خطاب السيد الحوثي في العام الأول من الطوفان.. رسائل عابرة للحدود
العين برس/ مقالات
كامل المعمري
إن الكلمة التي ألقاها السيد عبد الملك الحوثي اليوم تتجاوز حدود الخطاب التقليدي لتصل إلى مرتبة الحدث التاريخي الذي يستنهض الهمم ويوقظ العقول. فهي ليست مجرد كلمات تُلقى على مسامع جمهور، بل هي دعوة صادقة إلى الوعي والمقاومة، تحمل في طياتها معاني عميقة تلامس وجدان الأمة. في هذه الكلمة، استعاد السيد عبد الملك الحوثي اللحظة التاريخية للسابع من أكتوبر، موضحا أهميتها كرمز لإعادة إحياء القضية الفلسطينية في ضمير الأمة.
لقد استحضر من خلالها مشاعر الفخر والعزة، مُذكرا بأن هذا اليوم يمثل نقطة تحول أساسية في مسار المقاومة ضد الاحتلال السابع من أكتوبر كان محورا رئيسيا في خطاب السيد عبد الملك الحوثي، حيث اعتبره لحظة تحول تاريخية في الصراع مع الكيان الصهيوني. هذه العملية، التي حملت اسم “طوفان الأقصى”، لم تكن مجرد حدث عسكري، بل هي إعادة صياغة لمسار القضية الفلسطينية وإعادتها إلى صدارة الاهتمام العربي والإسلامي والعالمي مؤكدا أن هذا اليوم يمثل نقلة نوعية في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها على توجيه ضربات موجعة لجيش الاحتلال، وعلى تحدي هيمنته العسكرية، ما كشف نقاط ضعفه أمام العالم.
السيد عبد الملك الحوثي وصف السابع من أكتوبر بأنه يوم مفصلي في مسار القضية الفلسطينية، ليس فقط من حيث النتائج الميدانية، بل من حيث المعاني الرمزية التي يحملها. فالعملية مثلت رسالة واضحة أن المقاومة ما زالت قادرة على فرض واقع جديد، وأنها تمتلك القدرة على المبادرة والتصعيد في وجه الاحتلال مؤكدا ان هذا اليوم أسقط كل الرهانات على التطبيع أو التواطؤ مع إسرائيل، وأكد أن المقاومة هي الخيار الوحيد لاستعادة الحقوق وتحقيق النصر.
بل كان هذا اليوم بمثابة رسالة تحذير للعدو، بأنه مهما بلغت قوته العسكرية، فإن إرادة الشعوب المقاومة لا يمكن أن تُقهر.
كما أن عملية “طوفان الأقصى” لم تكن مجرد هجوم عسكري، بل كانت بمثابة استنهاض للهمم وإعادة للتوجيه نحو الجهاد. من خلال هذه العملية، يرى السيد الحوثي أن الأمة قد عادت إلى دائرة الاشتباك والمواجهة مع العدو، مما يدل على تغييرات في الوعي الجماعي للمسلمين.
مثل خطاب السيد الحوثي تجسيدا للمعاناة المشتركة، حيث ركز على الأبعاد الروحية والسياسية للصراع، مؤكدا أن القضية الفلسطينية ليست مجرد مسألة جغرافية أو سياسية، بل هي قضيّة وجود تتطلب من الجميع التكاتف والتضحية مشيرا كيف أن السابع من أكتوبر يعكس إرادة الشعوب في استعادة حقوقها المسلوبة، وهو بمثابة دعوة صريحة للتمسك بالمبادئ الإسلامية السامية.
تجلى في كلمات السيد عبد الملك الحوثي العمق التاريخي للفكر الإسلامي، حيث ربط بين الماضي والحاضر، مؤكدا أن الأمة قادرة على تجاوز الأزمات إذا ما تحركت بالإرادة والعزيمة وفقا لتوجيهات الإلهية كما لم يغفل السيد الحوثي الأبعاد النفسية والاجتماعية للواقع العربي والإسلامي، إذ دعى إلى ضرورة العلاج الروحي والمعنوي لمشاعر الإحباط والضعف التي تُعاني منها الشعوب. لقد كانت كلماته مُعززة للإرادة، مُشجعة على الوحدة والتضامن، وفيها دعوة إلى النهوض لمواجهة التحديات بقلوب مؤمنة ونفوس طامحة إلى الحرية.
إن ما قاله السيد عبد الملك الحوثي اليوم هو أكثر من مجرد خطاب؛ إنه رؤية شاملة تتطلب من كل فرد في الأمة العمل بها ونشرها. فالكلمات التي ألقاها ليست مجرد تعبير عن واقع مرير، بل هي دعوة للايمان بالله والتوكل عليه والثقة به وبنصره .
