إن كنا قد تكلمنا عن الشهداء الأبرار بفخر واعتزاز وعن المرابطين الأخيار بزهو وإجلال، فالواجب علينا أن نقف في حزن وألم ونحن نتذكر أسرانا الذين هم بين يدي الأعداء الظالمين فهم حسرة في القلوب حتى يفرج الله عنهم ويعودوا سالمين، ولو أن السلامة في ظل هذه الظروف ومع عدوان ظالم يعد ضرباً من الخيال، لكنها مشيئة الله وتجلياته ما تدعونا للتفاؤل في كُـلّ مرة، وإن كان في بعدهم ألم ولكنه ألم ما زال فيه أمل لمعرفتنا مكانهم وأنهم ما زالوا أحياء في ركنٍ ما في هذا العالم.
أما من هم مفقودو الأثر فهم الحزن المنصهر في حنايا القلوب، هم الدمع المترقرق في أعين ذويهم، هم الحسرة والتنهيدة التي تنطلق من صوت محبيهم إذَا سئلوا عنهم.
مفقود الأثر هو الذي ليس في الأحياء فيرى ولا في الشهداء فيرثى، مفقود الأثر لا ضريحاً له فيزار ولا عزاءً له فيقام.
مفقود الأثر شهيد حي وحاضر غائب يظل فاقدُه بين الرجاء واليأس منتظراً قدومه إذَا كان هناك قادمون، مقيماً ذكراه في ذكرى الخالدين.
مفقود الأثر هو الحزن المتمكّن الراسخ في القلوب هو الانتظار الطويل دون جدوى، هو الأمل العقيم الذي تمر السنين ولا ينسى ذكره أَو يسأل عنه، مفقود الأثر حاضر بكل المناسبات وبكل الذكريات.
إن أتى ذكرى الأسرى، أتى ذكره على أمل أن يأتيَ يومٌ يسعد أهله بقدومه وعودته مع من عادوا، وأن أتت ذكرى الشهيد أتى ذكره فقد يكون الشهيد الذي لا جثمان له يودع ولا ضريح له يزار، يذكر منهم ولا يعرف أهو بينهم ليهدأ الفؤاد ويسلوا عنه وقد أصبح في جنان الخلد، أم هو حي في مكان من الأرض لا يعرف عنه شيء أهو سليم معافى أم دفن سقيم ويظل يذكر مع هذا وذاك؟
مفقـود الأثر غُصَّةٌ عالقة ودمعة واقفة وألم مكتوم مكبوت في الصدور، وقدر موجع مؤلم، إنه التوقُّفُ بين الحياة والموت، إنه اللا حياة واللا موت له ولمنتظريه.
مفقود الأثر هو لوعة الأم المرتقبة لولدها يطرق بابها الرافضة غير المستمعة لأي قول غير أنه قادم ذات يوم وأنها هي من ستفتح له الباب وتكون أول محتضنة لفقيدها الذي أجمع الجميع على فقدان الأمل من عودته إلا هي ما زالت منتظرة.
مفقود الأثر هو الحنينُ المكتوم في قلب زوجته الآملة في عودته والتي هي في غيابِه مفقودة الأثر مثله مفقودٌ شبابُها وصباها حزينة خزانة ملابسها متألمة، الكحل في عينيها فهي المفقودة الموجودة هي الأسيرة الحرة هي المكبلة من غير أصفاد فقد حكم عليها القدر بالفقد لحياتها كما حكم به على فقيدها.
مفقود الأثر يظل أطفاله في انتظار ما يرون عليه أمهم منتظرة له وتظل كلمتهم وهم يمرحون مع أقرانهم عندما يأتي أبي وَإذَا أتى أبي، يلعبون مع ذويهم وهم في ترقب وفرح لما سيحدث عندما يعود فقيدهم.
مفقود الأثر قصة بطلها المفقود ومؤدي أدوارها أهله وذويه، مفقود الأثر قصة انتظار كتبها الألم، وانتجها الوجع، وأخرجها اليأس وتعرض على مسرح الأمل؟
“كالعِيْسِ في البيداءِ يَقتلها الظَّمأ ** والماءُ فوقَ ظهورِها محمولُ”.
المصدر: موقع انصار الله