الإسرائيلي يهاجر.. وصاحب الأرض يعود
العين برس/ تقرير
مع تصاعد التوتر الأمني وازدياد عمليات المقاومة الفلسطينية بالضفة الغربية، والأزمات الداخلية التي تعصف بكيان الاحتلال شهدت معدلات هجرة اليهود إلى فلسطين المحتلة تراجعا غير مسبوق في النصف الأول من عام 2022، إذ انخفضت الهجرة بشكل حاد في النصف الأول من العام الجاري، حيث تراجعت نسبة استقدام اليهود من أمريكا وأوروبا.
ويُرجِع البعض ذلك إلى تصاعد التوتر الأمني والمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، إضافة إلى خطة حكومة بنيامين نتنياهو تجاه التعديلات في الجهاز القضائي؛ وهو ما جعل الكيان وجهة غير مرغوبة للهجرة، إذ أظهرت الأرقام انخفاضا حادا في عدد المهاجرين من البلدان التي يأتي منها عادة عدد كبير من المهاجرين، وخاصة أوكرانيا والولايات المتحدة وفرنسا، وكذلك تم تسجيل التراجع بين المهاجرين من بريطانيا وإيطاليا وجنوب إفريقيا، فضلا عن دول أمريكا اللاتينية.
الطوفان والهجرة المعاكسة
لا يعد رحيل المهاجرين اليهود من الأرض المحتلة ظاهرة جديدة، ولكنها أصبحت لافتة في السنوات الأخيرة وتعرف باسم “يورديم”، وهو مصطلح عبري يستخدم لوصف اليهود الذين يغادرون الأرض المحتلة. ووفق المعطيات الصادرة عن الوكالة اليهودية، وصل في النصف الأول من العام الحالي 29 ألفا و293 مهاجرا إلى كيان الاحتلال، بانخفاض قدره 20% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، حيث كان التغيير في عدد المهاجرين على مر السنين مرتبطا بالوضع الاقتصادي للكيان، مقارنة ببلد المنشأ للمهاجرين اليهود.
وحسب بيانات وزارة الهجرة واستيعاب القادمين الجدد في الكيان والوكالة اليهودية، فقد انخفضت وتيرة الهجرة إلى فلسطين بشكل حاد في النصف الأول من عام 2022، وتراجعت نسبة استقدام اليهود بنحو 20% من أمريكا وأوروبا، وإذا كانت سنة 2022 قد شهدت زيادة في معدل قدوم اليهود الأوكرانيين والروس فإن ذلك يعود إلى ظروف تتعلق بالحرب هناك.
كما أشار استطلاع للرأي إلى أن 33% من الإسرائيليين يفكرون فعليا بالهجرة والانتقال للعيش في أوروبا وأمريكا بسبب حكومة نتنياهو المتطرفة وسياساتها التي لا تحظى بالدعم الشعبي، وقد نشرت وسائلِ إعلام العدو بيانات صادرة عن مركز الإحصاء الإسرائيلي تشير إلى أن عدد اليهود الذين غادروا الكيان بعد معركة العصف المأكول عام 2015 بلغ 16 ألفا و700 شخص عاد منهم 8500 فقط.
وذكرت إحصائيات إسرائيلية أن نحو 800 ألف مستوطن ممن يحملون جوازات سفر إسرائيلية يقيمون بصورة دائمة تقريبا في دول عدة ولا يرغبون بالعودة، وبعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وتشكيل الحكومة التي وصفت بأنها الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان والتي ضمت عتاة المتطرفين مثل بتسلئيل سموتريتش (حزب الصهيونية الدينية) وإيتمار بن غفير (حزب القوة اليهودية) ارتفع عدد الإسرائيليين الذين يسعون للحصول على الجنسيات الأوروبية بشكل ملحوظ، إذ أشارت تقارير إلى ارتفاع الإقبال على نيل الجنسية الفرنسية بنسبة 13%، وسجلت السلطات البرتغالية زيادة بنسبة 68% في طلبات الحصول على الجنسية من الإسرائيليين، كما سجلت السلطات البولندية والألمانية زيادة بنسبة 10% في الطلبات نفسها خلال الشهرين الماضيين.
إن عنصري الاستقرار الأمني والرفاه الاقتصادي يعدّان من أهم العوامل التي تجذب المهاجرين اليهود من دول العالم، ومع عملية طوفان الأقصى تعرض الكيان إلى أكبر عملية استهداف لأمنه واستقراره، وكان من أولى نتائج تلك العملية ازدياد أرقام الهجرة المعاكسة لليهود الإسرائيليين، فمع اجتياح المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري غلاف غزة ومستوطناتها على امتداد 45 كيلومترا بدأ الهلع والفرار الجماعي للمستوطنين بشكل كثيف غير مسبوق.
ولم يسبق أن سمعنا عن نزوح إسرائيلي، فالنزوح مصطلح بقي لصيقا بالفلسطينيين والعرب في الأماكن التي تطالها الاعتداءات الإسرائيلية، لكن النزوح الإسرائيلي أصبح واقعا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إذ أعلن جيش الكيان أن 500 ألف نزحوا داخلياً، وهم مستوطنون مهاجرون في الأصل، فيما أخليت مدينة سديروت بالكامل، وهي تضم نحو 20 ألف مستوطن، كما يتم إخلاء المستوطنات القريبة من الحدود الشمالية مع لبنان، فالنزوح الإسرائيلي والعجز عن إيقاف صواريخ المقاومة، وتعطيل جلسات أعضاء الكنيست وهروبهم إلى الملاجئ يجعل اليهود الإسرائيليين يستشعرون الخطر المحدق بهم، ويدفعهم لمحاولة النجاة، والهروب من هذا الواقع، فازدحمت المطارات بشكل غير مسبوق.
اعتمدت العقيدة الأمنية لكيان الاحتلال على معطى أساسي، وهو تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار لشعب قليل العدد يواجه أغلبية مناهضة لوجوده، وأدت عملية طوفان الأقصى إلى انكسار أسباب الاستقرار المبنية على الأمن، فبالنسبة للكثيرين لم يعد الكيان آمنا ولا يتوافر فيه عنصر الاستقرار، وبالتالي الازدهار هو مرحلة تالية للأمن الذي لم يعد موجوداً، فضربات المقاومة أصبحت تستهدف كل الأراضي المحتلة، وعدد قتلى وجرحى الكيان في ازدياد متواصل، مع فقدان جيش الاحتلال قدرة الردع، والضعف الذي ظهر فيه.
ويشير الباحث الفلسطيني جورج كرزم في كتابه “الهجرة اليهودية المعاكسة ومستقبل الوجود الكولونيالي في فلسطين” الصادر عام 2018 إلى أن “أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين قد أعلنوا في ظروف سلمية أنهم يفكرون بترك /إسرائيل/، وأن نحو 70% من الإسرائيليين يتوجهون للحصول على جنسية أخرى أو فكروا في ذلك”.
فعملية “طوفان الأقصى”، وتفاقم المشاكل الداخلية ونزيف الهجرة العكسية ذهبت بالكيان نحو الفراغ، فلا استقرار ولا أمن ولا ازدهار يدعو للبقاء، وفي ذلك زيادة لعوامل الانهيار الداخلي لبنية وجوده الأساسية.
العودة الفلسطينية رغم الخطر
يتجاوز عدد النازحين الفلسطينيين في قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع في السابع من أكتوبر تشرين أول، مليونا و700 ألف شخص، من مختلف مناطق القطاع، حسب تقرير صادر عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا يوم الخميس، ويقيم نحو مليون منهم في منشآت الوكالة، ويشكل النازحون من شمال القطاع إلى جنوبه النسبة الكبرى.
وفور سريان الهدنة، تحرك الفلسطينيون النازحون في القطاع وغادروا المدارس والمستشفيات التي نزحوا إليها، محاولين العودة إلى بيوتهم، ولا سيما إلى مدينة غزة والمناطق الشمالية من القطاع، بعد أن نزحوا منها باتجاه الجنوب، رغم أن جيش الاحتلال قد حذر الفلسطينيين من التوجه إلى المناطق الشمالية ومدينة غزة خلال الهدنة المؤقتة، إذ ألقت طائراته منشورات تحذر الناس من مغبة العودة شمالاً، وكتب على هذه المنشورات “الحرب لم تنته بعد” و”العودة إلى الشمال ممنوعة وخطرة جداً”، وعلى الرغم من ذلك شهدت شوارع عدة مدن في غزة حركة نشطة للسيارات والعربات التي تجرها الأحصنة محمّلة بالنازحين وأمتعتهم إذ يصرون على العودة إلى ديارهم.
وفي الوقت الذي توجهت فيه بعض العائلات النازحة بأكملها إلى منازلها، فضّل كثيرٌ من الفلسطينين أن يبقى أفراد الأسرة في مكان النزوح، ويعود فردٌ واحد منهم للمنزل لتفقد الأوضاع. وكذلك العالقون في الجانب المصري يصرون على العودة إلى غزة، رغبة منهم للبقاء مع باقي أفراد أسرهم ولكسر كل محاولات تهجير سكّان القطاع، كما قال بعض منهم، إذ كشفت مصادر فلسطينية ومصرية عن عودة عشرات الفلسطينيين من العالقين في مصر إلى قطاع غزة بناء على رغبتهم، وذلك بعد دخول الهدنة المؤقتة بين الكيان وحركة حماس حيز التنفيذ يوم الجمعة.
وأعلن مندوب السفارة الفلسطينية في معبر رفح كمال الخطيب بدء عودة العالقين الفلسطينيين في مصر إلى القطاع مرة أخرى، مشيرا إلى وجود “920 من العالقين الفلسطينيين في مدينة العريش وأعداد أخرى من العالقين في القاهرة سيتوجهون أيضا إلى غزة يوم السبت”.
إن أصحاب الأرض والحق لا يتركون أرضهم أو حقوقهم، ويدافعون عن وجودهم بدفاعهم عن أرضهم وحقوقهم، وهذا هو عهد الفلسطينيين، وهو ما لا يعرفه الإسرائيلي، فلا الأرض أرضه، ولا حق له في شيء في هذه البقعة الجغرافية التي استُجلب إليها من كل حدب وصوب.
المصدر: الوقت التحليلي