هذه الكلمة التاريخية للسيد عبد الملك الحوثي في ذكرى السابع من أكتوبر “طوفان الأقصى” حملت معها العديد من الرسائل المعقدة والمترابطة التي تستهدف مختلف الفئات في الأمة الإسلامية، وتتناول الواقع السياسي والعملي للمقاومة الفلسطينية.
وذلك بطرح القضية الفلسطينية في صلب الاهتمام، مؤكدا على ضرورة استعادة الوعي الجمعي للأمة تجاه هذه القضية المركزية وأهمية فلسطين كجزء لا يتجزأ من الهوية الإسلامية، مما يستدعي تحركا جماعيا نحو تحريرها.
تمثل فكرة زوال الكيان الصهيوني أحد النقاط الجوهرية في الكلمة، حيث يعبر السيد الحوثي عن إيمانه الراسخ بأن الاحتلال لن يدوم مستندا بذلك على القران الكريم هذا الإيمان يمثل عنصرا نفسيا مهما يعزز من روح المقاومة ويحفز الشعوب على الاستمرار في مسار المقاومة تظهر جبهات الإسناد، كما يصفها الحوثي، نموذجا للتضامن المستمر بين الفصائل المقاومة، مما يعكس فهما عميقا لمتطلبات المرحلة الحالية من الصراع.
وان من بركات طوفان الاقصى وجود هذه الجبهات الثابتة
عندما يشير الحوثي إلى أن جبهات الإسناد في اليمن والعراق ولبنان قد تشكلت كحدث لم يكن موجودًا منذ 75 عاما، فإن ذلك يتضمن دلالات استراتيجية عميقة. فهو يُشير إلى أن هذه الجبهات تأتي في وقت يزداد فيه التحدي من قبل الأعداء، مما يتطلب تنسيقا متزايدا بين مختلف الفصائل والمقاومات فالتعاون بين جبهات الإسناد يمثل قوة دافعة لتعزيز الجهود العسكرية والسياسية، وهو ما يعكس قدرة هذه الفصائل على التكيف مع الظروف المتغيرة في المنطقة.
تتسم تصريحات السيد عبد الملك الحوثي بوضوح الرؤية وعمق التحليل، حيث يعرض رؤية شاملة لطبيعة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وتأثيره على المنطقة. تتضح في كلماته ملامح خطاب يتسم بالعزيمة والثقة، إذ يبرز تأكيده على حتمية زوال الكيان الإسرائيلي، مما يعكس إيمانا راسخا بقدرة المقاومة على الانتصار رغم كل التحديات.
يُبرز السيد الحوثي العديد من النقاط المهمة حول كيفية سعي الأعداء لإعادة تشكيل البيئة السياسية الإقليمية والدولية بما يخدم أهداف “إسرائيل” ويعزز من نفوذها.
أولا، يتحدث السيد الحوثي عن جهود الأعداء لإعادة هيكلة التحالفات الدولية لتعزيز علاقات “إسرائيل” مع القوى العالمية الكبرى.
هذا التحليل يعكس مدى وعي السيد الحوثي وتنبيهه بتغيرات المشهد الجيوسياسي وكيف أن “إسرائيل” تسعى إلى استخدام علاقاتها الدولية لتعزيز وجودها واستراتيجيتها في المنطقة. هذه الرؤية تشير إلى أهمية الفهم الشامل لعلاقة “إسرائيل” مع القوى الكبرى وتأثيرها على الصراعات الإقليمية، مما يعكس أبعادًا أعمق للصراع تتجاوز الحدود الإقليمية.
ثانيا، يشير الحوثي إلى محاولة الأعداء لإعادة تعريف قواعد الاشتباك بما يسمح للعدو الإسرائيلي بتوجيه ضربات مؤلمة إلى الدول العربية والإسلامية دون الحاجة إلى شن حرب كاملة. هذا المفهوم يدعو من خلاله السيد الحوثي الى التفكير ومعرفة كيفية استخدام الأساليب غير التقليدية للحرب، حيث يرى أن “إسرائيل” تسعى إلى فرض هيمنتها من خلال عمليات دقيقة ومباشرة تترك آثارا مدمرة، مما يجعل من الضروري تطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة هذه التهديدات.
كما يسلط السيد الحوثي الضوء على السيطرة التي تسعى “إسرائيل” للقيام بها على بعض الأنظمة العربية، وتجند جيوشها لصالحها هذه النقطة تُظهر أن بعض الأنظمة العربية قد فقدت استقلاليتها، وأصبحت أدوات في يد القوى الغربية و”إسرائيل”.
بالإضافة إلى ذلك، يربط السيد الحوثي بين هذه السياسات والتغيرات في موازين القوى في المنطقة، حيث يعتبر أن القضاء على حركات المقاومة الفلسطينية في غزة ومشروع الدولة الفلسطينية هو جزء من خطة الأعداء لتعزيز سيطرتهم هذا التحليل يتناول أهمية دعم المقاومة كجزء من الهوية الوطنية والقومية، ويعبر عن الإيمان بقدرة هذه الحركات على مواجهة الاحتلال بالرغم من التحديات.
