ما هي تداعيات استهداف صنعاء للمصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر؟
العين برس/ متابعات
يمثل تصعيد صنعاء تجاه الإحتلال ومصالحه في البحر الأحمر، منذ 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أحد أبرز الأحداث المرافقة لعملية طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر 2023، ويرتبط هذا التصعيد وجودا وعدما بأحداث غزة؛ حيث تشترط صنعاء لوقف هجماتها على ميناء إيلات والسفن التجارية المرتبطة بإلاحتلال في البحر الأحمر وقفا مقابلا للعدوان الإسرائيلي على غزة.
أدت هجمات صنعاء على أهداف عسكرية، وأعيان مدنية عامة في إيلات، وهجماتهم على السفن التجارية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بالإحتلال، إلى تداعيات عديدة معلنة وغير معلنة تندرج .
في اتجاه تصعيد “إسرائيل” على غزة، عمل تصعيد صنعاء، بجانب عوامل أخرى، على دفع “إسرائيل” والقوى الدولية المتعاطفة معها، إلى إعادة التفكير في جدوى استمرار هذا العدوان، باللجوء إلى الحل السياسي القائم على المفاوضات غير المباشرة، مع حركة حماس.
وفي الوقت الذي تعاني فيه حكومة نتنياهو أزمة سياسية مؤجلة، مثلت عملية طوفان الأقصى، والاستجابة لها، مهربا من هذه الأزمة.
ورغم تصاعد هجمات صنعاء باتجاه ميناء إيلات، والسفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، إلا أن “إسرائيل” لم تقُم بأي عمل عسكري تردُ به على اليمن، واكتفت بإطلاق التحذيرات من مغبة الاستمرار في ذلك، ودعوة دولها الصديقة إلى العمل على وقف تهديداتها. ويبدو أن هذا الرد سيكون مؤجلا، وبالطرق والوسائل والزمان الذي تريده “إسرائيل”، ومتى ما اقتضى الأمر ذلك؛ حيث لا تزال الآن غارقة في مستنقع غزة الذي تعانيه بشدة، لما لحق بالجيش الإسرائيلي من خسائر مادية وبشرية ونفسية.
على صعيد التأثير العسكري لهجمات صنعاء، فأن الهجمات التي استهدفت منطقة إيلات، استنزف اعتراضها جهودا ووسائل دفاعية مكلفة، ومثال ذلك أن كلفة الصاروخ الاعتراضي “أرو- 2 ، وأرو- 3″، في منظومة “آرو-3″، تبلغ نحو 1.5 إلى 2 مليون دولار أميركي. ولا نغفل في هذا الشأن، أن استمرار تعرض ميناء إيلات لهجمات القوات المسلحة اليمنية، يُضعف عائداته ووارداته القادمة من الشرق، والتي يُوظف جانب منها في دعم اقتصاد الحرب، والعمليات اللوجستية للقوات المنخرطة في الحرب على غزة.
في اتجاه آخر، لم تشهد منطقة جنوبي البحر الأحمر عسكرة دولية مثلما تشهده اليوم، إلى جانب القواعد العسكرية الأجنبية الثابتة في بعض من دولها. فقد أرسلت الولايات المتحدة سُفنا حربية متطورة لتعمل ضمن مسرح عمليات الأسطول الخامس الذي يدخل في نطاقه البحر الأحمر وخليج عدن، ومن هذه السفن المدمرة “يو إس إس كارني”، والمدمرة “يو إس إس ماسون”. ويُعد هذا التوجه مدخلا خطيرا لتعزيز الوجود العسكري الأميركي السابق في المنطقة، ومن ذلك القواعد الأميركية في جيبوتي، والصومال. ومحطة التحكُم والاتصال الأرضية الموجودة في جزيرة سيشل، والتي تربط بين القواعد الأميركية في المحيط الهندي وخارجه، بما فيها قيادة الأسطول الخامس الأميركي في المنامة، وتراقب المحطة كذلك، الأقمار الاصطناعية المتخصصة في الاتصالات الفضائية.
وأعلنت الولايات المتحدة، أواسط ديسمبر/كانون الأول 2023، إنشاء التحالف الأمني البحري الموصوف بـ”حارس الازدهار” الذي ضم دولة 12 دولة، من بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا والبحرين وسيشل. وبالنسبة إلى مشاركة الدولتين الأخيرتين، رغم صغرهما، فيمكن أن يُعزى ذلك إلى أن البحرين تقع فيها قيادة الأسطول الخامس الأميركي، وأن سيشل توجد فيها محطة أميركية للتحكم في الاتصالات الدولية، والقواعد العسكرية الأميركية في المحيط الهندي والأقاليم المحيطة به.
إن تزاحم ترسانة هذه القوات، من شأنه التأثير سلبيا في أمن المنطقة.
وتأتي التداعيات الاقتصادية على دول إقليم البحر الأحمر في ظل ما يواجهه الاقتصاد العالمي من تحديات جراء الحرب الروسية-الأوكرانية، والآثار السيئة المتبقية من جائحة كورونا “كوفيد 19”. فحتى الآن لا تزال صنعاء تتعامل مع السفن التجارية بانتقائية؛ حيث تركز على السفن ذات الصلة بتل ابيب. لذلك، فإنه، ما عدا إسرائيل ومصر، لم تتأثر كثيرا دول الإقليم، بما فيها موانئ الحديدة.
في مصر، كشفت رئاسة هيئة قناة السويس، عن تحول السفن التجارية إلى طريق رأس الرجاء الصالح، غربي إفريقيا، بدلا من المرور عبر القناة، وأن نحو 55 سفينة تجارية لجأت إلى ذلك منذ واقعة اختطاف السفينة غالاكسي ليدر، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني(26). وسيتضاعف هذا العدد إذا لم يحدث تحول في قرار أزيد من عشر شركات دولية في مجال الشحن البحري، إيقاف عبور سفنها في البحر الأحمر، والتي كان من أبرزها: شركة ميرسك الدنماركية، وشركة سي إم إيه-سي جي الفرنسية، وشركة بريتش بتروليوم البريطانية، وشركة هاباج لويد الألمانية، وشركة يانغ مينغ التايوانية، وشركة أورينت أوفرسيز كونتينر لاين في هونغ كونغ(27). وهناك ما يشير إلى تراجع شركة ميرسك عن قرارها، لكن سفنها التي يرتبط نشاطها بموانئ “إسرائيل”، لن تكون ضمن هذا التراجع.
بطبيعة الحال، فإن التحول باتجاه رأس الرجاء الصالح، سيضاعف من التداعيات الاقتصادية السيئة على قناة السويس، وموانئ دول البحر الأحمر، حتى وإن كان ذلك مؤقتا. أما ميناء إيلات فقد تراجع نشاطه بنسبة 85%(28). ولأن تهديد صنعاء تجاهه سيظل قائما، إذا ما استمر عدوان “إسرائيل” على غزة، وفقا لما يصرح به اليمنيون، فإن الخسائر المتعلقة بنشاط هذا الميناء ستتضاعف؛ ليس لتراجع تدفق السفن إليه فحسب، بل واستمرار تعرُضه للهجمات، وتطلُب وصول السفن القادمة إليه من شرق آسيا، سلوك مسارات بعيدة خارج البحر الأحمر، عبر البحر الأبيض المتوسط، بعبور جبل طارق، ثم قناة السويس وصولا إلى ميناء إيلات.