لا شكّ في أن مهمة تشكيل الحكومة الجديدة لن تكون صعبة أمام نتنياهو، إذ تُعَدّ الإشكاليات في توزيع الحقائب الحكومية أمراً سهلاً لفريقه الحزبي.
بعد بروز النتائج شبه النهائية لانتخابات الكنيست، عام 2022، في “دولة” الاحتلال، وتقدّم اليمين بصورة واضحة، سيبدأ زعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، خطوات تشكيل حكومته اليمينية الخالصة مع حلفائه الطبيعيين، وهم الأحزاب اليمينية المتطرفة، وأبرزها أحزاب “الصهيونية الدينية” المتطرفة والفاشية، وسط تساؤلات بشأن طبيعة سياسات الحكومة المستقبلية في ضوء هذه الأحزاب.
الأحزاب اليمينية المتطرفة ترى أهمية في عودة نتنياهو إلى رئاسة الوزراء، لأنه يحقق لها مصالحها السياسية والاجتماعية والدينية، على عكس أطراف من الائتلاف الحكومي المنحلّ، التي كانت ترى ضرورة فرض التجنيد الإجباري على المتدينين وتقليص المخصّصات الاجتماعية لهم، وكان يتزعّم هذا الخط أفيغدور ليبرمان.
لا شكّ في أن مهمة تشكيل الحكومة الجديدة لن تكون صعبة أمام نتنياهو، إذ تُعَدّ الإشكاليات في توزيع الحقائب الحكومية أمراً سهلاً لفريقه الحزبي، الذي سيفاوض الأحزاب اليمينية، وخصوصاً في ظل رغبة كبيرة لدى تلك الأحزاب في العودة إلى الحكومة، بعد أن جرّبت تضرّر مصالحها عندما كانت في المعارضة.
قد يكون حزب “الصهيونية الدينية” وزعيماه، بتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير، أكبر عقبة أمام نتنياهو في ظل مطالبتها بوزارتي الجيش والأمن الداخلي، التي يرغب نتنياهو في أن تكونا من نصيب حزب الليكود. ومن التجربة، فإن نتنياهو ليس لديه مشكلة في أن يتولى أي منهما إحدى الوزارتين، كما فعل سابقاً مع أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت، عندما أعطاهما حقيبة وزارة الجيش، بحيث كانت القرارات الأمنية والعسكرية في يد نتنياهو، من دون أن يتحمّل مسؤولية أيّ فشل.
برنامج الحكومة
من خلال قراءة البرامج الانتخابية لجميع الأحزاب التي ستشكل حكومة نتنياهو، لا يمكن لأحد أن ينكر أن برنامجها سيكون متطرفاً في كثير من القضايا السياسية والميدانية تجاه الفلسطينيين، إذ إن أغلبية الأحزاب لا تؤمن بأي سلام أو مفاوضات أو حلول مع الفلسطينيين، كما أن جزءاً منها يؤمن بضرورة ضم الضفة الغربية وتنفيذ “صفقة القرن”، وفق الرؤية الصهيونية، وتغيير الواقع في المسجد الأقصى، وتطبيق التقسيم فيه، زمانياً ومكانياً.
عودة نتنياهو إلى سدة الحكم من جديد تعني أن العلاقات الإسرائيلية الأميركية لن تكون في أفضل حالاتها، بل سيسودها التوتر الشديد، ما لم يسعَ نتنياهو لاسترضاء البيت الأبيض، وخصوصاً أن رؤية الرئيس الأميركي جو بايدن تتباين عن رؤية نتنياهو. وعليه، فإن خطوات فظة وفجة من جانب حكومة نتنياهو ستعارضها الإدارة الأميركية، التي تريد استمرار الهدوء في المنطقة، في ظل تركيزها على مجابهة القوتين الروسية والصينية.
على المستوى الفلسطيني، فإن عودة نتنياهو ستكون سوداوية بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، التي سيزداد الضغط عليها، وستزداد الجهود الإسرائيلية لتقويضها، تزامناً مع زيادة المطالب لها بتكثيف التنسيق الأمني ومحاربة المقاومة في الضفة، لكن من دون أن يكون هناك أفق أو أمل بشأن حلول سياسية أو تفاوضية.
في الجانب الآخر، وفي قطاع غزة، فإن حكومة نتنياهو لن تكون معنية بتفجّر الأوضاع من جديد، إذ يُتوقَّع أنها لن توقف التحسينات الاقتصادية، وستحاول مواصلة السياسة السابقة لضمان أطول فترة هدوء، لكنها ستركز جلّ اهتمامها على الوضع في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، حيث ستسعى لاجتثاث المقاومة المتنامية في الضفة، والاعتراف بمزيد من المستوطنات وتوسعتها وضم مزيد من أراضيها إلى “دولة” الاحتلال، ونقل إدارة المستوطنات إلى الوزرات المعنية بعد أن كانت تابعة للإدارة المدنية في الجيش.
