السعودية تطلب من إيران التوسط لإقناع أنصار الله بالتسوية وفقا لشروط صنعاء
العين برس/ مقالات
كامل المعمري
في تحول مفاجئ وغير مسبوق في السياسة السعودية تجاه اليمن كشف مصدر دبلوماسي رفيع كنت على تواصل به قبل قليل عن طلب المملكة العربية السعودية من إيران التدخل لإقناع حكومة صنعاء (التي تمثل الحوثيين) بالتفاوض على اتفاق ينهي الحرب في اليمن. هذه الخطوة، التي تُعد استدارة لافتة في السياسة السعودية بعد أكثر من عقد من الحرب المكلفة، تعكس اعترافا ضمنيا بعجز الرياض عن تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية في اليمن فبعد سنوات من محاولات استعادة السيطرة عبر أدوات موالية، أصبح الحوثيون لاعبا أساسيا في المعادلة اليمنية والإقليمية، ما دفع السعودية إلى إعادة حساباتها والبحث عن تسوية عبر وساطة إيران.
الأكثر إثارة للانتباه وفقا للمصدر الدبلوماسي هو استعداد السعودية لتنفيذ مطالب صنعاء بالكامل، وهو اعتراف واضح بأن المبادرة لم تعد بيد الرياض أو حلفائها في مجلس القيادة الرئاسي.
صنعاء من جهتها وبحسب المصدر أكدت على أن صرف المرتبات يعد الخطوة الأولى لإبداء الجدية والمصداقية في المفاوضات، وضعت هذا المطلب كشرط أساسي قبل الخوض في أي تفاهمات سياسية أو عسكرية. هذا الموقف يعكس رؤية صنعاء بأن القضايا الإنسانية هي مدخل رئيسي لأي تسوية شاملة، كما أنه اختبار لمدى استعداد الرياض للالتزام بتعهداتها والاعتراف بمسؤولياتها تجاه الشعب اليمني بعد سنوات من العدوان والحصار.
الاستعداد لتنفيذ مطالب صنعاء بالكامل يظهر أن السعودية، في هذا السياق، قد وصلت إلى نقطة اللاعودة. فعلى الرغم من محاولاتها المستمرة لتكثيف الضغط العسكري والاقتصادي، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق الأهداف التي وضعتها لنفسها، بل وجدت نفسها أمام واقع جديد لا يمكن تجاهله: حكومة صنعاء ليست مجرد طرف متمرد بل هي قوة سياسية لها شرعية داخلية ودعم شعبي واسع. هذا الوضع فرض على الرياض التخلي عن آمالها السابقة في فرض الحلول من خلال القوة أو الضغط، وقبول فكرة أن المبادرة لم تعد بيدها.
على مدار السنوات الماضية، كانت السعودية تتعامل مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ومجلس القيادة الرئاسي المدعوم من قبلها كأداة لاستعادة السيطرة على اليمن، ظنا منها أن هذه الأدوات ستكون كافية للقضاء على حركة الحوثيين وتصفية أي مقاومة تهدد هيمنتها في المنطقة.
لكن الواقع كان مغايرا تماما فالحكومة اليمنية التي رعتها السعودية لم تتمكن من تقديم نفسها كبديل حقيقي قادر على تمثيل الشعب اليمني، فيما باتت حكومة صنعاء، التي كانت في البداية مجرد جماعة متمردة، لاعبا أساسيا في المعادلة اليمنية والإقليمية.
اليوم، وبفضل ما حققته من صمود عسكري وتحولات سياسية محورية، باتت حكومة صنعاء قوة سياسية وعسكرية يصعب تجاهلها أو إضعافها هذا التحول يمكن إرجاعه إلى ثلاثة عوامل رئيسية : أولهما قدرتها على فرض معادلات جديدة على الأرض من خلال السيطرة العسكرية على مناطق واسعة من اليمن وثانيهما حضورها العسكري الاخير في معركة طوفان الاقصى المساندة لغزة والتي سجلت فيها صنعاء انتصارا كبيرا على البحرية الامريكية والبريطانية وفرضت معادلة البحر بالقوة حيث فرضت حضرا بحريا شاملا على الكيان لتبرز كقوة اقليمية على مستوى المنطقة لايمكن ابدا تجاوزها اضافة الى ان هذا الحضور الملفت الذي سجلته صنعاء في المعركة البحرية أدى الى تغيير موازين القوى وفككت الشراكة بين الغرب وامريكا في مثل هكذا حروب حيث ابدت دول الغرب رفضها المشاركة في العدوان على اليمن حتى لاتدخل في دائرة الحظر وتتضرر اقتصاديا وهذا يؤكد مدى القدرة التي تمتلكها قوات صنعاء
وثالثهما الدعم الشعبي الكبير الذي نالته حركة انصار الله نتيجة مواقفها كحركة مقاومة وطنية وبهذا الشكل، أصبحت صنعاء تتفاوض من موقع القوة، مما جعل الرياض تعيد حساباتها وتجد نفسها مضطرة للتعامل معها كطرف رئيسي في أي عملية سياسية أو تفاوضية.
طلب الرياض من إيران التدخل ليس مجرد خطوة تكتيكية، بل هو اعتراف ضمني بالهزيمة العسكرية على الأرض.
فعلى الرغم من محاولات السعودية المستمرة لفرض سيطرتها، فإن الوضع العسكري في اليمن يظهر بوضوح أن الحرب لم تنتهِ بالنتائج التي كانت الرياض تطمح إليها.