فيما يتعلق بالسعودية، يشير السيد الحوثي إلى استمرار المملكة في مغازلة “إسرائيل” على الرغم من العدوان المستمر في غزة، مما يعكس انعدام المصداقية في مواقف بعض الأنظمة العربية. يعتبر الحوثي هذا التوجه مؤشرا على ترسيخ العلاقات بين هذه الأنظمة و”إسرائيل”، مما يتطلب من الشعوب العربية أن تكون أكثر وعيا لمواقف حكوماتها.
في كلمته، يُبرز السيد الحوثي موقف المطبعين والمتخاذلين،مما يحدث في غزة ولبنان مشددا على أن مصيرهم هو الخسارة المحققة هذا التحذير لا يأتي كإجراء سطحي، بل يعكس يقينه العميق بأن الذين يختارون الخيانة والتطبيع مع العدو الإسرائيلي سيواجهون عواقب وخيمة في المستقبل. معتبرا أن هذه الخسارة ليست مجرد مسألة سياسية، بل هي عقاب إلهي ينزل بمن يتجاهل قضايا الأمة ويغض الطرف عن دماء الشهداء وأصوات المظلومين.
كما يتناول الحوثي دور بعض الأنظمة العربية، مشيرا إلى أنها تلعب دورا شبيها بجماعات الضغط التي تسعى لإضعاف المقاومة الفلسطينية. يرى الحوثي أن هذه الأنظمة، بدلا من أن تكون في صف المقاومة، تضع العراقيل أمام جهودها، مما يعكس تواطؤها مع العدو.
في كلمته بمناسبة السابع من أكتوبر، أظهر السيد الحوثي بوضوح عالمية الخطاب الذي يتبناه، مؤكدا على أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية محلية، بل هي قضية إنسانية تهم كل حر في هذا العالم.
لقد استند الحوثي في خطابه إلى جذور تاريخية عميقة، مؤكدا على أن كل مقاوم يحمل في قلبه هموم فلسطين، مما يبرز الارتباط الوثيق بين القضايا الوطنية والقضايا الإنسانية الشاملة.
لقد تناول الحوثي في كلمته قضايا مشتركة تتجاوز الحدود الجغرافية، منددا بالسياسات الاستعمارية التي تنتهك حقوق الشعوب. من خلال استحضاره لرمزية الأقصى، أكد الحوثي أن كل مقاوم لا يناضل فقط من أجل أرضه، بل من أجل العدالة والحرية التي يستحقها كل إنسان، سواء كان في فلسطين أو في أي مكان آخر في العالم.
خطابه يعكس أيضا ضرورة الوحدة بين الشعوب، داعيا إلى تضامن دولي ضد قوى الهيمنة، مما يخلق جبهة موحدة لمواجهة الاستبداد. تأكيده على المقاومة كخيار شامل يجسد الرغبة في إنهاء الظلم، ويحفز الأحرار في جميع أنحاء العالم للانخراط في كفاحهم من أجل تحقيق العدالة.
إن عالمية خطاب السيد الحوثي ليست مجرد كلمات، بل هي دعوة صادقة للتلاحم بين كل الذين يؤمنون بحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
لقد رسخ السيد الحوثي في كلمته مفاهيم الكرامة والعزة، مذكرا بأن الجهاد من أجل فلسطين هو نضال من أجل كل القضايا العادلة. هذا هو الخطاب الذي يسعى إلى حشد الجهود وتوحيد الرؤى، مُثبتا أن الأقصى وفلسطين هما رمزان للحرية في وجه الظلم.
هذه الكلمة التاريخية هي ليست فقط وثيقة يجب أن تُسجل في ذاكرة الأمة، بل هي مشروع نهضوي يتطلب من كل الإعلاميين والكتاب والمثقفين أن يكرسوا جهودهم لنقلها إلى العالم بأسره.
رسالة السيد عبد الملك الحوثي ليست مجرد خطاب داخلي، بل هي نداء عالمي للحرية والعدالة، يتطلب أن يُترجم إلى كل لغات العالم ويصل إلى كل أذن صاغية، ليكشف للعالم الحقيقة ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم الأخلاقية والإنسانية.
في النهاية، ما قدمه السيد عبد الملك الحوثي في هذه الكلمة هو رؤية متكاملة للأمة، تتجاوز حدود اللحظة، وتستشرف مستقبلاً مشرقا، إذا ما تمسكنا بالقيم والمبادئ التي أرساها. إنها كلمة تتطلب منا جميعا جهدا استثنائيا لنقلها وتحقيق رؤيتها على أرض الواقع، لأن ما جاء فيها هو نور وهدى لمن يريدون النجاة في هذا الزمن العصيب.
– صحفي متخصص في الشأن العسكري
المصدر: عرب جورنال