نيكي هايلي: “اقضوا عليهم”.. إنها واشنطن بلا أقنعة
العين برس/ تقرير
سمية علي
أثناء زيارة لها على الحدود الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة، اختارت المرشحة الجمهورية السابقة للانتخابات الرئاسية الأميركية والسفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي أن تكون “أميركية” بكل ما لهذه الكلمة من معنى. خلعت الأخيرة كل الأقنعة. قالت “اقضوا عليهم”. من هم يا هيلي؟ من يقولون “لا” لإبادة جماعية ترتكب بغزة بإشرافكم؟ أليس هذا فعلاً انسانياً؟ حقاً من حقوق الانسان التي ترفعون لواءها أنتم أسياد الحداثة؟ هناك وأنت جالسة تحملين قلمك وتوقعين على صواريخ أنتم أنفسكم من أرسلتموها أو مولتم شراءها، أعلنت الحقيقة التي يحاول رئيس بلادك ومن معه في البيت الأبيض وكل مراكز القرار السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية منذ 7 تشرين الأول/اكتوبر، لا لخجل أو حياء، بل تماشياً مع مقتضيات المدرسة السياسية، إن صح التعبير، التي تنتمون إليها، يحاولون إعادة صياغتها في قوالب، لتصبح حمّالة أوجه، شديدة المرونة، على قياس الجميع.
تبقى كلها مجرد كلام يا هايلي، أما الأفعال فأمر آخر. إنه النفاق بناء على حسابات القوة والمصلحة. وأنت التي رآك كثيرون وقحة مجردة من الإنسانية، تدعو إلى حمام دم جديد في وقت لم يتوقف فيه الأول بل يزداد اجراماً، كنت فقط أنت “مواطنة من بلاد العم سام”.
لنعد إلى رأس الإدارة الأميركية: جو بايدن. يُشهد لهذا الرجل الأبيض أنه ومنذ بدء هذا العدوان، كان حريصاً في تصريحاته الصحافية على استخدام ملامحه الطاعنة في السن إلى حد كبير: يعبس، يتأثر، يضحك، يغضب، يبستم، تناقضات كبرى حقاً لدرجة أنه ضلل جمعاً كبيراً ممن فاتتهم “سياسة النفاق”.
بدأ الأخير حربه في غزة، نعم حربه التي يديرها جنرالاته وعلى أعلى المستويات من أرض المعركة منذ الساعات الأولى عقب “طوفان الأقصى” الانتكاسة الأكبر في تاريخ الكيان، بدأها بالكذب، قائلاً إنه رأى صوراً لأطفال إسرائيليين “قطعت رؤوسهم على يد حماس”. ورغم نقل “سي إن إن” لاحقاً عن مسؤول أميركي قوله إن بايدن والمسؤولين الأميركيين “لم يروا هذه الصور، ولم يتحققوا بشكل مستقل من أن حماس تقف خلف هذه المزاعم”، إلا أن الأخير كرر القصة نفسها عقب ذلك، في مدينة سان فرانسيسكو، خلال لقائه الرئيس الصيني شي جين بينغ. القصة تحمل العديد من عناصر القوة والتأثير لإطلاق صفارة الإبادة بحق الفلسطينيين، الذين “يتصرفون بشكل لا إنساني، وبالتالي من المبرر أن يعاملوا بلا إنسانية”، الولايات المتحدة حريصة على لجمهم إذاً، هذا كل ما في الأمر، إذا “اقضوا عليهم”.
