المبادئ والقيم الإيمانية التي حملها الإمام علي
وهو يحمل كل تلك المبادئ والقيم الإيمانية على أرقى مستوى، تحدث عنها القرآن الكريم عن إخلاصه العظيم لله في كل أعماله، في كل توجهاته، في كل مواقفه، عن إخلاصه العظيم لله وهو يجاهد في سبيل الله، عندما قال الله “جلَّ شأنه” في القرآن الكريم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}[البقرة: من الآية207]،
كان أول وأكبر وأهم مصاديق هذه الآية من المسلمين، من أتباع رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، هو أمير المؤمنين عليٌّ “عليه السلام”، فيشهد له القرآن أنه باع نفسه في سبيل الله ابتغاء مرضات الله، يشهد له بإخلاصه الصادق، بإخلاصه التام، لا يبتغي إلا مرضات الله “جلَّ شأنه”.
شهد له في إخلاصه في مقام البذل، والعطاء، والسخاء، في قصة أولئك (اليتيم، والمسكين، والأسير) في سورة الإنسان، في إطعامهم، في إيثارهم حتى بطعامه وهو صائم، وهو جائع، {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}[الإنسان: الآية9]، ومن أهم أعمدة الإيمان، من أهم ما في الإيمان، هو: الإخلاص الصادق لله “سبحانه وتعالى”، الذي يجعل الإنسان يعمل كل ما يعمل، ويقف في كل مواقفه من أجل الله “سبحانه وتعالى”، ليس له مقصدٌ آخر، ليس له مطلبٌ آخر، ليس له أهداف، وأطماع، وأهواء، ورغبات أخرى، يعمل شيئاً من أجلها، لا سلطة، ولا هوى النفس، ولا أطماع مادية، ولا حتى المكاسب المعنوية، التي تتعلق بالصيت لدى الناس، والسمعة لدى المجتمع، {لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}.
وهكذا يقدِّمه القرآن برحمته العجيبة، في اهتمامه الكبير بأمر الناس في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة: من الآية55]، وهو يتصدَّق بخاتمه وهو راكعٌ لذلك السائل الذي دخل مسجد رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” يسأل الناس فلم يعطه أحدٌ شيئاً، فيشير إليه بخاتمه وهو في الصلاة، والصلاة بالنسبة لعليٍّ أعظم مقامٍ بين يدي الله “سبحانه وتعالى”، يتوجه إليه بكل قلبه، ومشاعره، ووجدانه، يعظِّم أمر الصلاة، يقيم الصلاة، ولكنه مع ذلك لا يفقد اهتمامه بأمر الناس، بأمر المستضعفين، بأمر المحتاجين، حتى في ذلك المقام المهم.
في علاقته بالله “سبحانه وتعالى”، في عمقها الوجداني، وفي جانبٍ من أهم جوانبها، يتحدث الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” بما يبيِّن لنا عن أعماق عليّ بشكل قاطع؛ لأن الذي يخبرنا هو الرسول، وهو يخبر عن الله، عن الله “سبحانه وتعالى” عالم الغيب والشهادة، العليم بذات الصدور.
في وقعة خيبر عندما قال رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله))، إنه هنا يتحدث عن إيمان عليٍّ في عمقه النفسي والوجداني، في جانبٍ من أهم الجوانب الإيمانية، التي يبنى عليها الإيمان، ويقوم عليها الإيمان، وهو المحبة لله ورسوله، المحبة الصادقة التي كانت قد ملأت قلب عليٍّ، ووجدان عليّ، وهكذا قُدِّم لنا عليٌّ في القرآن، وفيما قاله رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، قُدِّم لنا أيضاً بباطنه في عمقه الإيماني، حتى بما في سريرة نفسه، بما أخبر الله عنه: عن حبه لله ورسوله، عن حبه لعباد الله، عن رحمته بعباد الله، عن إخلاصه لله، عن كماله الإيماني، عن صدقه في إيمانه، عن تفانيه في إيمانه، وقُدِّم لنا أيضاً في واقعه العملي، وفي كماله بالمؤهلات العظيمة، في ارتباطه الوثيق بالقرآن، هدايةً، ومعرفةً، وعملاً، اهتداءً، والتزاماً عملياً، وتمسكاً صادقاً، لا يحيد عنه ولا يميل أبداً، في معرفته بالحق، في هدايته إلى الحق، في تمسُّكه الدائم بالحق في كل الأحوال، في كل المواقف، في كل الظروف لا يحيد عنه ولا يميل، في علمه، ونوره، ووعيه، وبصيرته، ويقينه الذي بلغ فيه مرتبةً عالية، هو القائل: ((ما شككت في الحق منذ أُرِيتُه))، لم يتطرق إليه الشك في لحظةٍ واحدة، وهكذا في مختلف الجوانب، ثم في منزلته الرفيعة عند الله “سبحانه وتعالى”.
في حديث الراية: ((ويحبه الله ورسوله))، هو: ((يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله))، هو ولي الله الذي يحبه الله، ويحبه رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، هو الذي يجسِّد قيم رسول الله، أخلاق رسول الله، هو أعظم الناس تأثراً برسول الله، واهتداءً برسول الله، واقتداءً برسول الله، وانتفاعاً برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، إلى درجة أن يعبِّر النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” عن هذه الصلة، عن هذا الارتباط، عن هذه العلاقة، عن هذا التأثر بأكمل عبارةٍ عندما قال: ((عليٌّ منِّي، وأنا من عليّ))، وحينما قال أيضاً مخاطباً لأمير المؤمنين “عليه السلام”: ((أنت منِّي، وأنا منك))، فكأنه نسخة مصغرة من رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، انطبعت بطابع رسول الله في أخلاقه، في إيمانه، في تقواه، في مكارم الأخلاق… في بقية أمور الكمال الإيماني، ((إلَّا أنَّه)) في حديث المنزلة ((لا نبي بعدي)).
في مرتبته، ودوره، ومسؤوليته، ومقامه، أتى حديث المنزلة، المعروف بين الأمة في مختلف مصادرها المعتبرة لديها بحسب تنوع مذاهبها، وهو قول رسول الله “صلوت الله عليه وعلى آله” لعليٍّ “عليه السلام”: ((أنت منِّي بمنزلة هارون من موسى، إلَّا أنَّه لا نبي بعدي))، له هذه المنزلة في كماله، في مقامه، في عظمته، في إيمانه، في مرتبته الإيمانية في واقع الأمة، وفي دوره، في مسؤوليته، في جهده، في طبيعة الدور الذي له في هذه الأمة، وعلى أساسه يفترض أن تُبنَى علاقة الأمة به، ونظرتها إليه.
هذا هو أمير المؤمنين عليٌّ “عليه السلام” في هذا المقام العظيم، فهو يصل بالأمة، يصلها من موقع كماله للقدوة، وجدارته بالهداية، وأصالته في الامتداد، يصلها بولاية رسول الله وولاية الله “سبحانه وتعالى”، يسير بها على أساس منهج الله الحق، بشكلٍ نقيٍ، بشكلٍ صحيح، بشكلٍ سليم، وهذا ما تحتاج إليه الأمة؛ لأنها تواجه مخاطر الزيف، مخاطر الاختراق، وصولاً إلى السيطرة عليها، والانحراف بها في ولاية أمرها، وفي ولاءاتها، وفي مواقفها، وفي توجهاتها، وهذا ما حرص عليه أعداء هذه الأمة منذ وقتٍ مبكر.
كلمة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة ذكرى يوم الولاية 18-12-1443 هـ 17-07-2022
المصدر: المسيرة