الهدنة في غزة.. آفاقها وانعكاسها على الجبهات الأخرى المشتعلة
العين برس/ تقرير
فاطمة فتوني
كثير من التساؤلات طُرح في الأيام الماضية حول مرحلة الهدنة وما بعدها في قطاع غزة، وخصوصاً أن الاحتلال الإسرائيلي معروف بخرقه القواعد والاتفاقيات، فماذا بعد هذه المرحلة؟ وكيف ستنعكس على الجبهات الأخرى المشتعلة؟
بُعيد التوصل إلى اتفاق على تمديد الهدنة في غزة يومين إضافيين، وفق الشروط السابقة نفسها، بالتنسيق مع قطر ومصر، خرقت قوات الاحتلال الإسرائيلي الهدنة مجدداً، وأطلقت الرصاص في شمالي القطاع، ولا سيما حي الشيخ رضوان.
وعلى الرغم من أنّ الهدنة الموقتة تشمل التزام الاحتلال “بعدم اعتقال أحد أو التعرض له في كل مناطق القطاع وضمان حرية حركة الناس في شارع صلاح الدين”، بحسب ما أعلنت حركة حماس، فقد عمد الاحتلال إلى اعتقال شبان، مهدّداً إياهم بإطلاق النار عليهم.
كثير من التساؤلات طُرح في الأيام الماضية حول مرحلة الهدنة وما بعدها في قطاع غزة، وخصوصاً أن الاحتلال الإسرائيلي معروف بخرقه القواعد والاتفاقيات، فماذا بعد هذه المرحلة؟ وكيف ستنعكس على الجبهات الأخرى المشتعلة؟
هدنة واستعراض إسرائيلي
الإعلام الإسرائيلي تحدث عن مخاوف من الهدنة المعلنة، وذلك بسبب ما وصفه بـ”الخوف من تراجع همة” جنود “إسرائيل” على القتال. لذلك، يحاول الاحتلال الإسرائيلي أن يحافظ على ما تبقى من صورته التي كسرت شمالاً وجنوباً، وفق ما ذكرت التقارير.
وفيما يخص الأيام التي ستلي الهدنة والحاجة الإسرائيلية إليها، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية محمد هلسة للميادين نت إن هناك إشارات عديدة أظهرت الرغبة الإسرائيلية في التمديد حتى قبل البدء بالصفقة، وذلك حين أقرت حكومة الاحتلال الإسرائيلي أسماء ما يقارب 300 من الأسرى الفلسطينيين، وهي خطوة تمهيدية للمرحلة التالية.
“إسرائيل” ستذهب، بحسب المحلل، إلى الخطوات الاستعراضية فقط، أي المواجهة الاستعراضية التي تكون فيها قوة السلاح الجوي أساسية مع بعض الحركات الاستعراضية، بدخول هنا وهناك براً، وذلك بهدف خفض شروط المقاومة فيما يخص ملف الأسرى تحديداً، لأنه سيكون مركز الفعل.
وبحسب هلسة، فإن المرحلة القادمة من هذه المفاوضات ستكون الأكثر مشقة، لأن المقاومة تطالب بثمن أعلى، وهذا ما يسمى بالتفاوض بالنار، وستحاول “إسرائيل” الإيغال بالدم من أجل الضغط على المقاومة.
الهدنة ربما تصمد لأيام قليلة قادمة، بحسب هلسة، “لكن سترافقها فترات متقطعة من إطلاق النار، وسيتدخل الوسطاء الضامنون للهدنة كما تدخلوا في الفترة الماضية”.
وستتدخل الولايات المتحدة، وفقاً له، التي تريد لهذه الحرب أن تنتهي عند هذه النقطة، لأن الضرر بدأ ينعكس عليها، وتحديداً في موضوع الانتخابات، بحسب استطلاعات الرأي الأميركية، وتراجع شعبية الرئيس الأميركي جو بايدن.
وفي هذا الإطار، رأى محلل الميادين للشؤون الفلسطينية عبد الرحمن نصار أنّ احتمال تمديد التهدئة عالٍ مقارنة بالمطلب الأميركي على وجه التحديد والمطلب الإقليمي، لأنهم محرجون أمام الرأي العام العالمي الذي خرج بتظاهرات حاشدة دعماً لفلسطين لأول مرة في التاريخ.
الهدنة حاجة أميركية إسرائيلية وليست رغبة
وأيضاً، وفقاً لهلسة، ظهرت إشارات حول الرغبة الإسرائيلية في تمديد الهدنة من خلال ما ورد على لسان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو، وعلى لسان أكثر من طرف إسرائيلي، إذ أبدوا استعدادهم لتمديد الهدنة إلى أيام أخرى، واشترطوا الإفراج عن 10 أسرى كل يوم.
ومن خلال ما ورد على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن وبعض المسؤولين الأميركيين، فإن التمديد، وفقاً لهلسة، أصبح “حاجة إسرائيلية أميركية، وليس رغبة”.
ورداً على سؤال: هل تقود خطوة تمديد الهدنة إلى هدنة طويلة الأمد؟ قال هلسة في هذا السياق: “أعتقد أن هناك مسارين؛ المسار الأول هو العودة إلى المواجهة بشقها الثاني، أي التوغل أكثر والمجازر، والمسار الآخر هو هدنة مفتوحة يتخللها خرق”.
يشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي وضع 3 أهداف أراد تحقيقها داخل غزة، أهمها “القضاء على حركة حماس”، وهذا ما ظهر من خلال التصريحات الإسرائيلية.
ولكن قراءة المشهد الإسرائيلي الداخلي تحديداً، بحسب الهلسة، لا تشير إلى أن “إسرائيل” قد تذهب إلى هذه المواجهة بمفهومها الشامل، كما حصل في المرحلة الأولى، وذلك لاعتبارات عدة يرتبط جزء منها بالداخل الإسرائيلي وبالجبهة الداخلية الإسرائيلية وتفككها وانصرافها عن الأهداف الكبيرة التي وضعتها “إسرائيل”، واعتقادها وقناعتها بأنه لم يعد بالإمكان تحقيق هذه الأهداف الكبيرة، وفقاً لما قاله الخبير في الشؤون الإسرائيلية.
لذلك، وفقاً له، نرى أن الشعارات الإسرائيلية تغيرت على المستوى الداخلي الإسرائيلي من رفض الهدنة ورفض وقف إطلاق النار ورفض عقد الصفقة إلى المطالبة بالإفراج الفوري عن الأسرى الإسرائيليين.
والجدير ذكره أن هذا الملف أصبح محط اهتمام في الداخل الإسرائيلي. وبحسب المحلل، فإن المستوى السياسي الإسرائيلي ونتنياهو شخصياً سيستثمر هذا الإجماع الداخلي حول هذا الملف ليهرب من الذهاب إلى مواجهة كبيرة يعلم أنه سيفشل فيها، وخصوصاً أن الداخل الإسرائيلي يحمل الكثير من الأعباء الاقتصادية، إضافة إلى حالة الانهيار الداخلي التي يعيشها والخسائر العسكرية البشرية واللوجستية خلال هذه الحرب.
خوف إسرائيلي من الجبهات المشتعلة
في المرحلة الأولى، بحسب هلسة، كانت “إسرائيل” تحظى بغطاء دولي على سلوكها وجرائمها في غزة. اليوم، إذا أرادت أن تذهب إلى المرحلة الثانية، فسيكون هناك انكشاف للغطاء الدولي وانفضاضه عنها، وتحديداً داخل الإدارة الأميركية. وبحسب المحلل، أصبحنا نسمع اليوم أصواتاً أميركية كثيرة تطالب بوقف القتل والجرائم الإسرائيلية.
