بعد فوز ترامب .. هل ينجح نتنياهو في توريط أمريكا بمواجهة عسكرية مع إيران ؟
العين برس/ مقالات
كامل المعمري
بعودة دونالد ترامب إلى الرئاسة، يجد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه أمام فرصة استراتيجية، لكنها ليست خالية من المخاطر، بل محفوفة بتحديات وتوازنات دقيقة. نتنياهو، المهووس برسم حدود جديدة في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، يعرف أن تلك الحدود لا يمكنها التشكل من دون تغيير قواعد اللعبة عبر تصعيد كبير مع إيران. لكنّ هذا التصعيد الذي يطمح إليه نتنياهو يأتي في وقت تعرف فيه الولايات المتحدة جيداً أن الوضع يتجاوز الحسابات المعتادة، خصوصاً في ضوء الرد الإيراني الأخير ضد كيان الاحتلال
فقد جاء رد طهران بأكثر من 250 صاروخاً باتجاه إسرائيل، لتصل الرسالة ليس فقط إلى الكيان، بل إلى واشنطن ذاتها. ولقد كانت هذه الضربة الإيرانية مرعبة لدرجة أن الإدارة الأمريكية أبلغت إسرائيل بأنها لن تتمكن من المشاركة في أي رد عسكري مباشر على إيران، مشيرةً إلى قدرتها على تقديم الدعم اللوجستي والدفاعي فقط، دون الدخول في مواجهة مباشرة. السبب يكمن في أن جميع القواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج باتت تحت تهديد الصواريخ الإيرانية، ما يجعل من الصعب على واشنطن المجازفة بمصالحها وحماية قواعدها العسكرية في المنطقة.
هذه الحسابات وضعت نتنياهو في موقف معقد، إذ كان الرد الإسرائيلي الأخير على طهران بتنسيق ودعم لوجستي أمريكي، لكنه تم بغياب التدخل المباشر من واشنطن. ومع ذلك، لا تزال طهران تهدد بأنها سترد بقسوة على هذا العدوان وهو ما يضيف تعقيداً إضافياً في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية
في هذا السياق، تأتي جهود اللوبي الصهيوني في واشنطن كمحرك متجدد للسياسات العدائية تجاه إيران، إذ يسعى جاهداً لترويج رؤية تعتبر طهران تهديداً مباشرا ليس فقط لإسرائيل، بل للولايات المتحدة نفسها.
نتنياهو يدرك أن الوقت المتاح محدود، وأن الفرصة المثالية لتغيير أولويات إدارة ترامب قد لا تكون متاحة مستقبلا، خاصة مع الضغوط الداخلية التي قد تواجهها الإدارة الجديدة. لذلك، يسعى، بمساعدة اللوبي الصهيوني، إلى تضييق الخيارات أمام ترامب ودفعه نحو زاوية واحدة، زاوية المواجهة.
ولعل تصريحات وزير العدل الأمريكي التي اشار فيها إلى وجود تهديدات باغتيال ترامب، في تلميح ضمني عن تورط محتمل لإيران أو جهات موالية لها في هذا السيناريو تؤكد انها تاتي في سياق الأحداث، أكثر من مجرد تحذير عابر؛ بل إنها تحمل أبعادا سياسية قد تكون مدفوعة من قوى مؤيدة لإسرائيل، تهدف إلى تصعيد الخلافات بين الولايات المتحدة وإيران وتكثيف الضغوط السياسية والأمنية على الإدارة الأمريكية.
ومع ذلك، فإن هذه الرؤية والتصعيد الذي يطمح اليه نتنياهو تتقاطع مع أولويات أخرى تواجهها الإدارة الأمريكية، وسط أزمات داخلية ملحة كالتصدع الاجتماعي والاقتصادي، فضلاً عن تحديات خارجية مثل الحرب في اوكرانيا والتوترات مع الصين.
أما إيران، فهي ليست غافلة عن هذه اللحظة الحساسة. ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فإن طهران تدرك أن المخاطر قائمة، وأن عودة الرجل الذي ألغى الاتفاق النووي وفرض “العقوبات القصوى” قد تكون مقدمة لمزيد من التوترات. لكنها، بقدراتها وخبرتها في إدارة الأزمات، تسعى لتعزيز توازنها الاستراتيجي عبر توسيع علاقاتها مع القوى الدولية الأخرى كالاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، لتأمين دعم دولي قد يكون ضرورياً لمواجهة أي تصعيد عسكري.
إن تحرك نتنياهو لتوسيع دائرة المواجهة العسكرية مع إيران عبر إشراك واشنطن بشكل أكبر في الصراع هو خطوة استراتيجية تهدف إلى تحقيق أهداف إسرائيل الأمنية والوجودية في المنطقة. وفي حين أن طهران تعد ردها القاسي على العدوان الإسرائيلي، يظل السؤال قائما حول مدى قدرة الولايات المتحدة على تحقيق توازن بين مصالحها في المنطقة وبين دعم حليفها الإسرائيلي في مواجهة طهران
علاوة على ذلك يهدف نتنياهو إلى إضعاف إيران إلى أقصى حد ممكن من خلال تنسيق الهجمات العسكرية المباشرة التي قد تتطلب، في نظره، مشاركة الولايات المتحدة ومع ادراكه أن هذا السيناريو قد يؤدي إلى تغيير المعادلة الإقليمية بشكل جذري، حيث تسعى إسرائيل إلى تقويض قدرات إيران العسكرية والاقتصادية بشكل دائم. من خلال إشراك الولايات المتحدة في هذا الصراع، يأمل نتنياهو في خلق ظروف تتيح لإسرائيل فرصا أكبر لضرب العمق الإيراني، لكن يبقى السؤال هل ستتمكن إسرائيل بدفعها المستمر وتصعيدها المتواصل من توريط الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، رغم الحسابات الدقيقة لواشنطن، ومخاوفها من زعزعة استقرار قواعدها ومصالحها في المنطقة؟ أم أن توازنات الواقع وتعقيدات المصالح ستجعل من الصعب تحقيق هذه الرؤية دون كلفة باهظة على الجميع ؟
المصدر: عرب جورنال