بعد 23 عاماً من “الحرب على الإرهاب”.. أين هي أمريكا اليوم؟
العين برس/ تقرير
أحمد فرحات
شكلت أحداث (11 أيلول 2001) منعطفاً بارزاً في التاريخ الحديث، نظراً لارتداداته على صعيد العلاقات الدولية، وعلى أقطاب النظام الدولي الحديث الذي تأسس بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتشار العولمة. قبل (23 عاماً) كشف النسر الأمريكي عن مخالبه، وراح يبحث عن فريسة له في الساحة الدولية، انتقاماً لهيبته التي ضربت بعد تفجير برجي التجارة الدولية، واستهداف وزارة الحرب واماكن أخرى. يومها قسّم الرئيس الاسبق جورج بوش العالم بين محورين (خير وشر)، وعلى قاعدة من ليس معنا فهو ضدنا، ودخل العالم في مرحلة “العصر الأمريكي”، من بوابة ما أطلق عليه “الحرب على الإرهاب”.
حشدت الولايات المتحدة خلفها (51) دولة من بينهم دول حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وبدأت الحرب على افغانستان في (7 تشرين الأول / 2001). وفي (تشرين الثاني/ نوفمبر 2001) دخلت قوات الغزو إلى كابول وانسحبت منها حركة طالبان.
مرت (20 عاماً) على أفغانستان، سنوات عجاف، عانى منها الشعب الأفغاني الويلات، من مآسي الحروب والنزوح والقتل والتشريد، حيث بلغ عدد ضحايا الشعب الأفغاني نحو ربع مليون شخص، عدا مئات آلاف الجرحى والمعوقين، إن كان بنيران أمريكية، أو بسبب الفوضى الأمنية التي خلفها الغزو.
وبالنسبة إلى الخسائر الأمريكية، فقد انفقت الولايات المتحدة أكثر تريليوني دولار على مدى 20 عاماً من الحرب، ومقتل (3609) جنود من قوات التحالف، بينهم (2465) أمريكيا.
وفي ختام هذه الحرب، فشلت الولايات المتحدة في حسم المعركة لصالحها سياسياً، بالإتيان بنظام حليف لها في منطقة تعبر استراتيجية في العالم، نظراً لتوسطها أعداء الولايات المتحدة (الصين، روسيا وايران)، كما وقعت في نهاية المطاف اتفاقية مع عدوها وهو حركة طالبان في (شباط / فبراير 2020)، وافقت بموجبها على سحب جميع القوات الأجنبية، مقابل التزام طالبان بعدم السماح لتنظيم القاعدة أو أي جماعة أخرى بالعمل انطلاقاً من المناطق التي تسيطر عليها، لتعود حركة طالبان إلى الحكم مرة جديدة.
وبهذه الطريقة انتهت أحد فصول ما قيل إنها “حرب على الإرهاب” بشقها الأفغاني.
الحرب على العراق ونظرية “الدومينو”
فتحت التطورات الأفغانية التي كانت تجري لصالح الغرب في أفغانستان عام (2003)، شهية أمريكا إلى غزو المنطقة العربية، وقررت الدخول إليها من البوابة الخلفية وهي العراق، وفي حسابتها أن اسقاط نظام صدام حسين، سيؤدي إلى اخضاع دول المنطقة وفي مقدمتها سوريا، وفق نظرية “الدومينو”.
وتقوم هذه النظرية وفق رؤية مفادها أن اسقاط صدام حسين، يليها اسقاط الدولة السورية، ومن ثم الاتيان بنظام حكم موالي للولايات المتحدة في لبنان، ومن ثم القضاء على المقاومة وبالتالي تأمين الحماية المطلقة للكيان الإسرائيلي، بالإضافة إلى السيطرة على النفظ العراقي.
وفق هذه الرؤية بجناحيها (النفط واسرائيل)، غزت الولايات المتحدة العراق، في (آذار / مارس 2003)، لتدخل البلاد رسمياً في العصر الامريكي في نيسان من العام نفسه، ولتبدأ الضغوط على سوريا والتي قادها آنذاك وزير الخارجية الأمريكية كولن باول، لانتزاع تنازلات تتعلق بفك الارتباط مع المقاومة في لبنان.
لكن الصمود السوري من جهة، وصمود المقاومة في لبنان (عدوان تموز 2006)، وتصاعد عمليات المقاومة العراقية، أدى إلى افشال هذا المخطط، وبالتالي إلى انسحاب الولايات المتحدة من العراق عام (2011)، بعد مقتل نحو (440) جندي أمريكي، وكما أفغانستان، جرت الولايات المتحدة الويلات على العراق وشعبها، وكان أحد النتائج المباشرة للغزو ظهور الارهاب في البلاد ونموه وازدياد وحشيته.
وفي نتائج الحرب على العراق، فإن الولايات المتحدة لم تحقق نصراً عسكرياً ولم تنجز أياً من أهدافها الاستراتيجية في إعادة تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة، وحماية الكيان الإسرائيلي، كما أظهرت تلك الحرب افتقار الولايات المتحدة إلى القيادة السياسية للعالم واستخدام القوة كأداة في العلاقات الدولية.
الخسائر الأمريكية في الحرب على الارهاب
الولايات المتحدة اليوم
انعكست تداعيات تلك الحربين (افغانستان والعراق)، انتكاسة للسياسة الأمريكية الدولية القائمة على العسكرة، وبالتالي تسعى اليوم إلى إعادة ترتيب الأوضاع في العالم على أساس الدبلوماسية والمراوغة.
كما انعكس هذا التراجع الأمريكي انكفاء لادوار دول أوروبية عدة في أكثر من منطقة جغرافية، وهذا ما بدا واضحاً هذا العام في سلسلة الانسحابات الأمريكية من دول أفريقية عدة أبرزها في النيجر وتشاد، بالتزامن مع تراجع الدور الفرنسي في دول الساحل (مالي، السنغال، ..)، لصالح روسيا ومن خلفها الصين.
كما أدى هذا التراجع الأمريكي إلى تقدم روسيا في أوروبا الشرقية، وإعادة تشكيل الخريطة السياسية هناك، بعد سيطرتها على 5 اقاليم كانت ضمن حدود السلطة الأوكرانية في كييف (القرم، لوغانسك، دونيتسك، زاباروجيا، خيرسون).
ومن خلال السلوك الأمريكي، فهي تعمل على ضرب خصومها بالوكالة، ففي الحالة الاوكرانية، فقد دفعت بنظام كييف إلى مواجهة روسيا، بما يشبه الحرب بالوكالة.
وفي منطقة الشرق الأوسط، تعمد الولايات المتحدة إلى إعادة رسم الخارطة فيها من خلال الكيان الإسرائيلي، الذي يشن عدواناً على قطاع غزة، في حرب تعد من أطول الحروب خلال الـ 50 سنة الماضية.
وتريد الولايات المتحدة من خلال هذه الحرب، بناء نظام إقليمي جديد، يدفع بمسار التطبيع بين تل أبيب ودول عربية إلى الأمام، ودمج الكيان في المنظومة الإقليمية، مع التركيز على الأبعاد الاقتصادية، بما في ذلك الممر الاقتصادي من نيودلهي عبر دول المنطقة إلى أوروبا لمنافسة خطوط الإمداد أو سلاسل التوريد الصينية، وهو ما يضمن للولايات المتحدة إدامة الانفراد بالسيطرة على المنطقة وإبقائها تحت جناحها، عبر عدد من الوكلاء الإقليميين، وبحيث تكون “إسرائيل” حجر الزاوية والمركز في هذا النظام الإقليمي المنوي تشكيله.
لكن هذه الأهداف الأمريكية الاستراتيجية دونها العديد من العقبات، وأولها صعوبة بل استحالة هزيمة المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة في المنطقة، وأيضاً صعوبة تأسيس نظام سياسي في قطاع غزة متعاون مع الاحتلال.
وبالتالي فإن الولايات المتحدة أمام اخفاق جديد في الشرق الأوسط، في البوابة الغربية هذه المرة (غزة) بعدما فشلت في الشرقية منها (العراق)، فهي تبحث اليوم عن وضع حد للحرب على غزة، يتماهى مع رؤيتها السياسية للصراع في فلسطين (حل الدولتين دون حركات المقاومة).
غير أن الولايات المتحدة عجرت عن انتزاع تنازلات سياسية وعسكرية من حركة حماس رغم الضغوط التي تمارس عليها، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية أمام مسار جديد من التراجع، لن يكون بتداعياته ونتائجه أقل سوءاً عليها من غزو أفغانستان والعراق.
المصدر: موقع المنار