تعترف معظم وسائل الإعلام والأحزاب الصهيونية المعارضة أو الموالية لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، بأن إسرائيل قد هُزمت سياسيًا في الاشتباكات الأخيرة في المسجد الأقصى.
وبناءً على تقييم وتحليل وسائل الإعلام الصهيونية، يمكن وصف أضرار الكيان الصهيوني في الاشتباكات الأخيرة مع الفلسطينيين في المسجد الأقصى المبارك على النحو التالي.
– أولاً، بدأت فصائل المقاومة الفلسطينية باستراتيجية جديدة، خطةً لدعم أبناء القدس والمسجد الأقصى من بعيد. بحيث إنه لم ترد هذه الفصائل في البداية على استفزازات واعتداءات الکيان الصهيوني في القدس والمسجد الأقصى المبارك، وعبر إطلاق الصواريخ من قطاع غزة.
وبدلاً من ذلك، وبدعم من فصائل المقاومة، أطلق شباب القدس، وكذلك الفلسطينيون في الضفة الغربية ومناطق فلسطينية أخرى، نضالاً شاملاً ضد الجيش والمستوطنين الصهاينة المتطرفين.
ونصب شبان فلسطينيون كميناً في مناطق مختلفة حول المسجد الأقصى عندما هاجم متطرفون يهود المکان المقدس، ما تسبب في إصابات خطيرة، وكذلك تعطيل حركة النقل العام الصهيوني.
– وفي الخطوة التالية، عندما اقتحم حرس حدود الکيان الصهيوني المسجد الأقصى، عرضت فصائل المقاومة صوراً لجرائم الکيان الصهيوني بحق الفلسطينيين داخل المسجد الأقصى أمام المسلمين في جميع أنحاء العالم.
حيث قامت قوات شرطة الکيان الصهيوني بضرب الشبان الفلسطينيين في المسجد الأقصى، ومنعهم من أداء شعائرهم الدينية في شهر رمضان. إن جرائم المستوطنين والجنود الصهاينة في المسجد الأقصى وتدنيس هذا المكان المقدس، تثير غضب كل مسلم وكل حر في العالم.
– أثار العدوان الصهيوني في القدس والمسجد الأقصى ضد الفلسطينيين، رد فعل الشعوب الإسلامية حتى في دول التسوية. وأدركت بعض الأنظمة العربية المطبعة، مثل الإمارات والبحرين ومصر والمغرب، التي حضرت مؤخرًا اجتماع النقب باستضافة الکيان الصهيوني، أنها لا تستطيع تبرير جرائم الکيان لشعوبها.
كما تؤخر هذه الأحداث تطبيع دول مثل السعودية التي تزعم أنها تقود العالم الإسلامي. وأنظمة التسوية قلقة الآن من تعريض وضعها في المجتمع العربي والإسلامي للخطر، وخاصةً أن الفلسطينيين في المنطقة لا يعتبرون سوى إيران نصيرهم.
– إضافة إلى ذلك، تمكنت حماس مرةً أخرى من إرباك الرأي العام الصهيوني، والآن هناك صراع واسع النطاق بين بعض الأحزاب اليهودية التي تدعو إلى تقديم عدد من التسهيلات للفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، مع المتطرفين الإسرائيليين اليمينيين الذين يعتقدون أن العدوان على الفلسطينيين والعرب يجب أن يتزايد قدر الإمكان.
في غضون ذلك، فقد المستوطنون الصهاينة إحساسهم بالأمن، وهم قلقون من بدء موجة جديدة من العمليات الاستشهادية الفلسطينية.
– من ناحية أخرى، توصل الخبراء السياسيون في الكيان الصهيوني إلى نتيجة مفادها بأن إسرائيل، رغم كل التجارب والدروس المستفادة من الماضي، ما زالت تقع في البئر الذي تحفره حماس والجهاد الإسلامي لها، ومع ذلك فإن السلطات الإسرائيلية لا تتخلى عن الحلم.
