بالأمس، وبالتزامن مع المشهدية الاستثنائية لعملية تسليم المقاومة الفلسطينية أسرى الاحتلال في قطاع غزة، زفّت كتائب الشهيد عز الدين القسام ثلة من المجاهدين الكبار والقادة الأبطال من أعضاء المجلس العسكري العام، وعلى رأسهم قائد هيئة الأركان الشهيد محمد الضيف.
وفي نفس الوقت، أضاءت الحركة في بيانها الذي تلاه الناطق العسكري باسمها أبو عبيدة، على رحلة الجهاد والمقاومة للقائد الشهيد محمد الضيف، والتي إستمرت عدة عقود، رحل أخيرًا القائد شهيدًا في معركة “طوفان الأقصى”، بعد أن قادها وخطّط لها مع إخوانه في المجلس العسكري، تاركًا تاريخًا حافلًا وبصمات حاضرة في المشهد العسكري الفلسطيني.
من خلال متابعة مسيرة الشهيد القائد محمد الضيف، والتي كُشف عن محطاتها الصاخبة المجبولة بالدماء والاعتقال والجهاد والتعب والصبر، ومقارنتها بمسار المواجهة الأخيرة التي خاضها قادة المقاومة الفلسطينية في غزة وكوادرها ومجاهدوها، بعد السابع من أكتوبر الماضي ولمدة ناهزت السنة وثلاثة أشهر، يمكن تلمس مدى تطابق واندماج وانعتاق مسيرة كل فرد من هؤلاء الأبطال مع مسيرة قائدهم وملهمهم ورئيس هيئة الأركان العسكرية لحركتهم الشهيد محمد الضيف.
بالأمس، بدت بصمات محمد الضيف ــ خلال ما ظهر على كل وسائل الإعلام الإقليمية والدولية ــ في عملية تسليم أسرى الاحتلال في غزة، واضحة وضوح الشمس في التنظيم والإدارة والعنفوان وتحدي العدو، وكانت (عملية التسليم) غير بعيدة في تأثيرها المعنوي والعسكري في العدو كما في الصديق، عن عملية “طوفان الأقصى”. كانت مرحلة مخططة ومدروسة مسبقًا من ضمن مراحل عملية “طوفان الأقصى”، حيث كان مقدرًا – وفي رأس ومخطط ودراسة – الشهيد يحيى السنوار ومعاونه العسكري الشهيد ” الضيف ” وأركانه، لأن تصل إلى ما وصلت إليه في مشهدية التبادل وتسليم أسرى الاحتلال مقابل تحرير وإطلاق سراح المئات من المعتقلين الفلسطينيين ومن بينهم أسرى أبطال، محكومين بأحكام مؤبدة بسبب تنفيذهم العديد من عمليات المقاومة ضد الاحتلال.
أيضًا، وفي مشهدية مخططة ومدروسة، تعمّدت المقاومة الفلسطينية تسليم الأسرى “الإسرائيليين” لديها من المناطق التي شهدت أعنف المعارك والنسبة الأعلى من التدمير داخل قطاع غزة، وتحديدًا من جباليا ومخيمها، ومن خان يونس وتحديدًا من أمام منزل الشهيد يحيى السنوار، ولتفرض المقاومة من خلال هذا المشهد، صورة عسكرية وميدانية ومعنوية، لن يمحوها التاريخ من ذاكرته.
اليوم، وبعد هذه المشهدية التي حفرت كثيرًا من الذل والهوان والضعف في وعي العدو، هناك أسئلة كثيرة تطرح حول مدى تقبله هذا الأمر، وهل يوجد ضمانات آمنة لعدم متابعة “إسرائيل” عدوانها على غزة بعد تحرير أسراها وتحررها من قيود وضغوط وجود هؤلاء في أحياء ومنازل وأنفاق غزة، وهل ثمة ارتباط بين هذا العدوان “الإسرائيلي” المحتمل، وبين الطلب الاخير للرئيس الأميركي دونالد ترامب من مصر والاردن بوجوب استقبالهم نازحين فلسطينيين من غزة؟.
بمطلق الأحوال، وبمعزل عن احتمالية تجاوز العدو “الإسرائيلي” مراحل وبنود اتفاق التبادل، ولجوئه من جديد إلى العدوان على غزة، متحررًا من معضلة وجود أسرى له مع المقاومة الفلسطينية، ومتسلحًا بإدارة أميركية تقول في العلن إنها ستوقف الحروب، وفي الخفاء وفعليًا، ترفع الحظر عن تسليم “إسرائيل” قنابل زنة ٢٠٠٠ رطل ذات قدرات تدميرية ضخمة، لا يمكن بعد ما حققه هذا المخاض العنيف الذي شهدته المواجهة بين العدو والمقاومة الفلسطينية بدءًا من “طوفان الأقصى” في ٧ أكتوبر وحتى مشهدية تبادل الأسرى اليوم، مع كل ما حمل من انتصارات للمقاومة رغم التضحيات الجسام، إلا أن تؤسس هذه المشهدية لتغيير جذري وفاصل على مستوى الصراع الإستراتيجي مع الاحتلال وصولاً إلى الإجهاز عليه.
العهد الاخباري: شارل أبي نادر