ملامح الصراع الحضاري في ضوء خطاب السيد الأخير
العين برس/ مقالات
يحيى الشامي
أكثر منها مأتما شهادة يقدمها السيد مناسبة للثورة.. ضرب الحشدُ موعداً مع السيد، ليلقيَ خطاباً فصلاً، أو فصلاً من خطابات الثورة وفصولها. وحين شرع قادمًا من الذكرى طفق مسحاً بالوعي يسرد التاريخ، لا عودةً رجعية، بل عبرةً ثورية، وعظةً قيميّة، وقيمة مبدأية.
كان زيدٌ مضطرًا للخروج، وكان الخروج حتميةٌ تحمي الإسلام.. وقد أوغل هشام بالفسق، وأبدع زيد بالعتق من ربقة الذل وقبضة الطاغي.
يُذكّر السيد بحقيقة.. كم أن التاريخ يُعيدُ نفسه، يكرّر الناسُ أخطاءَهم، ويفرض الطاغي ظلمه إن لم يجد من يردّه ويصدّه؛ ردّاً جميلاً كما حاول زيد، أو دماً عزيزًا غزيرًا.. كما ثار هو وولده وأحفاده.
يستحضرُ السيدُ المواقفَ، ويسترجعُ الحوادث، لا بتواريخ وقوعِها، بل غوصًا في أسبابها حتى الجذور، وعوداً على تمظهراتها حتى اليوم؛ وبين الأسباب الكامنة ومآلاتها البديهية، يطوف السيد ما كان حتى لا يكون من جديد.
من زاوية جديدة يقرأ السيد المشهد:
هشامٌ بمجلسِهِ يُغضي عن شاتم الرسول، ينادمه الفحش والفجور، و زيد كأنه اليوم يقارعه ويفضحه، تتمادى الشتائم من دمشق الأمس أمويةً إلى الغرب اليوم، حرقاً للمصحف وصفحًا عن المجرم وهكذا دواليك، ووحده زيدٌ تمتد ثورته صوتًا يُجلجل يعبر القرون، يكسر الصمت في موقف رسمي تعلنه صنعاء وتتبناه موقفاً يتيمًا وسط موات الأنظمة وتماهي الزعماء وتخاذل الشعوب إلا ممن بقيت فيه بقية الثورة أو أحيت منه نفَسها.
مقارنةً باليوم.. يعودُ السيد إلى المشهد الراهن وعنه يقول: يتجرّأُ الغربُ على كل المقدسات، ويتحرج المسلمون عن الدفاع عن تقديم رموزهم وعن اتباع أعلامهم، يضعون بين البشرية وخلاصها حُجُبًا من الضعف جدرًا من هوان.
ويردفُ السيد: أهان اللوبي اليهودي كل مقدس، وحرّم عن نفسه مجرد النقد المجرد..
ينثر السيد الأسئلة في طريق النهضة على سبيل ثورة إنسانية، دينها الإسلام، وغايتها السلام، سؤال للحث وآخر للبحث ..
أي مقدس يبعثُ غيرة الزعماء، وماذا بعد المصحف و الرسول، و كيف لمن هان عليه هوان المقدسات أن يبقى في الحكم أو يحكم بالحق.
يجعل السيدُ من كل إحياء مناسبةٍ، مناسبةَ حياة.. يهيأ الذاكرة من الذكرى، يجب إن يزدد وعينا بزيد وأن تبلغ الثورة بعزمنا الذروة.. وإن كان في الماضي ما يحبط إلا أن من التاريخ ما يلهم الأجيال ويسهم في التصحيح والإصلاح، فيه ما يكفي من العظات ومن التجارب ما لا يجب أن تتكرر الآن ولا أن تُمرر اليوم.
لا يجلد السيد الذات فينا، بقدر ما يوقظ الضمير ويفتح للنهضة المسارات، قبل أن تحرق ديمقراطية الغرب المصحف مزقه وليدٌ بالأمس، يضع السيد المفارقة التاريخية بين ماض مستهتر من موقع الحاكم وعالم مستهزئٍ من موقع المتحرر والمتحضر.
يمدُّ السيد جسور الوعي لعبور الشعوب خلاصها، مستحضراً في خطاب واحد مكامن أزمة البشرية وكمائن أعدائها اليهود، مرورًا بالمخانق الأخلاقية، عبورًا بسرقات الشعوب ونهب الموارد ومصادرة الحقوق واحتلال الأوطان، كلها يصفها السيد بالمجازر وحروب الإبادة الواقعة على حلقات، وأضعف حلقاتها عالمنا الإسلامي برجع أثر إسلام أمريكي بديل.
يسرد السيد سينات أسئلته تحفيزا للمتأمل تارة، وتارة استنكاراً لشعارات الغرب وإسقاطًا لمنظومته الأخلاقية..
يوضح كيف أكلت الديمقراطية أجزاء منها، وتناقضت الحرية مع بعضها، وتصادمت الحقوق ببعضها، يبني السيد ما هدمه الغرب لدينا ويهدم ما بناه الغرب لنفسه.. في صيرورة الصراع الحضاري في الجزء الواعي من الذات وفي المساحة المستعادة توًا من هيمنة الغرب، يؤكد السيد لسنا في مأمن لكنا لسنا غفلة أنتم على ما أنتم عليه لا تعبدون ما أعبد ولا أنتم عابدون ما أعبد.