إنهم يعتقدون أنه طالما يوجد يهود متطرفون في إسرائيل(فلسطين المحتلة)، يجب على الإسرائيليين الاستمرار في الانخراط في الصراع ودفع الثمن الباهظ. وحسب الخبراء الصهاينة، فإن أي تحالف واتفاق يتم التوصل إليه مع الدول العربية سيختفي بمرور الوقت، ولا يمكنه إخراج الإسرائيليين من هذا الوضع الصعب والإشكالي.
وفي هذا الصدد، قال أمنون لورد كان، المحلل السياسي الصهيوني في صحيفة هيوم الإسرائيلية، إن “الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بذلت قصارى جهدها للسيطرة على نفسها ومواجهة هجمات المقاومة الفلسطينية بالوسائل الدفاعية فقط، ولكنها تدفع الثمن في النهاية في الساحة السياسية؛ لأن الأزمة التي تنشأ بعد هذه الصراعات هي زلزال لإسرائيل، ويمكن للفلسطينيين أن يعرضوا العملية السياسية الإسرائيلية للخطر”.
وأضاف الخبير الصهيوني إن الموضوع الآخر الذي يثير الدهشة، هو رد الفعل الأمريكي على الأحداث الأخيرة. حيث إنه بدلاً من دعم إسرائيل، انتقد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عنف المستوطنين الإسرائيليين ودخول الجيش الإسرائيلي إلى المنطقة “أ” في الضفة الغربية.
كما نرى أن روسيا اتخذت موقفاً ضد إسرائيل خلال الأزمة الأوكرانية، ويمكنها استخدام الورقة الفلسطينية لاكتساب الشرعية الدولية ضد أوروبا والولايات المتحدة في العالم.
ونشرت صحيفة “هآرتس” الصهيونية مقالاً بهذا الشأن، جاء فيه أنه بعد الأحداث الأخيرة يبدو أننا سنشهد صراعًا داخليًا بين الإسرائيليين وحربًا دينيةً بينهم. وخاصةً في ظل اعتداءات أنصار الحركة الصهيونية المتطرفة على المسجد الأقصى، والخلاف القائم بين مختلف الأحزاب اليهودية حول المسجد الأقصى وأهداف احتلال الصهاينة له. وقد تؤدي هذه الأحداث أيضًا إلى توقف العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.
من ناحية أخرى، يُظهر تقييم الإعلام الصهيوني والمحللين الصهيونيين أن نفتالي بينيت وأعضاء تحالفه لا يمكنهم الانطلاق في مغامرة جديدة في فلسطين لسببين.
السبب الأول هو أن الصهاينة يعرفون أن حماس والجهاد الإسلامي وفصائل المقاومة الأخرى أقوى بكثير في المرحلة الحالية مما كانت عليه من قبل، وقد أظهروا هذه القدرة في معركة سيف القدس في مايو من العام الماضي.
والسبب الثاني هو أن الولايات المتحدة، باعتبارها الداعم الأول للکيان الصهيوني في أي حرب أو صراع، متورطة الآن في حرب أوكرانيا مع روسيا وليس لديها فرصة لمواجهة تحديات تل أبيب.
وإدراكًا لهذا الوضع، اضطرت حكومة نفتالي بينيت إلى إلغاء ما يسمى بمسيرة العلم الصهيوني، لمنع تكرار الحرب بين الصهاينة وفصائل المقاومة والشباب الفلسطيني.
وفيما يحاول الصهاينة منع المواجهة مع الفلسطينيين، يبقی الخيار التالي قائماً، وهو احتمال نشوب صراع داخلي بين المتطرفين الصهاينة وأحزاب يهودية أخرى.
وفي مثل هذه الظروف، لن تبقی فصائل المقاومة مکتوفة الأيدي بالتأكيد، بل ستعزز قدراتها للدخول في مرحلة مواجهة شاملة مع الكيان الصهيوني، وربما تزيد التنسيق والتعاون مع مختلف أطراف محور المقاومة.
* الوقت