الساحات اليمنية تتفجر براكين غضب ضد أعداء القرآن

فيما البعض منشغل بمهرجاناته الموسمية والبعض باستقدام وفود أجنبية في نشاط سياحي للترويج لآثاره، والبعض يحضّر لندوات ومؤتمرات حول البناء السردي لقصيدة التفعيلة أو البُعد الدلالي في اللوحات الفنية لكبار الفنانين التشكيليين العالميين، والبعض يستعد لبطولة دوري الحارات، والبعض لا يزال غارقاً في استهلاك قوَّته ومقدرات بلده في صراع داخلي عبثي مع من يشاركه الأرض والهوية الوطنية، وكل على ليلاه يغني، وحده الشعب اليمني العظيم كان الاستثناء. ليلاه، القومية العربية والإسلامية، والنفير نصرة للمقدسات وتأكيداً على الجاهزية للدفاع عن كرامة وعزة ومقدسات الأمة المنشغلة باهتماماتها العابرة.

{نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُم}، واحدة من القواعد التي يعلمنا إيّاها القرآن الكريم، ومع ذلك يظل البعض الكثير في غفلته، يدورون في حلقات مفرغة، فلا يصلون لشيء ولا يستشعرون حاجة اللحظة لوقفات استثنائية جادة ولقراءة دلالات الإحداث وما تستوجبه من ردود فعل كالجريمة الصهيونية الأمريكية بالإساءة إلى كتاب الله المجيد، لتبقى اهتماماتهم محصورة في مسائل لم تضف لهم منذ عشرات السنين أي شيء. وطالما بقي حالهم على هذه الوضعية الهامشية، لا ثوابت غير قابلة للمساومة لديهم، ولا تحولات تثبت صحة هذه المنهجية يمكنهم الظهور بها على الناس، فإنهم سيبقون كما هم اليوم، الحلقة الأضعف بين الأمم.

عداء صريح للإسلام والمسلمين
الشعب اليمني عندما ثار على ثقافة الخنوع والاستسلام لقوى الشر، أمكن له أن يكون في الموقف الصحيح، وأن يعلن هذا الموقف دون اعتبارات أو حسابات رخيصة تبيع الآخرة بعرَضٍ من الدنيا. لهذا لا يزال هذا الشعب العظيم يثبت حضوره في التفاعل على النحو الذي تقتضيه الأحداث، وخروجه الجمعة في مسيرات “نفير واستنفار.. نصرة للقرآن وفلسطين”، كان شاهداً على حيويته وصحوة ضميره، وعلى إدراكه بأن الخنوع الذي صار سمة العرب والمسلمين، لا يزال يحفّز قوى الضلالة على استهدافهم ومسخ هويتهم. الخروج الهادر كما في كل مرة أكد على أن هذا الشعب قد حمل على عاتقة مسؤولية تمثيل الأمة الغافلة، وتسجيل المواقف الواضحة تجاه مخططات تلك القوى الظلامية.

جاء خروج الجمعة كرد فعل تلقائي على الجريمة الشنعاء التي نفذها واحد من النخبة السياسية الأمريكية حين عمد للإساءة إلى القرآن الكريم برعاية رسمية من الإدارة الأمريكية، وهو الفعل الوقح الذي كشف عن مستوى الاستخفاف بأكثر من ملياري مسلم.

موقف عالي السقف
الجريمة التي تعمد من خلالها الأمريكان استفزاز المسلمين باستهدافهم في أقدس مقدساتهم بتحد سافر لا ينم عن شجاعة بقدر ما يدل على سقوط أخلاقي آخر يكشف عن طبيعة الشخصية الأمريكية الإجرامية. وهو الذي يبقى يتطلب تحرك إسلامي ينتصر للإسلام ورموزه. الأمر مع ذلك لم يغيّر شيئاً في برامج الشعوب الإسلامية. حتى مع خروج المدعو “ترامب” عقب الحدث (الإساءة المشؤوم) ليؤكد صراحة العداء للإسلام محرِّضاً العالم على مواجهته، وخروج عديد من رموز السياسة الأمريكية للمطالبة بالتضييق على المسلمين، لم يلق ذلك من أمة الملياريّ مسلم أي تحرك أو موقف معبر عن الرفض لهذا التمادي في الاستهداف من قِبل المجتمع الغربي الذي يرون فيه رمزية الرقي في القيم والأخلاق. ووحده الشعب اليمني خرج منذ اللحظة الأولى من استعراض ذاك “النكرة” الأمريكي لفعل الإساءة، وشهدت المناطق اليمنية الوقفات الاحتجاجية المسلحة وانعقدت الندوات الأكاديمية واللقاءات العلمائية ناهيك عن مسيرات غضب في نطاق المدن.