لقد فشلت الرياض في تحقيق أهدافها الرئيسية، ولم تتمكن من كسر عزيمة الحوثيين أو فرض تسوية تضمن مصالحها في اليمن. ولذا، فإن الضغط السعودي على إيران يأتي كجزء من مسار تصحيحي يحاول استعادة بعض من ماء الوجه في الساحة الدولية، بعد أن بات واضحاً أن السعودية لم تعد هي اللاعب الأوحد في الملف اليمني.
علاوة على ذلك، يأتي هذا التحول في سياق التغيرات الإقليمية الأوسع التي بدأت منذ سنوات، حيث أظهرت السعودية رغبة متزايدة في تقليل التوترات مع إيران والعمل على احتواء النزاع في اليمن عبر الوساطة الإيرانية. هذه العلاقة، التي كانت تشوبها سنوات من التوترات، باتت تتخذ مساراً أكثر براغماتية، فإيران أصبحت اليوم شريكا غير مباشر في أي تسوية سياسية في اليمن كما ان هذا التحول يعبّر عن تحول استراتيجي كبير في السياسة الإقليمية، حيث باتت الرياض تدرك أنه لا يمكن تحقيق استقرار إقليمي في اليمن دون تنسيق مع إيران.
في الوقت نفسه، يظهر هذا التطور التحديات الكبيرة التي يواجهها مجلس القيادة الرئاسي، الذي تم تشكيله بضغط سعودي فالمجلس، الذي يُفترض أن يكون الواجهة السياسية للشرعية اليمنية، لا يتمتع بمصداقية كافية لدى الشعب اليمني، ولا يمثل حلا مقبولا على الصعيد الدولي.
علاوة على ذلك فإن رفض حكومة صنعاء التفاوض مع هذا المجلس يعكس هشاشته السياسية وضعفه كأداة لتمثيل إرادة الشعب اليمني بل إن المجلس نفسه أصبح عبئا على الرياض أكثر من كونه شريكا في تحقيق الحل السياسي.
وهنا يمكن القول بان المجلس الرئاسي، الذي حاولت السعودية من خلاله إعادة تشكيل السلطة السياسية في اليمن، أصبح اليوم نقطة ضعف في المفاوضات بدلا من أن يكون عاملا مساعدا لم يعد بإمكان الرياض أن تفرض هذا الكيان كطرف مفاوض حاسم، خاصة بعد تزايد القبول الدولي بحكومة صنعاء كطرف رئيسي في أي عملية سياسية فالواقع الميداني في اليمن يفرض معادلة جديدة حيث تحولت صنعاء إلى قوة شرعية تمتلك الدعم الداخلي الكبير، بينما أصبح المجلس الرئاسي عبئا على الرياض أكثر من كونه أداة فعالة للتفاوض.
تحت هذه الضغوط المتزايدة، يبدو أن الرياض بدأت تدرك أن استمرار تمسكها بالمجلس الرئاسي قد يؤدي إلى مزيد من التعقيدات لذا، بدأنا نشهد تحركات سعودية تظهر مرونة غير مألوفة، من خلال إعادة النظر في هذا المجلس وتقديم تنازلات لإرضاء حكومة صنعاء. هذه المرونة تعكس إدراك الرياض أنها لا تستطيع أن تفرض حلولها بالوسائل القديمة، وأنه من الضروري تلبية مطالب صنعاء إذا كانت ترغب في التوصل إلى تسوية تخرجها من هذا المستنقع السياسي والعسكري.
إلى جانب ذلك، فإن الموقف العسكري لحكومة صنعاء يعزز موقفها التفاوضي بشكل كبير بفضل انتصاراتها العسكرية المستمرة في مختلف الجبهات،حيث باتت صنعاء تملك أوراق ضغط استراتيجية لا يمكن تجاهلها، وهو ما يفرض على الرياض تقديم تنازلات جوهرية في أي تسوية مقبلة
من الواضح أن هذه المعادلة قد تغيرت بشكل جذري فعندما كان الحوثيون يُنظر إليهم في البداية على أنهم مجرد جماعة متمردة، أصبحوا الآن يمثلون جزءاً أساسياً من الواقع اليمني والإقليمي وفيما يخص السعودية، فإنها لم تعد قادرة على فرض شروطها على الأرض، بل أصبحت مضطرة للقبول بمفاوضات مع الحكومة التي كانت ترفضها في البداية وبالتالي فان هذه الحقيقة تشير إلى تحول استراتيجي بعيد المدى في السياسة السعودية، والتي قد تعيد صياغة العلاقات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط بشكل أوسع.
في الختام يشير هذا التحول الى حقيقة لايمكن للسعودية ان تتجاوزها او تفر منها وهي :
لقد تغيرت موازين القوى في اليمن والمنطقة بشكل جذري وما كان في البداية مجرد صراع داخلي بالنسبة للمملكة أصبح اليوم عدوان بقيادة السعودية على اليمن يتطلب منها تقديم التعويضات جراء عدوانها على اليمن ورفع يدها عن تقديم اي دعم للمرتزقة وحل هذه الجزئية بما يقترحه انصار الله عليها والاعتراف بحكومة صنعاء كطرف رئيسي في المفاوضات فالحوثيون، الذين كانوا يُعتبرون في الماضي مجرد جماعة متمردة، أصبحوا الآن قوة سياسية وعسكرية يصعب تجاهلها
هذا الواقع الجديد يفرض على الرياض اتخاذ خطوات تصحيحية على الصعيدين العسكري والسياسي، مع إدراك أن استقرار اليمن لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال احترام ارادة اليمنيين في تقرير مصير بلادهم
كامل المعمري / صحفي متخصص في الڜأن العسكري
المصدر: عرب جورنال