الوسيط المحايد: كيف تغير عمان مجرى التاريخ في اليمن؟
العين برس/ مقالات
كامل المعمري
تحتضن سلطنة عمان، بتاريخها الحافل بالتسامح والحياد، مشاورات السلام بين الأطراف اليمنية، لتبرز دورها الكبير في تحقيق الاستقرار الإقليمي. وتعتبر بفضل موقعها الجغرافي والاستراتيجي، وسياساتها الخارجية المعتدلة، لاعبًا محوريًا في مساعي إحلال السلام في اليمن الذي مزقته الحرب منذ سنوات. كما تمتاز بتاريخ طويل من الحياد السياسي وعدم الانخراط في الصراعات الإقليمية، ما أكسبها ثقة الأطراف المختلفة في النزاعات. هذا الدور البارز لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة لسياسات حكيمة تنتهجها السلطنة منذ عقود، تحت قيادة المغفور له السلطان قابوس بن سعيد، ومن بعده السلطان هيثم بن طارق.
العاصمة العمانية، مسقط، تشهد منذ فترة ليست بالقصيرة، جولات متعددة من المشاورات بين الأطراف اليمنية المتنازعة، برعايةصادقة وتسعى من خلال هذه الجهود إلى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء اليمنيين، وخلق بيئة مواتية للحوار البناء وتعتمد في جهودها الدبلوماسية على شبكة علاقاتها الواسعة مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.
وبالتالي فقد نجحت في بناء جسور من الثقة مع مختلف القوى الفاعلة في الأزمة اليمنية، سواء كانت دولًا أو جماعات مسلحة ولذلك فإن هذا التوازن الدقيق بين مختلف الأطراف يعزز من فرص نجاح مساعي السلطنة لإحلال السلام في اليمن.
ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها تواجه مساعي السلام في اليمن تحديات كبيرة من بين هذه التحديات الانقسامات العميقة بين الأطراف اليمنية، والتدخلات الخارجية التي تزيد من تعقيد المشهد.
إلا أن إصرارها على مواصلة جهودها يعكس إيمانها العميق بأهمية السلام والاستقرار في اليمن والمنطقة بشكل عام
تبقى الأعين متجهة نحو مسقط، حيث تتواصل الجهود لتحقيق سلام دائم في اليمن، يضع حدًا لمعاناة شعبه، ويفتح آفاقًا جديدة لمستقبل مشرق كما ويعلق اليمنيون آمالاً كبيرة على دور سلطنة عمان في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء وإنهاء معاناتهم التي طال أمدها.
فقد برزت السلطنة كواحة سلام ومحورٍ للأمل في المنطقة، حيث تسعى بكل جهدها إلى إنهاء الصراع وإحلال السلام في هذا البلد الذي يتوق أهله إلى الاستقرار والهدوء.
ولأن عمان معروفة بسياساتها الحيادية وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، فان ذلك جعلها وسيطاً موثوقاً في النزاعات الإقليمية.
هذا الحياد الإيجابي هو ما دفع اليمنيين إلى التعلق بآمالهم في عمان، إذ يرون فيها جسراً نحو الحوار والتفاهم.
فمنذ اندلاع الصراع في اليمن، حافظت سلطنة عمان على موقفها المعتدل، مستضيفةً المشاورات والمفاوضات بين الأطراف اليمنية المختلفة وعملت على تعزيز الجهود الدبلوماسية من خلال استضافة اللقاءات بين الفرقاء اليمنيين، مُكرِّسةً كل إمكانياتها لتحقيق التقارب بينهم
تجري هذه اللقاءات في أجواء من السرية والاحترام، بعيداً عن الأضواء الإعلامية، ما يساعد على بناء الثقة بين الأطراف.
في العام الماضي وما سبقه، كثف الوفد العماني زياراته إلى اليمن والسعودية، في مساعٍ حثيثة لإحلال السلام وإنهاء الصراع الدامي الذي مزق النسيج الاجتماعي والسياسي في اليمن.
كانت هذه الزيارات بمثابة جسر يصل بين الأطراف المتنازعة، في محاولة لتقريب وجهات النظر وفتح قنوات الحوار البناء.
تميزت هذه الزيارات بالتوازن والدبلوماسية الهادئة، بعيدًا عن الأضواء الإعلامية، ما أكسبها مصداقية واحترامًا من قبل جميع الأطراف ومن خلف الكواليس، عملت بصمت مستفيدة من علاقتها الجيدة مع مختلف الفصائل والقوى المؤثرة في النزاع اليمني
اليوم تعاود السلطنة استئناف المفاوضات بعد أشهر من التوقف بسبب العدوان الصهيوني، على غزة حيث تعكس هذه العودة تصميمها على المضي قدمًا في تحقيق السلام، رغم كل العقبات.
إن استئناف المفاوضات يعيد الأمل إلى اليمنيين بأن هناك فرصة حقيقية لإنهاء معاناتهم، وفتح صفحة جديدة من الاستقرار والبناء بينما تظل عمان نموذجًا يحتذى به في مساعي السلام،
نعم تواصل سلطنة عمان دورها البارز في محاولة إحلال السلام في اليمن، حيث أثبتت نفسها كوسيط يتميز بالصبر والنفس الطويل في التعامل مع الخلافات المعقدة بين الأطراف اليمنية.
إن هذا النهج الصبور والمدروس يعزز من فرص نجاحها في تحقيق الهدف المنشود، بعيدًا عن الضجيج الإعلامي الذي غالبًا ما يعيق جهود السلام.
ولعل ما يميز دورها في السعي لإحلال السلام في اليمن هو قدرتها على التحلي بالنفس الطويل في معالجة النزاعات المعقدة، حيث تدرك أن الصراعات العميقة والمتجذرة لا يمكن حلها بين عشية وضحاها، لذا تعتمد على استراتيجيات طويلة الأمد ومقاربات متأنية.
هذه الاستراتيجية تتيح للأطراف المتنازعة فرصة للتفكير العميق وإعادة النظر في مواقفها، مما يزيد من احتمالية الوصول إلى توافقات وحلول مستدامة.
هذا النهج يعزز من مصداقيتها كوسيط نزيه وغير متحيز، حيث تتيح للأطراف المتنازعة بيئة آمنة ومناسبة للحوار بعيدًا عن الضغوط الإعلامية والسياسية.
إن هذا الأسلوب الهادئ يتيح للأطراف فرصة للتواصل الحقيقي والبناء، بعيدًا عن تأثيرات الرأي العام وضغوطه
ونظرا لإكتسابها مكانة بين دول العالم يعرف الجميع ان عمان تمتلك مفتاحًا مهمًا لتحقيق السلام في اليمن، وأنها قادرة على لعب دور الوسيط النزيه والمحايد
ولذلك فإن ثقة اليمنيين بجهود سلطنة عمان في ظل الصراع المستمر والمعاناة التي يعيشها اليمن، يبرز إجماع شعبي واسع في الشارع اليمني حول الثقة الكبيرة بمساعيها لإحلال السلام
يعكس هذا الإجماع تقدير اليمنيين للدور الهادئ والفعال الذي تلعبه في محاولة تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة وإنهاء المعاناة
كذلك فإن ثقة اليمنيين تستند بمساعي عمان إلى عدة عوامل رئيسية.
أولاً، تتمتع السلطنة بتاريخ طويل من الحياد وعدم الانخراط في النزاعات الإقليمية، مما أكسبها سمعة جيدة كوسيط نزيه
ثانيًا، انها تعمل بعيداً عن الأضواء الإعلامية والضجيج، ما يعزز مصداقيتها ويمنحها القدرة على التحرك بحرية وفعالية في المشهد السياسي المعقد.
تأييد شعبي واسع يتجلى التأييد الشعبي لجهود عمان في الأحاديث اليومية لليمنيين وفي وسائل الإعلام المحلية يعبر المواطنون عن أملهم في أن تثمر الجهود العمانية في تحقيق السلام وإنهاء الصراع، مشيرين إلى أن السلطنة تمثل بارقة أمل حقيقية في خضم المأساة التي يعيشونها
يبقى الرهان على عمان كبيراً حيث يتطلع اليمنيون إلى استمرار جهودها وتصاعدها، على أمل أن تساهم في إحلال السلام الدائم في بلادهم.