معركة الإرادات في غزة.. بين إعلام المقاومة وبروباغندا المحتل
العين برس/ تقرير
ذكرت بعض وسائل الاعلام الامريكية، ان الادارة الامريكية كانت قد حذرت الكيان الاسرائيلي، من مخاطر التوغل البري في غزة، وهو تحذير، جاء على لسان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، بصيغة اخرى عندما حذر حكومة بنيامين نتنياهو من استبدال نصر تكتيكي بهزيمة إستراتيجية، في حال لم تلتزم قوات الاحتلال بحماية المدنيين في قطاع غزة.
تحذير وسائل الاعلام الامريكية وأوستن، الكيان الاسرائيلي من مغبة التوغل البري وقتل المدنيين، لم يأت من حرص هذه الجهات، علىى ارواح المدنيين في غزة، وهو ما اكدة الدعم الاعمى والمطلق لامريكا لجرائم الكيان في غزة خلال الشهرين الماضين، بل ان التحذير جاء من اجل انقاذ “أسرائيل” من تداعيات التورط في السقوط في مستنقع غزة، وهي تداعيات، ستكون في غاية الخطورة على الكيان كوجود، حتى في المستقبل المنظور.
المعروف ان النصر في الحرب لا يقاس بعدد قتلى واسرى الطرف الاخر، بقدر ما يكون بكسر ارادته، ودفعه الى اليأس من تحقيق النصر في الحرب، اي ان الحروب هي في الحقيقة معركة ارادات، ومن هذا المنظار يمكن ان نقول بالضرس القاطع، ان ما يحدث اليوم في غزة، هو هزيمة مدوية لـ”جيش” كان يعتبر يوما انه “لا يقهر”، وانه اقوى جيوش المنطقة، ومدعوم من دولة تعتبر نفسها “الاعظم في العالم”، الى جانب الغرب اجمع، الا انه وبعد مرور شهرين على هجوم شنه ، على قطعة ارض لا تتجاوز مساحتها 350 كيلومترا مربعا، من دون اي خطوط حمراء، استخدم كل ما في ترسانته وترسانة امريكا من سلاح، وقتل نحو 18 الف انسان، ودفن الالاف تحت الانقاض، واصاب عشرات الالاف بجروح، وحرم مليونين انسان من الماء والغذاء والدواء، الا انه لم يحرر اسيرا واحدا، ولم يمسك بالارض، ولم يكسر ارادة الطرف المقابل، ولم يمنع المقاومة من امطار تل ابيب بالصواريخ، وهي دلائل قاطعة على ان المقاومة لم تكسر ولم تيأس، بل على العكس تماما، اصبحت اكثر عنفوانا، واملا بالنصر المؤزر.
ومن اجل اثبات هذه الحقيقة، سنخرج من نطاق الكلام المجرد، ونتناول معركة صورتها المقاومة بالصوت والصورة، تكذب بروباغندا العدو الذي يحاول يائسا، ان يصنع انتصارات مزيفة، ولكن سرعان ما تفضحها المقاومة، عبر نشر مقاطع الفيديو التي اقرب ما تكون للافلام الوثائقية، ومن هذه الصور، تلك المتعلقة بمحاولة قوات الاحتلال تحرير أحد اسراه لدى حماس، وهي صور اثبتت كذب الرواية الاسرائيلية عن الحادث، التي اكتفت بالاشارة الى إصابة جنديين اثنين خلال تلك المحاولة، بينما وثق فيديو حماس مقتل الأسير ودماء أفراد المجموعة التي حاولت تحريره وأسلحتهم وعتادهم، مما يؤكد روايته بسقوط قتلى وجرحى من أفراد المجموعة قبل هربهم، وبقيت الجثة في قبضة المقاومة.
يبدو ان الفترة التي كانت محددة للتوغل البري في غزة قد طالت اكثر مما كان يتوقع زعماء الكيان وحلفائهم في امريكا والغرب، ومع مرور الوقت اصبح من غير الممكن تكميم افواه الصحافة، التي بدأت تكشف عن خسائر قوات الاحتلال، التي تم التعتيم عليها خلال الشهرين الماضيين، ورغم ان هذا الكشف لا يمثل كل الحقيقة، بل يعكس جانبا من الخسائر التي يتكبدها جيش الاحتلال، وهي خسائر غير مسبوقة، فقد كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم السبت، “ان أكثر من 5 آلاف جندي جريح وصلوا المستشفيات، وأكثر من ألفين تم الاعتراف بهم رسميا على أنهم معاقون منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول”.
كما كشفت الصحيفة عن “أن قسم إعادة التأهيل بوزارة الدفاع يستقبل يوميا 60 جريحا معظمهم إصاباتهم خطرة”، ونقلت ايضا عن ليمور لوريا رئيسة قسم إعادة التأهيل في وزارة الحرب في كيان الاحتلال قوله:” لم نمر قط بأي شيء مماثل لهذا. أكثر من 58% من الجرحى الذين نستقبلهم يعانون من إصابات خطيرة في اليدين والقدمين، بما فيها تلك التي تتطلب عمليات بتر”.
هذه الارقام والافلام والصور تؤكد وبشكل لا لبس فيه ان “اسرائيل وامريكا” تخسران في معركة الارادات في غزة، وهذه الخسارة المخزية، هي التي تدفع هذا الثنائي الى ارتكاب مجازر بحق الاطفال والنساء والمستشفيات والبني التحتية في غزة، واستخدام اساليب داعشية، كتعرية المواطنين في البرد القارص، وتصوير هذه الممارسات ونشرها على نطاق واسع للتعويض عن الهزيمة المشينة.
هذه الممارسات الاجرامية التي خلفت 17 ألفا و487 شهيدا، و46 ألفا و480 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية، وكارثة إنسانية غير مسبوقة، ساهمت وبشكل ملحوظ في التاثير على الرأي العام العالمي، الذي تعاطف جزء منه في البداية مع الكيان الاسرائيلي، الا انه انقلب اليوم ضد الكيان وبدأ يندد بجرائمه البشعة.
استطلاع الراي الذي اجرته شبكة “أن بي سي نيوز” الأميركية، قبل أيام، كشف ايضا عن انقلاب الراي العام الامريكي على الرئيس الامريكي جو بايدن، بسبب دعمه المطلق لـ”اسرائيل” وجرائمها، حيث اظهر الاستطلاع تراجع معدل تأييد الناخبين للرئيس بايدن إلى أدنى مستوى له، نظرا إلى الآلية التي تتعاطى بها إدارته بشأن الحرب في غزة، ورفض 70% من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً الطريقة التي يتعامل فيها بايدن مع الحرب في غزة.
من الواضح، ان لا الدعم الامريكي ولا الفيتو الامريكي، ولا قتل الاطفال والنساء، ولا تدمير غزة، ولا تعرية المواطنيين واهانتهم، يمكن ان يعيد الهيبة المزيفة التي فقدتها “أسرائيل”، بعد معركة “طوفان الاقصى”، لذلك ليس امام الكيان الاسرائيلي من خيار، الا الانسحاب صاغرا من غزة، اذا كان فعلا حريصا، على ارواح جنوده الاسرى.