المواقف الدولية
المواقف المتطرفة للحكومة اليمينية بقيادة نتنياهو قد تجلب، خلال الفترة المقبلة، سلسلة من الانتقادات والمواقف السلبية، وخصوصاً لدى الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي وروسيا، لأن كثيراً من المواقف سيؤدي إلى أحداث لا ترغب فيها هذه الأطراف. فالإدارة الأميركية – التي أعلن مسؤولون فيها أنهم لن يتعاملوا مع إيتمار بن غفير في حال أصبح وزيراً في الحكومة – تريد، بصورة واضحة، استمرار الوضع على ما هو عليه من دون وجود مواجهات عسكرية تؤثر في توجهاتها في المنطقة، إذ تخشى الإدارة الأميركية تَوُجُّهَ الحكومة الجديدة، نتيجةَ ضغط من المتطرفين، إلى إحداث تغييرات في الوضع القائم في المسجد الأقصى، الأمر الذي سيؤدي إلى مواجهة عسكرية جديدة مع الفلسطينيين.
سوء العلاقات بين حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس بايدن لن يكون عائقاً أمام استمرار حركة التطبيع بين “دولة” الاحتلال والدول العربية والإسلامية، إذ سيسعى نتنياهو لزيادتها وإحداث اختراقات جديدة على صعيدها، ليسوّق نفسه داخلياً بأنه الأجدر بقيادة “دولة” الاحتلال، باعتباره يخدم أهدافها الاستراتيجية عبر دفع مسيرة التطبيع.
بينما سيكون الاتحاد الأوروبي منزعجاً في ظل توجُّه الحكومة الجديدة إلى إضعاف السلطة الفلسطينية، وتسارع عمليات الاستيطان، وضم جزء من الضفة الغربية، والاعتراف بالمستوطنات الجديدة وتوسعتها.
أمّا فيما يتعلق بروسيا، فسيكون لتنفيذ نتنياهو وعوده بدراسة إمكان إرسال السلاح الإسرائيلي إلى أوكرانيا، وخصوصاً المنظومات الدفاعية، تأثيراتٌ سلبية، وربما خطوات روسية خطيرة، ضد “دولة” الاحتلال، على الرغم من تصريحات نتنياهو بأنه يتوقع أن يُطلب إليه القيام بدور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، خلال الفترة المقبلة.
الاتفاق مع لبنان
على الرغم من انتقادات نتنياهو قرارَ ترسيم الحدود مع لبنان، ووصفه “بالمخزي”، وأنه “رضوخ لمطالب حزب الله بالسماح لإيران بالتنقيب عن الغاز قبالة السواحل الإسرائيلية”، فإن إلغاءه هذا الاتفاق، أو محاولة الالتفاف عليه، ستؤدي إلى تفجُّر الأوضاع، وإلى تأزم علاقاته بالإدارة الأميركية. وفي حال كان نتنياهو يرغب في استرضاء الإدارة الأميركية، وعدم التصعيد معها، كأحد أول الأهداف له في بداية حكومته، فلن يذهب إلى خطوات ضد هذا الاتفاق.
لن يذهب نتنياهو إلى خطوات صعبة عند استلامه رئاسة الحكومة المقبلة، مع نهاية الشهر الجاري، مثل التراجع عن اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان، لكنه ربما سيحاول الالتفاف على بعض البنود التي تم الاتفاق عليها، بتعهدات أميركية، من أجل ضمان عدم الذهاب إلى مواجهة عسكرية.
وسيكون دافع نتنياهو إلى قبول الاتفاق مع لبنان هو عدم رغبته في إغضاب الإدارة الأميركية، في ظلّ مؤشرات على أن ذهابه إلى تنفيذ وعوده بشأن عدد من الملفات سيؤدّي إلى أزمة كبيرة. ومن ناحية أخرى، فإن للحسابات الأمنية والعسكرية رأياً مهماً في تثبيت الاتفاق مع لبنان، إذ إن قضية ترسيم الحدود مع لبنان مرتبطة بالمصالح الأمنية العليا لـ”دولة” الاحتلال، ولجيش الاحتلال موقف مهم في هذا الخصوص، في ظل حساباته بشأن إمكان تفجر الأوضاع واندلاع مواجهة عسكرية مع لبنان.
المصدر: الميادين