إحياء الليلة الأولى من عاشوراء امس، وضع النقاط على حروف كل ما يجري في منطقتنا وفي غزة تحديدا، عندما قال: “اليوم نحيي ذكرى كربلاء ونحن في كربلاء ونتحدث عن الشهداء ونقدم الشهداء ونحن في قلب الحدث الكربلائي”، و”بين إسرائيل وعدوانها على المنطقة ومظلومية الشعب الفلسطيني هذا الأمر لا حاجة للنقاش فهناك حقٌ ظاهرٌ وجليٌّ اسمه فلسطين بمعايير القانون الدولي والحقوق والإنسانية والأخلاق والأديان وهناك باطل اسمه إسرائيل”، و”من يتجاهل ما يجري في غزة والمظالم التي تلحق بفلسطين وبجبهات الإسناد فهو ميت العقل والقلب والروح”.
اخيرا، لم ينته الصراع بين الحق والباطل في كربلاء، بل امتد حتى غزة، التي تعيش اليوم اجواء كربلاء، فهناك تشابه بالاحداث وحتى بتفاصليها، منها قلة الناصر، وخذلان الاخوان، وطبيعة الجرائم التي اقترفت، والتجويع والتعطيش، والنهب والسلب والحرق، ولكن انتصرت كربلاء على السيف، وبقيت خالدة، وستنتصر غزة وتدخل سجل الخالدين.
المصدر: قناة العالم