لم يتفاجأ اليمنيون بهذه العدوانية، وخروجه جاء للتأكيد على أنه لا يزال وسيبقى على الخط الذي اختاره، والذي لا ينتمي إلى فصيلة التكيّف والتطبيع والصمت وغض الطرف مع كل استهداف أمريكي صهيوني للمقدسات الإسلامية. خط استشعار المسؤولية، والجاهزية والاستعداد للدفاع عن الأمة وعقيدتها. في موقف عالي السقف، لم يقف عند حدود التصريحات أو البيانات أو حتى عند الخروج الصامت الخجول، وإنما أيضاً إرسال الرسائل الحاسمة بأنه لن يفرط مهما كانت التحديات والتضحيات بما عليه من مسؤولية، وإن كان موقف الآخرين هو الخذلان.

خروج في مستوى الحدث
في مسيرات “نفير واستنفار.. نصرة للقرآن وفلسطين”، كانت الساحات تتفجر غضباً على هذا التمادي في استهداف المسلمين، وجاءت الرسائل في مستوى الحدث، بأن كل الضغوط لا يمكن أن تثني هذا الشعب العظيم عن موقفه الطبيعي، فالمقدسات خط أحمر والمساس بها سيلقى الرد المناسب في الوقت المناسب. احتشد الملايين وحمل الكثير المصحف في يد والسلاح في اليد الأخرى. إعلاءً لكتاب الله عزوجل فوق كل طاغية ومستكبر، وإعلاناً لتلقين أعداء الله دروساً تعود بهم قاع الوحل.

إعجاز هذا الثبات اليماني على الموقف الرافض للبلطجة الصهيونية عبر واجهات أمريكية، وهذه القوة في التعبير عن الاستعداد لإيقاف هذه الكائنات عند حدها، يبرز من كون الشعب اليمني عاش لعقد مضى عدواناً عالمياً أكل الأخضر واليابس بكل أشكال العدوان، فيما كان بقية العرب والمسلمين في المربعات الهادئة يواصلون يومياتهم بعيداً عن التوترات وأصوات الانفجارات، مع ذلك يجبُن أولئك عن قول “لا”، والأمريكي يسيء للقرآن الكريم، فيما ينتصب اليمني شامخاً متحدياً لقوى الكفر والضلال.

إرباك لحسابات الصهاينة
في الثوابت، الشعب اليمني لا يساوم، ومهما عظُم شكل وحجم الاستهداف فإنهم يخرجون رافعين الصوت في وجه عَبَدَة الشيطان “هيهات منا الدلة”، هيهات منا القبول بالغطرسة الأمريكية. وتلك الحشود المليونية كفيلة بأن تقف بالمتابعين دائماً على صدقية هذا الشعب في كلمته وموقفه. الأمر جلل ولذلك جاء الخروج المليوني في مستوى الحدث ومستوى الخطر الهادف لضرب المسلمين في دينهم وتدنيس مقدساتهم. والتعرض لكتاب الله لا شك بأنه يستوجب مثل هذا التعبير الهادر وبكل اللهجات.

قد يتظاهر الأمريكي باللامبالاة وهو في الأصل تعبير مفروض عليه الكشف عنه، فالغطرسة لا تزال تعميه عن رؤية الأمور بشكل صحيح، مع ذلك فإن وسائل الإعلام الدولية أبرزت هدير المسيرات وتوقفت عند رسائلها، ما يؤكد مدى تأثيرها ومدى ما تخلقه في نفوس الصهاينة من قلق وإرباك لحسابات المستقبل.

ولو حشد له بلاطجة العالم
حشد ملاييني لم تغب عنه كل الفئات، ولوحة قوامها عزة وكرامة واعتزاز بالدين الإسلامي والقرآن الكريم وبمحمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، فكم سيكون “مكبّ” الحركة الصهيونية بحاجة من الوقت ومن الجهد لمجرد زعزعه هذا الموقف، أما تغييره فليس إلى ذلك من سبيل.

وهكذا حين تكون التحركات نابعة عن قناعة وتسليم، يبدو من السذاجة مجرد التفكير في إمكانية استهداف هذا الموقف إو التأثير عليه، خصوصاً وأن اليمنيين يعون بأنهم في حالة مواجهة مع هؤلاء المنفلتين من آدميتهم، وأن لجوءهم لمثل هذه السلوكيات الرخيصة إنما الغرض منه هزيمة المسلمين ومن ثم توجيههم إلى أي مسار يخدم المشروع الصهيوني بما في ذلك الانفصال عن دينهم وثقافتهم وثوابتهم. تلك الحيوية والاستنفار وأصوات الهتافات التي ملأت فضاء اليمن، ليست استثناء أو حدثاً غير مألوف. وإنما هو استمرار للثورة اليمنية لقطع يد الوصاية على البلد من جهة، ولإثبات أن الغطرسة والاستكبار مصيره المزبلة، وأن ما يخطط له الصهيوني وينفذه الأمريكي لن يمر ولو حشد له بلاطجة العالم.

تقرير | وديع العبسي

 

اشترك وانظم ليصلك آخر الأخبار عبر منصات العين برس على مواقع التواصل الإجتماعي :

واتس أب تيليجرام منصة إكس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *