المحيط الهندي في دائرة النار: صنعاء تُطبق الحصار على العدو
العين برس/ مقالات
لقمان عبد الله
لا تزال تداعيات حرب غزة تفضي إلى تحوّلات كبيرة في الخارطة الجيوسياسية وموازين القوى في منطقة غرب آسيا والشرق الأوسط، فيما تؤدي وتيرة الصراع المتصاعد في بؤرتيه الحيويّتين الأكثر اشتعالاً، أي البحرين الأحمر والعربي، إلى انزياحه إلى المحيط الهندي. وأدخل قائد حركة «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي، في خطابه أول من أمس، هذا المحيط، وصولاً إلى رأس الرجاء الصالح، ضمن معادلة نصرة قطاع غزة. ويأتي ذلك بعد أن كانت التقديرات الإستراتيجية تفضي إلى استبعاد إمكانية تحوّل المنافسة في المحيط الهندي إلى صراع مسلّح، واعتبار مثل هذا السيناريو احتمالاً ضعيفاً، لأن مصلحة جميع الأطراف الدولية والإقليمية قائمة على الحلول التوافقية وتجنّب الصدام، أي على خليط من التعاون والمنافسة في آن.
لكن اليمن لم يكتفِ بالإنجاز المتحقّق حتى الآن بالحصار الجزئي الذي يفرضه على الكيان الإسرائيلي، وفضْح عجز واشنطن ولندن وقلة حيلتهما في مسعاهما إلى منع صنعاء من تحقيق أهدافها في البحرين الأحمر والعربي، بل قرر توسعة العمليات إلى المحيط الهندي، ليعمّق من المأزق الأميركي ويعقّد على الولايات المتحدة حساباتها، خصوصاً أن المنطقة المذكورة تشهد حضوراً متزايداً للقوى الكبرى، ولا سيما الصاعدة منها، من مثل الصين والهند وإيران.
غير أن الحوثي لم يشمل في خطابه السفن والبوارج الأميركية والبريطانية، وإنما حصر الأمر بالسفن الإسرائيلية، وهذا ما يتيح لواشنطن ولندن التفكير مرة أخرى، وعدم المجازفة في مواجهة اليمن هنا أيضاً، حتى لا تتعرّضا للاستهداف.
وتنبع أهمية القرار من أنه يوفّر مجالاً واسعاً للمناورة والقدرة على الإضرار بالاقتصاد الإسرائيلي عبر إمساكه بثلاثة ممرّات تستفيد منها السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بالعدو:
– الممر الأول، هو رأس الرجاء الصالح، إذ يمكّن القرار اليمن من منع الصادرات إلى إسرائيل من الصين والهند ودول الخليج. ويمكن أن يؤدي، عبر تراكم الاستهدافات، إلى وضع الاقتصاد الإسرائيلي في وضع حرج جداً.
– الممر الثاني، من المحيط الهندي إلى بحر العرب وخليج عدن، عبر باب المندب في البحر الأحمر، والذي يُعتبر حالياً متوقفاً بسبب الاستهدافات اليمنية.
الممر الثالث، من المحيط الهندي إلى دول الخليج، ولا سيما الإمارات والبحرين، عبر مضيق هرمز. وبناء عليه، فإن المعبر البري البديل من البحر الأحمر، والذي يربط إسرائيل بالإمارات ومملكة البحرين عبر السعودية والأردن، يُصبح معرّضاً للاستهداف في المجال الرحب الذي فتحه اليمن، ابتداء من المحيط الهندي أو في مضيق هرمز أو أثناء الوصول إلى كلّ من دبي والمنامة.
القرار اليمني بتوسعة العمليات إلى المحيط الهندي، يعمّق مأزق واشنطن ويعقّد عليها حساباتها
وفي تقرير لها، ذكرت مجلة «ماريان» الفرنسية، أنه يتم إنزال شحنات السفن من الصين والهند على وجه الخصوص، في موانئ مملكة البحرين وإمارة دبي، ما يجنّبها الاضطرار إلى المرور عبر مياه البحر الأحمر المحفوفة بالمخاطر. وبمجرّد وصول هذه السفن إلى الموانئ، يتم تحميل الحاويات على شاحنات تعبر الأراضي السعودية والأردنية، وصولاً إلى الحدود الأردنية – الفلسطينية. وبعد ذلك، يتم نقل الشاحنات الإسرائيلية إلى جنوب فلسطين المحتلة ومنها يُنقل بعضها إلى حيفا. ولأن السعودية لا تقيم علاقات علنية مع الكيان الإسرائيلي، فيما خفّض الأردن من مستوى علاقاته مع إسرائيل بسبب الحرب على غزة، ابتدعت سلطات البلدين، وفقاً لتقرير «ماريان»، لرفع الحرج عنهما، حلاً يقضي بتوصيف الحاويات على أنها «قيد العبور»، ما يسمح بعدم ذكر إسرائيل، كوجهة نهائية.
وكشفت المجلة أن شركة «ترنك إنتربرايز» الإسرائيلية ذهبت إلى حد إبرام اتفاقية مع شركة مصرية لنقل البضائع عبر إسرائيل بشاحنات متّجهة ليس فقط إلى مصر، ولكن أيضاً إلى السوق الأوروبية، من ميناء دبي. وكانت وزيرة النقل الإسرائيلية، ميري ريغيف، قد أجرت مفاوضات مع أبو ظبي، الشهر الماضي، لتأمين عبور بري للحاويات من الهند. وفي المقابل، سبق أن شهدت منطقة الخليج، أثناء الغزو الإماراتي لمحافظة شبوة جنوب اليمن، أوائل عام 2022، وتشكيله تهديداً لخاصرة قوات «أنصار الله» في محافظة مأرب، تشابكاً بين مكوّنات محور المقاومة؛ إذ استهدفت صنعاء منشآت في كل من أبو ظبي ودبي، في حين تبنّت «ألوية الوعد الحق» في العراق عملية استهداف الإمارات بطائرات مسيّرة.
ويُذكر أن مساحة المحيط الهندي تمتد بين ثلاث قارات هي آسيا وأفريقيا وأوقيانيا، وهو ثالث أكبر كتلة مائية بعد المحيطين الهادئ والأطلسي، كما يشكل شرياناً رئيسياً من شرايين شبكة المواصلات العالمية؛ فعبر مياهه ومضائقه الدولية يمرّ نحو 80% من منتجات العالم من الطاقة والنفط والسلع المختلفة، و50% من حركة النقل البحري بالحاويات، ونصف إجمالي البترول المنقول في العالم أجمع. كما تحوي أعماقه وكتل اليابس من حوله، ما يقدّر بثلثي الاحتياطي العالمي من النفط و40% من احتياطي الذهب، ونحو 60% من اليورانيوم، و90% من الماس.
والأهم من هذا كله، أن المسالك البترولية في المحيط الهندي تُعتبر شرايين الحياة الإستراتيجية لعدد من الدول المتطوّرة والنامية، خاصة دول شرق آسيا التي لا مفرّ لأساطيلها من المرور عبر شبه القارة الهندية عند نقلها بترول الشرق الأوسط وأفريقيا، وعودتها إلى بلدانها.
المصدر: جريدة الاخبار