الإمارات.. من التطبيع إلى التحالف الميداني مع العدو الصهيوني

منذ أن دخلت علاقات الإمارات مع الكيان الإسرائيلي مرحلة العلنية في اتفاقيات “التطبيع” في الثالث عشر من أغسطس 2020، والإمارات لا تدخر جهداً في خدمة الكيان دون خطوط حمراء أو اعتبار لسيادة أو دين أو أخلاق. إعلان الولاء للعدو الإسرائيلي تحت مسمى التطبيع إعلان رسمي لعلاقة كانت تُدار في الخفاء لسنوات طويلة، غير أن هذا الإعلان لم يفتح صفحة جديدة بقدر ما أزاح الستار عن مشروعٍ متكاملٍ جعل من الإمارات بوابة عربية لنفوذ العدو الإسرائيلي في قلب الأمة. فقد غدت الإمارات هي الممول والمنفذ للمخططات الإسرائيلية.

لقد تجاوز الأمر حدود الدبلوماسية إلى تماهٍ تامّ في الرؤية والأهداف، حتى وصف مؤسس مركز “أصدقاء التراث الصهيوني” “مايك إيفانز” محمد بن زايد بأنه أكثر دعماً للكيان الصهيوني من كثير من اليهود.

من اليمن إلى السودان وليبيا وغزة، تمدّدت اليد الإماراتية لتغرس أذرعًا مسلحة تعبث بأمن الأوطان وتخدم أهداف الكيان.

أموالٌ إماراتية تُحوِّل الفوضى إلى أداةٍ جيوسياسية، تنفذ من خلالها الأجندة الإسرائيلية في تفكيك المنطقة العربية، وإغراقها في صراعات داخلية تُبعدها عن مواجهة العدو الحقيقي.

إسناد العدو في زمن الحصار
حين حاصرت القوات المسلحة اليمنية الملاحة الإسرائيلية وأوقفت الملاحة باتجاه ميناء أم الرشراش “إيلات”، كانت الإمارات أول من هرع لنجدة الكيان عبر طريقٍ بريٍّ يمرّ بالسعودية والأردن، على مسافة 2000 كلم، وتسيير أكثر من 300 شاحنة يومياً نحو الأراضي المحتلة.

ومن المهم التساؤل، عن معنى أن يجد الكيان الصهيوني عند أخطر أزمة وجودية يمر بها، في الإمارات أول حليف يهب إلى نجدته بعد الولايات المتحدة الأمريكية! من دون شك الأمر يتجاوز التطبيع، وله جذوره التاريخية التي كشف عنها طوفان الأقصى الذي أماط اللثام عن كثير من الوجوه القبيحة.

طيران الإمارات يغطي عجز العدو
حين أغلقت شركات الطيران العالمية مطارات فلسطين المحتلة بعد الضربات اليمنية، كانت الطائرات الإماراتية وحدها تملأ السماء المحتلة.

بل تحولت الإمارات إلى محطة إسناد جوي، تُقلع منها مئات الرحلات إلى مطار “بن غوريون” ناقلة الركاب والبضائع، في ذروة العدوان على غزة ولبنان، لتؤكد أن جسورها مع الصهاينة لم تُقطع حتى في زمن الدم.

وبلغة البيانات لم يقتصر الدور الإماراتي في إمداد العدو الصهيوني بالغذاء، بل حلّت بديلاّ عن الشركات العالمية التي علّقت رحلاتها إلى مطار “بن غوريون” إثر العمليات العسكرية اليمنية خاصة العملية التي نفذت في الـ4 من مايو الماضي والتي أدت إلى إصابة المطار بشكل مباشر محدثة حفرة كبيرة بعمق (25) متراً، الأمر الذي أدى إلى إحجام شركات الملاحة عن التعامل مع المطار إلا أن الإمارات ملأت الفراغ، متحملة التبعات المادية والمعنوية الكبيرة جراء الإقدام على خطوة مثل هذه في ظل ذروة العدوان على غزة.

عمدت الشركات الإماراتية إلى مضاعفة رحلاتها إلى مطارات العدو في ذات الفترة ولا تزال لتخفف آثار الأزمة على القطاعات الصهيونية المتضررة وتكثّف من عروضها للمسافرين الصهاينة، ففي تلك الفترة علّقت عدة شركات طيران دولية مثل “لوفتهانزا” الألمانية، والخطوط الجوية البريطانية، و”أميركان إيرلاينز” الأمريكية، و”إير فرانس-كيه إل إم” نشاط رحلاتها إلى الكيان الإسرائيلي، بالمقابل، شهدت شركات الطيران الإماراتية “فلاي دبي” و”الاتحاد للطيران” زيادة ملحوظة في أعداد المسافرين عبر مطار “بن غوريون”، حيث سجلت “فلاي دبي” ارتفاعًا بنسبة 49.86% و ”الاتحاد” زيادة بأربعة أضعاف مقارنة بالعام السابق.

وبعد أيام من سقوط الصاروخ اليمني في مطار “بن غوريون” عُلقت لافتة كبيرة، في مدخل مدينة حيفا مكتوب عليها باللغة العبرية “سافروا لأكثر من 100 وجهة عبر أبوظبي” وبالأسفل اسم شركة الطيران الوطنية الإماراتية “الاتحاد للطيران”

في ذات السياق، كشف تقرير رسمي لـ”الكنيست” الإسرائيلي عن زيادة 60.8% في عدد المسافرين عبر “فلاي دبي” بين يناير وسبتمبر 2024، بينما شهدت شركات عالمية مثل “لوفتهانزا” انخفاضات كبيرة تجاوزت 60%. اللافت أن الشركات الإماراتية تفوقت حتى على شركات الطيران الإسرائيلية مثل “إل عال” التي سجلت زيادة بنسبة 15.9%.

التقرير أشار أيضًا إلى ارتفاع ملحوظ في شحن البضائع عبر “فلاي دبي” خلال عام 2024، في مقابل تراجع كبير لأنشطة الشركات الأجنبية، نتيجة توصيات وكالة السلامة الأوروبية للطيران (EASA) بعدم التحليق في المجال الجوي “الإسرائيلي”.

من الجسر البري إلى الجوي
إضافة إلى الممر البري الذي دعمته الإمارات لتفادي الحظر اليمني، فقد فتحت الإمارات جسراً جوياً لإيصال المؤونة إلى الكيان الإسرائيلي في ذروة العدوان على غزة ولبنان. في هذا الصدد نشير إلى تحقيق نشرته مبادرة “تفنيد لتدقيق المعلومات وصحافة البيانات” والتي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، والذي يفيد بأن الإمارات شكلت محطة إسناد جوي للكيان في ظل وقف كثير من دول العالم خطوطها الجوية مع “تل أبيب”.

وقد تحولت الإمارات، وفقًا للإحصائيات، إلى محطة إسناد جوي للكيان على مساري رحلات الركاب والشحن الجوي للبضائع.

وكشف تحليل النشاط الجوي لرحلات الركاب بين الإمارات والكيان استمرار النشاط خلال الحرب بنفس الوتيرة تقريبًا؛ فبلغ إجمالي رحلات الركاب بين الإمارات والكيان عام 2022 نحو 5551 رحلة، انطلقت 2689 رحلة من الإمارات، بينما انطلقت 2862 رحلة من “إسرائيل”، بينما بلغ عدد رحلات الركاب عام 2023 نحو 4892 رحلة، انطلقت من الإمارات 2456 رحلة، وانطلقت من “إسرائيل” 2436 رحلة.

وعلى خلاف باقي الدول العربية، استمر النشاط في 2024 رغم الحرب، إذ بلغت إجمالي الرحلات بين الإمارات والكيان حتى نهاية نوفمبر 4793 رحلة، انطلقت من الإمارات 2293 رحلة، بينما انطلقت من “إسرائيل” 2500 رحلة، جميعها من مطار “بن غوريون”.

ولم يكن استقرار معدل رحلات الركاب هو المشهد الأبرز في تحليل النشاط الجوي، ولكن برز أيضاً أنه رغم ظروف الحرب، فإن شركات الطيران الإسرائيلية خفضت عدد رحلاتها إلى الإمارات، بينما زادت الشركات الإماراتية رحلاتها.

ويظهر تحليل رحلات الطيران بين الإمارات والكيان أن 5 شركات طيران تسيطر على تلك الرحلات وهي: Arkia Israeli Airlines – El Al Israel Airlines – Israir Airlines وهي شركات إسرائيلية، مقابل شركتين إماراتيتين وهما: flydubai – Etihad Airways. وعلى الرغم من ذلك فإن شركة “فلاي دبي” تستحوذ على الحصة الأكبر من عدد الرحلات، خاصة بعد الحرب.

وبحسب سجلات حركة الطيران، بين الطرفين فقد قاما بتفعيل خط إمداد جوي لحركة البضائع عقب اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مباشرة، إذ رصد التحقيق تخصيص 10 رحلات دائمة لنقل البضائع بين الكيان والإمارات.

وبدأت أولى تلك الرحلات في شهر نوفمبر 2023 – بعد اندلاع الحرب مباشرة – وسجلت 16 رحلة بين “تل أبيب” ودبي خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2023، بينما بلغ عدد الرحلات حتى نهاية نوفمبر 2024 نحو 233 رحلة.

وكانت أغلب الرحلات تنقل البضائع إلى الكيان، إذ بلغت الرحلات من دبي إلى “تل أبيب” 149 رحلة، بينما عدد الرحلات العكسية من “تل أبيب” إلى دبي 84 رحلة فقط.

كما كشفت سجلات حركة الطيران أن الإمارات لم تنشء خط إمداد جوي فقط للكيان، ولكنها استطاعت منذ عام 2023 أن تحصل على جزء من كعكة الشحن الجوي الدولي للبضائع من وإلى “إسرائيل”، وتنامى هذا الدور بشكل كبير بعد الحرب.

إذ بتتبع سجل حركة شركة “تشالينج جروب تظهر سجلات الشركة أنها مسؤولة بشكل كبير عن التبادل الجوي للبضائع بين الكيان وعدد كبير من الدول، أبرزها هونغ كونغ والهند، عبر الشركة الأصلية “تشالينج آيرلاينز آي ال”، من خلال رحلات مباشرة بين مطار “بن غوريون” بـ”تل أبيب” ومطار هونغ كونغ الدولي ومطار مومباي الدولي بالهند. بل وتحولت الإمارات إلى محطة وسيطة للرحلات بين هونغ كونغ والهند و”إسرائيل”.

وأظهرت السجلات أن الخط المباشر بين “إسرائيل” وهونغ كونغ عبر الشركة الإسرائيلية “تشالينج آيرلاينز آي ال” استخدمت فيه طائرات من نوع Boeing 747-412F (B744)، وهي طائرات كبيرة ذات تكلفة اقتصادية عالية.

اشتراك في الحرب والهزيمة
وكما شاركت الإمارات في حرب الإبادة على غزة، ونظراً لانخراطها الكامل في الجريمة، فمن الطبيعي أن تشارك العدو الإسرائيلي الهزيمة عقب التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بشروط المقاومة. فمع إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ووقف حرب الإبادة الإسرائيلية التي استمرت أكثر من عامين، كان من المنتظر أن يسود خطاب عربي موحد يُثمّن صمود الشعب الفلسطيني ويُشيد بالجهود التي أنهت الكارثة الإنسانية لكن الإمارات كانت تغرد في السرب الإسرائيلي إذ أن المفارقة جاءت من إعلام الإمارات الذي أطلق موجة غير مسبوقة من الشماتة والتشويه والتحريض ضد المقاومة الفلسطينية، محاولًا قلب الحقائق وتبييض وجه العدو الإسرائيلي في لحظة تاريخية شكلت انتصارًا سياسيًا وإنسانيًا للمقاومة بعد حرب الإبادة.

هكذا كشف طوفان الأقصى عن الوجوه التي كانت تختبئ خلف الأقنعة، وأسقط عن “دولة الرفاه” غطاءها لتبدو كما هي: قاعدة متقدمة لمشروع صهيوني يطوّق الأمة من داخلها.

وهكذا، من السماء إلى البحر، ومن الموانئ إلى الشاشات، تتبدّى الإمارات اليوم كذراع صهيونية تنفذ أجندة العدو بلسانٍ عربيٍّ ومالٍ عربيٍّ وسلاحٍ عربيٍّ موجَّه إلى صدور العرب أنفسهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *