الانسحاب المتواصل للبوارج الأوروبية.. عجز عن المواجهة أم قناعة بالهزيمة؟
العين برس/ مقالات
محمد الكامل
تضاءلت أعداد البوارج الحربية الغربية قبالة سواحل اليمن بشكل ملحوظ في ظل هروب الفرقاطة الألمانية “Die Fregatte Hessen” بعد فشلها في مواجهة عمليات القوات المسلحة اليمنية بذريعة المشاكل الفنية. كما عادت الفرقاطة إيفر هويتفيلدت إلى الدنمارك ،والتي فشلت أنظمة دفاعها الجوي في العمل مع الطائرات المسيرة اليمنية، ثم غادر الفرنسيون “سفينة Alsace ” بعد نفاد الإمدادات، وقبل بضعة أيام أصبح معروفًا أن البلجيكيين ألغوا إرسال الفرقاطة “Louise Marie”.
وإذا ما ركزنا على هذه التغييرات، فإن السفن الأمريكية الوحيدة المتبقية في البحر الأحمر هي المدمرة “يو إس إس كارني” التي أعلن البنتاغون في ديسمبر الماضي عن اشتباكها مع 14 طائرة مسيرة يمنية، والمدمرة البريطانية دايموند والفرقاطة ترومب التابعة للبحرية الهولندية، وبالتالي تعيش أمريكا وحلفها المزعوم في البحر الأحمر في مواجهة القوات المسلحة اليمنية فشلاً استراتيجياً كبيراً في ظل الانسحاب المتكرر للسفن والبوارج الحربية الغربية.
هشاشة دفاعية وفشل كارثي
وفي السياق، يشير الباحث في الشؤون العسكرية زين العابدين عثمان إلى أن “حالة الفشل الذي تعاني منها أمريكا وحلفائها بدأت تتوسع لتأخذ مستويات جديدة من الفشل والهزيمة، حيث أظهرت جميع السفن والمدمرات التي حشدتها أمريكا لمياه البحر الأحمر فشلاً كبيراً في مواجهة صواريخ وطائرات قواتنا المسلحة”.
ويقول عثمان في تصريح خاص “للمسيرة” إنه على المستوى التقني أظهرت السفن والفرقاطات خصوصاً البريطانية والدنماركية والفرنسية، فشلاً كارثياً في حماية نفسها من هجمات الصواريخ والمسيرات، فقد تحولت من قوة متفوقة إلى كتل من الضعف والفشل وأهداف سهلة التدمير”.
ويضيف:”لذلك لجوء بعض الدول المشاركة مع أمريكا سحب فرقاطاتها من البحر الأحمر، كبريطانيا التي سحبت فرقاطة HMS ريتشموند و الدنمارك التي سحبت “ايفر هويتفيلت”، وكذلك فرنسا التي سحبت فرقاطة FREMM Alsace” تؤكد واقع انهيار قدرات هذه الفرقاطات بالمواجهة، وافتضاح هشاشة تقنياتها الدفاعية في توفير أي حماية أو انجاز، وبالتالي يكن هناك خيار آخر غير أن تبادر هذه الدول إلى اتخاذ قرار انسحاب سفنها قبل تعرضها لضربات تدمرها وتغرقها”.
ويواصل بالقول: “دولة بلجيكا التي أعلنت مؤخراً أنها لن ترسل فرقاطتها للبحر الأحمر هي خطوة إضافية تؤكد أيضاً أن الدول التي تشارك أمريكا فيما يسمى بتحالف الازدهار أصبحت على قناعة بالهزيمة والعجز الكامل، وأن خوض المواجهة في ظل الجحيم العملياتي الذي تفرضه البحرية اليمنية يعتبر انتحاراً متكاملاً ومغامرة ستكلفها أثماناً باهظة وتدمير سفنها وقطعها الحربية”.
ويشير عثمان إلى “أن قضية سحب الفرقاطات وفي هذا التوقيت يعني ضربة قاضية للتحالف الغربي الذي شكلته أمريكا ضد اليمن، وتحطم كل الرهانات والحسابات التي اعتمد عليها العدو الأمريكي في حماية سفنه وسفن كيان العدو الصهيوني”.
ويبين أن “الانسحاب المتواصل في صفوف التحالف الأمريكي، هو تأكيد على افتتاح مرحلة جديدة من المواجهة التي ستصبح فيها أمريكا وبريطانيا وحيدة أمام قواتنا البحرية التي ستركز الجهد للتنكيل بباقي سفنها ومدمراتها وتوجه ضغطاً استراتيجياً يصل بالبحرية الأمريكية والبريطانية إلى الهزيمة الكاملة”.
ويتوقع الباحث في الشؤون العسكرية، زين العابدين عثمان “أن المواجهة في الأيام القادمة ستكون مختلفة تماماً، وعملياتنا البحرية بما تحمله من عوامل قوة واقتدار لن تكتفي بالحاق الأضرار في سفن العدو الأمريكي والبريطاني بل أنها ستطور العمل الهجومي وزخم النيران الصاروخية الى أن تصل لمرحلة تدمير السفن والمدمرات واغراقها في قعر البحر”.
ضغط أمريكي
المدير التنفيذي لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية عبد العزير أبو طالب يقول إنه في بداية العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن مطلع العام الحالي سعت الدولتان إلى تشكيل تحالف بحري لمنع القوات البحرية اليمنية عن مساندة الشعب الفلسطيني؛ ولكن هذه الخطوة تم وأدها في مهدها بتنصل الكثير من الدول عن هذا التحالف والتبرؤ منه.
ويضيف أبو طالب في تصريح خاص “للمسيرة” : “لكن مع الضغط الأمريكي على أوروبا قامت الأخيرة بتشكيل تحالف بحري، وأرسلت فرقاطات، وسفناً حربية إلى البحر الأحمر لتخوض اشتباكات عنيفة مع القوات البحرية اليمنية، كما هي مع القوات الجوية من الصواريخ والطيران المسيّر، ما أدى إلى فشلها في مواجهة القوات اليمنية، بالإضافة إلى استنزاف مخزونها من الصواريخ باهظة الثمن.
ويوضح أن سبب انسحاب وهروب القطع البحرية الغربية يعود إلى أمرين هامين: الأول فشلها في المعارك مع القوات اليمنية وعدم تحملها للخسائر البشرية في معركة بالنيابة عن الكيان الصهيوني، والآخر نفاذ ذخائرها من الصواريخ والقذائف التي استنزفت مسبقاً على مدار سنتين في دعم أوكرانيا التي التهمت مخازن السلاح الأوروبي والأمريكي، إضافة إلى سبب فني، وهو أن تلك القطع قديمة نسبياً ولم تعد مؤهلة لخوض الأجيال الجديدة من الحروب الحديثة.
ويختتم أبو طالب حديثه بالقول:”بالتالي كان القرار هو الفرار من البحر الأحمر خاصة أن السفن المستهدفة هي فقط المتعلقة بالكيان الصهيوني ما يعني أن سفن وتجارة الدول الأوربية آمنة وليست بحاجة لمغامرة فاشلة سلفاً”.
وتأتي هذه الانسحابات الأوروبية المتكررة، بعد إثبات حالة اللا جدوى من بقائها في البحر، وتعرضها للاستنزاف الدائم، سيما في ظل التكلفة العالية التي تستغرقها عملية التتبع للصواريخ والمسيرات اليمنية.
كما تأتي بعد أن وجه قائد الثورة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي- يحفظه الله- في خطابه قبل الأخير، نصحاً إلى دول أوروبا بسحب قطعها البحرية وعدم انسياقها وراء العدو الأمريكي والبريطاني، مؤكداً أنه لا حاجة لدول أوروبا للانتشار العسكري في البحر، نظراً لأن سفنها وملاحتها تمر بشكل انسيابي دون أي عراقيل، وأن العمليات اليمنية قد أثبتت أنها لا تقصد سوى الكيان الصهيوني، أي السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة، أو القطع الحربية والعسكرية التي تشارك في العمليات العدائية ضد اليمن.
وتذكّر هذه الانسحابات بالبدايات الأولى لتشكيل ما سمي “تحالف الازدهار” الذي بدأ بتآكل أعضائه دولة تلو الأخرى قبل حتى أن يعلن رسمياً عن أي عملية حقيقية، لكن سرعان ما عاد الضغط الأمريكي على الدول الأوربية للعودة مجدداً ضمن تحالفها لحماية كيان العدو الصهيوني، فانصاعت بعض الدول بسبب الضغوط، ودخلت في تحالف جديد يسمى “أسبيدس”، لكن ما حصل في الأسابيع الأخيرة، يؤكد أن الاصطفاف الأوروبي مع الجانب الأمريكي بدأ بالتآكل سريعاً، نظراً للانسحابات المتكررة التي تقدم عليها فرقاطات الدول الأوروبية، وكل هذه المعطيات تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك، أن الغرب وأمريكا يواجهون ظروفاً في غاية الصعوبة، وليس من المستبعد وصولهم إلى قناعة باستمرارية الفشل وصولاً إلى حتمية الهزيمة.
المصدر: المسيرة نت