ومن الأمور التي تمنع الاحتلال وتعوقه أيضاً هو عدم وجود اشتباكات على الحدود شمالي فلسطين المحتلة مع المقاومة الإسلامية في لبنان مع بداية الحرب، وعدم تدخل أي طرف من أطراف المحور، إن كان في اليمن أو العراق، ولم تكن هناك حالة المشاغلة التي تجري من إطلاق صواريخ ومسيرات واحتجاز للسفن الإسرائيلية.
وفي هذا الصدد، قال المحلل إن هناك خوفاً إسرائيلياً من الجبهات والساحات المشتعلة. كل ذلك تأخذه المؤسسة العسكرية بالحسبان وتخاف منه وتخشاه، إضافة إلى الخوف من الاختراق الذي حصل في عملية “طوفان الأقصى”، والذي ما زالت تداعياته مستمرة.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية كشفت تفاصيل جديدة للإخفاق الأمني الإسرائيلي الذي أوضحه “طوفان الأقصى”، وشددت على انهيار وفشل كل التقديرات والمعلومات التي قدمتها الجهات الأمنية الإسرائيلية بأنّ حركة حماس “ليس لديها مصلحة في مواجهة واسعة مقبلة”.
وفيما يخص المصلحة الفلسطينية من تمديد الهدنة، رأى محلل الميادين للشؤون الفلسطينية عبد الرحمن نصار أن تمديد التهدئة هو مصلحة فلسطينية أكثر من كونه مصلحة إسرائيلية، لأن ذلك يجعل جنوده مكشوفين أكثر استخباراتياً. ومن جهة أخرى، تتراجع دافعيتهم للقتال طبعاً.
وأضاف: “عندما تأخروا في العملية البرية، كانت دافعيتهم للقتال تنخفض تدريجياً، فكيف سيكون الحال عندما يكونون في قلب الميدان ومن دون قتال لمدة 10 أيام؟”.
لهذا السبب، بحسب نصار، إن المصلحة الاسرائيلية الوحيدة هي إخراج أكبر عدد من أسراهم، وذلك خوفاً من الضغط الداخلي، فموت الجنود في غزة أهون بكثير من ضغط عائلات الأسرى الإسرائيليين على حكومة نتنياهو.
كيف تنعكس الهدنة على جبهة جنوب لبنان؟
تضاف إلى كل ذلك الجبهة الشمالية مع لبنان، إذ استهدفت المقاومة الإسلامية في لبنان_حزب الله مواقع الاحتلال الإسرائيلي وتحشيداته العسكرية على طول الحدود اللبنانية_الفلسطينية المحتلة. لهذا السبب، هناك تساؤلات عن هذه الجبهة المشتعلة في ظل الهدنة المتفق عليها وانعكاساتها عليها.
ورداً على سؤال: كيف ستنعكس الهدنة على الجبهة في جنوب لبنان؟ قال شارل أبي نادر، محلل الميادين للشؤون العسكرية، إن هناك ارتباطاً مباشراً بين الجبهات، وتحديداً في جنوب لبنان، مضيفاً أن الجبهة في لبنان بالأساس فتحت وتصعدت وتصاعدت وتيرتها انطلاقاً من مناورة الضغط على “إسرائيل” من أجل وقف العدوان على قطاع غزة، وهذا كان أساس فتح الجبهة اللبنانية وتصعيد حزب الله هناك.
ومن خلال الضغط على الاحتلال الإسرائيلي ودعم الفلسطينيين في معركتهم دخلت المقاومة، بحسب أبي نادر، على الخط. لذلك، هذا الارتباط مباشر. وما إن تحصل التهدئة ووقف إطلاق النار أو أي تسوية معينة في غزة، فالجبهة الشمالية، بحسب أبي نادر، ستلتزم بالخط الذي تسير فيه المقاومة الفلسطينية.
وإذا رأت المقاومة اللبنانية، وفقاً للمحلل العسكري، أن هناك خداعاً إسرائيلياً أو تهديدات إسرائيلية تناقض بنود الهدنة، طبعاً سيكون للمقاومة في لبنان مواقف تصعيدية بطبيعة الحال.