تاريخياً، تهوى القوى السياسية اللبنانية ربط الإستحقاقات المحليّة بالتطورات الخارجيّة، الأمر الذي كان قد طغى في السنوات الماضية، لا سيما مع دخول البلاد أزمة غير مسبوقة على المستويين المالي والإقتصادي، يتفق الجميع على أنّ خلفياتها سياسية بالدرجة الأولى.
إنطلاقاً من ذلك، كانت هذه القوى تربط “الحلّ” المنتظر بالكثير من الإستحقاقات التي تحصل على مستوى المنطقة أو العالم، دون أن تسلّم بمعادلة أن ذلك قد لا ينجح في المرحلة الراهنة، فهي، من حيث المبدأ، عاجزة عن إبتكار أي حل داخلي، وبالتالي ليس أمامها إلا الإستمرار بالرهانات نفسها.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، إلى أنّ التطور الأبرز الذي كانت تظنّ هذه القوى، بغضّ النظر عن قراءة كل منها له، أنه سيكون عاملاً حاسماً في الإستحقاق الرئاسي هو الإتفاق السعودي الإيراني برعاية صينيّة، وهو ما كان قد دفع قوى الثامن من آذار إلى إستعجال الإعلان عن تبني ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجيّة لرئاسة الجمهوريّة.
من وجهة نظر هذه المصادر، تلك القوى كانت مقتنعة بأنّ تطور العلاقة بين الرياض وطهران سيقود حتماً إلى إنعكاسات على الملفات العالقة بين الجانبين، وبالتالي من المفترض أن يكون له تداعيات مباشرة على الملفّ اللبناني، وبالتالي بعد ذلك التحوّل لن يكون من الصعب توقّع حصول تسوية محلّية تصب لصالحها، في حين كانت القوى الأخرى، بالرغم من تسليمها بنظريّة التداعيات، تعتبر أنها لن تكون لصالح الفريق الآخر، وبالتالي هي تستطيع الإستمرار برفض الترشيح المذكور.
ويقول الكاتب اللبناني ماهر الخطيب انه على الرغم من ذلك، لم تظهر الأيّام أنّ الإتفاق بين الرياض وطهران قادر على معالجة ملفّات المنطقة العالقة، لا بل يمكن الحديث عن أن الأمور لا تزال على حالها، بالرغم من تراجع حدّة مواقف الجانبين، بدليل ما يحصل على مستوى الملفّ اليمني بشكل أساسي، في وقت كانت قد برزت أزمة جديدة تتمثل بالخلاف حول حقل “الدرة” بين الكويت والسعودية وإيران، أما بالنسبة إلى الملف السوري فقد ظهرت العديد من العراقيل، التي “فرملت” من الإندفاعة العربيّة بإتجاه دمشق.
في هذا الإطار، تلفت المصادر السياسية المتابعة إلى أنه، في الأسابيع الماضية، عادت الرهانات على إمكانيّة الذهاب إلى إتفاق أميركي إيراني جديد، بالرغم من أنّ هذه ليست المرة الأولى التي ترتفع فيها الآمال، بإمكانية التوصل إلى مثل هذا الإتفاق، قبل أن تعود الأمور إلى نقطة الصفر من جديد، لكن هذا الواقع يؤكد أن الأفرقاء اللبنانيين يستمرّون في النهج نفسه الذي، على الأرجح، لن يقود إلى أي نتيجة تذكر في المدى القريب.
هذا الواقع، لا يدفع هذه المصادر إلى التقليل من أهميّة التطورات التي من الممكن أن تحصل على المستويين الإقليمي والدولي، بل على العكس من ذلك هي ترى أنّها ستكون عاملاً مؤثراً في الملف اللبناني، لا سيّما في ظلّ تشارك العديد من الأفرقاء الخارجيين النفوذ في هذه الساحة، لكنها تشير إلى أنّ واقع الأزمة المحلّية قد لا يحتمل البقاء ضمن دائرة الإنتظار طويلاً، وبالتالي من المفترض أن البحث عن حلول سريعة.
في المحصلة، أبرز ما ينتظره الأفرقاء المحليون، في المرحلة الراهنة، هو أن يعود المبعوث الرئاسي الفرنسي بطرح عملي في زيارته الثانية إلى بيروت، بالرغم من أن سقف التوقعات كان قد تراجع بعد الزيارة الأولى، لكن في المقابل لا ينبغي تجاهل وقع الملفات المحلية التي تتصاعد، وقد يكون أبرزها إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 31 تموز الحالي، بالإضافة إلى التطورات القائمة على مستوى الجبهة الجنوبية.