أخرج الوحش الاسرائيلي، الذي عاش ويعيش أزمة وجود، كل أنيابه، مع أن المقاومة وفي مسار تراكمي قلمت الكثير منها، فكان لا بد من نجدته بكل كما أوتيت الولايات المتحدة من قوة ومن نفاق، لأن الأخير جزء أساسي من هذا الدور الذي وفي هذه الحرب تحديداً يقتصر عليها هي فقط: “اسرائيل” ليس أمامها إلا القتل والتهجير، وهي ستغطيها برداء المظلومية الأزلي وبستار من التصريحات الحمالة الأوجه، من جهة لتنفيس الاحتقان الشعبي الذي من المتوقع أن يتصاعد ويتصاعد مع كل مجزرة ومحرقة في غزة، مع أخبار المجاعة، واستيعاب ما قد يصدر عن المنظمات الدولية المحرجة من عداد الشهداء الفلسطينيين والتدمير المنهجي للمنظومة الطبية واستهداف الصحفيين وحتى العمال التابعين لها، ومن جهة ثانية لمحاولة تحصيل بعض المكتسبات في المسار السياسي المواكب لمسار التطورات الميدانية، التي من الصعب التنبؤ بها مع مفاجآت الأرض وخسائرها المتوقعة ومع مفاجأة جبهات الإسناد، التي شكلت ولا تزال هاجساً كبيراً لواشنطن، لذا لا بد هنا أن تقدم الأخيرة نفسها كـ “وسيط ” ولو أن الحرب تُشنّ بنسبة كبيرة بمالها وسلاحها وإشرافها، ولو أنها معركة وجودها في المنطقة. لا بد من الوجهان “وساطة الحل”، وآلة الإبادة والتهجير.
انطلاقاً من هذه المعادلة، تسقط التناقضات، لتصبح أحداثاً لخطة واحدة. انطلاقاً منها، تحدث بايدن منذ ثلاثة أشهر وهو يأكل المثلجات في نيويورك عن وقف لاطلاق النار في غزة بعد أيام، وقتها فوجئ نتنياهو بذلك، واستمر بعدوانه وحدث الكثير، من مجازر بالعشرات.
انطلاقاً منها ايضاً، امتعض بايدن ووزير خارجيته انتوني بلينكن، الذي بدا غاضباً منذ أسابيع تقريباً عقب لقائه نتنياهو، وربما اثرها لوّحت واشنطن بتوقيف صفقة سلاح مهمة للكيان، “الذي لم يقدم خطة واضحة لحماية مليون ونصف نازح في رفح كجزء من عملية عسكرية هناك”، لتعود بعدها وتقول إن العقاب المعلن لا زال قيد الدرس.
هذه المعادلة نفسها، هي التي توضح كيف يقدس الأميركيون حقوق الانسان، لكنهم في الوقت نفسه يهاجمون طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان من المحكمة إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت لدورهما في الحرب على غزة، ويصف بايدن ذلك بـ “الأمر الشائن”. كما لا يعلقون على تهديدات أعلن عنها خان، ربما لأنه اعتبر أن الجنائية “هي لغير الأفارقة وبوتين”.
وكيف يقدسون حرية التعبير، وفي الوقت نفسه يدهسون الطلاب المعتصمين في جامعاتهم لمطالبتهم بمعاقبة “اسرائيل”، ووقف العدوان.
بايدن نفسه الذي تألم لمزاعم “رؤوس أطفال مقطوعة” في الكيبوتس، لم نسمعه يتحدث عن رؤوس قطعت بالصوت والصورة في رفح. رفح التي بدأ فيها العدو عمليته منذ أيام دون “خطة اخلاء الآمنين”.
قد يخرج علينا جو بايدن أو أي من موظفي إدارته، بعد أسابيع من المجازر في رفح، واطلاق التصريحات المؤنبة للكيان، والمستنكرة لاخطائه، ولكنهم في الوقت عينه سيرفعون “الفيتو” لإسقاط أي قرار بوقف الإبادة في مجلس الأمن. كانت هيلي أميركية حقاً، وفقاً لحسابات القوة والمصلحة ايضاً.
هذه الحسابات نفسها التي من أجلها انسحبت بلادها يوماً من العراق، عندما أصبحت الخسائر هناك غير محتملة. العراق الذي زعموا الدفاع عن “ديمقراطيته” من نظام صدام حسين الذي قيل إنه يمتلك “أسلحة دمار شامل خطيرة”، ثم عذبوا ابناءه بكل همجية في “أبو غريب” وقصفوهم بالأسلحة المحرمة.
هذه الحسابات نفسها، المصلحة والقوة، هي التي ستجرّهم لوقف العدوان. عندما تُمنح “اسرائيل” كل الأوراق الممكنة وتفشل، سيعلنون انفتاحهم على التفاوض “لدواع إنسانية”، وسيكون انتصار غزة واقعاً وتوقيع هيلي وهْم المستكبرين.
المصدر: موقع المنار