مفاوضات وقف اطلاق النار في غزة… الانقلاب الأميركي-الاسرائيلي على الحل
العين برس/ مقالات
سمية علي
لم تحمل المفاوضات شيئاً. حتى ما حُكي في الأيام الأخيرة عن أنها ستحمل ما يسد فجوات الجولات السابقة لم يكن سوى كذب. اتسعت الفجوات، بحجم وحشية العدو في غزة، اتسعت ولم تجد من يسدها حقاً، إذ إن من قال إنه يريد ذلك ومن بيده هذا القرار، لا زال متعنتاً يعرقل ويتكبر ولو أن الثمن توسع الحرب.
المعادلة بسيطة. المقاومة الفلسطينية منذ بدء مسار المفاوضات كانت واضحة في ثوابتها وشروطها لاتمام أي صفقة تبادل للأسرى: انسحاب كامل لجيش الاحتلال من قطاع غزة، وقف دائم لاطلاق النار، وإعادة الأعمار. ومع ابدائها مرونة لا تمس بخطوطها الحمراء، بالموافقة في تموز/يوليو على ما سُمي بورقة بايدن، وذلك لإنهاء الحرب وايقاف مسلسل القتل بحق أهل غزة، توضحت نوايا العدو وحليفه الأميركي أكثر، والتي تدركها المقاومة جيداً وهي المضي بحرب الإبادة.
ما حدث خلال الأسبوع الأخير كان دليلاً دامغاً على ذلك. مناورة جديدة، تكثر أهدافها وأسبابها بحسب التحليلات، من شراء الوقت، إلى فرملة الرد الايراني المرتقب على جريمة قتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية على أرضها، إلى محاولة تحصيل تنازلات من المقاومة تحت ضغط المجازر وتوسيع كثافة القصف على مناطق واسعة في غزة. ومع الايحاء بارتفاع، خصوصاً من الوسطاء (مصر، قطر، الولايات المتحدة)، بمعطيات جديدة يعوّل عليها لايقاف الحرب، تبين أن هذه المعطيات ليست سوى “انقلاباً على ورقة بايدن”، كما أعلنت حركة حماس، وخضوعاً لشروط نتنياهو، الذي أعلن أمس الثلاثاء لعائلات رهائن محتجزين في قطاع غزة أنه “لست متأكداً من أنه ستكون صفقة، لكن إذا تم التوصل إلى صفقة، فستكون صفقة تحافظ على المصالح التي أكررها باستمرار، وهي الموارد الإستراتيجية الإسرائيلية”. وبهذا أكد نتنياهو لعائلات أسراه أن هؤلاء لا زلوا خارج أولوياته الآن، بالرغم من إعلانهم أن “المسؤولية الكاملة والمباشرة لإدارة المفاوضات ومصيرها تقع على عاتق نتنياهو، وأنه يقتل المختطفين ويقلل فرص إعادتهم أحياء”، في وقت أفادت فيه التقديرات الإسرائيلية أن خمسة على الأقل من بين الأسرى الستة الذين أعيدت جثثهم منذ يومين من خانيونس (جنوبي القطاع)، توفوا اختناقًا في نفق كانوا محتجزين فيه، بسبب حريق اندلع نتيجة هجوم لجيش الاحتلال.
ما هي “الموارد الاستراتيجية” التي تحدث عنها نتنياهو؟ قال الأخير إنه “لن نخرج من محور فيلادلفيا ومحور نيتساريم”، وبهذا صفعة كبيرة للمسار التفاوضي القائم حالياً، حتى بات يطرح سؤال حول جدوى إقامة جولة ثانية في العاصمة المصرية القاهرة، المتوقع انعقادها نهاية الأسبوع الحالي (الخميس أو الجمعة)، وذلك مع قول مصادر في القاهرة لوسائل إعلام إن “محاولات مصر إقناع حركة حماس بالموافقة على الاتفاق المعروض عليها، لا تبدو قائمة على منطق قوي لدى مسؤولي التفاوض، لأن الشروط التي صيغت الآن أصبحت مجحفة بشكل أكبر”. كما ذكرت “القناة 13” الإسرائيلية أن اللواء نيتسان ألون، المكلف من قبل جيش الاحتلال بملف المفاوضات، لم ينضم إلى الوفد الإسرائيلي الذي أجرى محادثات في القاهرة خلال اليومين الماضيين. وبرر ألون ذلك بـ”عدم وجود جدوى في ظل عدم مرونة نتنياهو بشأن قضية محور فيلادلفيا وممر نتساريم”، قائلاً في الغرف المغلقة، “إذا لم يكن هناك مرونة في هذه القضية الأساسية، فلا جدوى من الذهاب إلى مصر”.
أكد فريق كيان العدو المفاوض أن “تصريحات نتنياهو، التي تؤكد استمرار السيطرة على محور فيلادلفيا وممر نتساريم، تتناقض مع التقدم الذي تم إحرازه مع الوسطاء”، حسب قول هيئة البث العام الإسرائيلية.
أكد فريق كيان العدو المفاوض أن “تصريحات نتنياهو، التي تؤكد استمرار السيطرة على محور فيلادلفيا وممر نتساريم، تتناقض مع التقدم الذي تم إحرازه مع الوسطاء”، حسب قول هيئة البث العام الإسرائيلية.
وفي هذا الاطار، قالت هيئة البث الإسرائيلية إن الاجتماع بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس الوزراء “لم ينجح في تقليص الفجوات ولم يحرز تقدماً بشأن الصفقة”، مضيفة أن “الخلافات بشأن القضايا العالقة لم تحل رغم التصريحات الأميركية المتفائلة”.
ماذا فعل بلينكن إذاً؟ الأخير وبكل وضوح يعكس سياسة بلاده ذي الوجهين، من جهة، تبن واضح لشروط نتنياهو، وإلا لماذا تمّ الخروج بورقة جديدة ولم يتم التفاوض على ورقة بايدن التي أكدت المقاومة قبل جولة الدوحة الأخيرة قبولها بها، وأن أي تفاوض خارج مضامينها ليس مقبولاً؟ ومن جهة ثانية، مراوغة واضحة برزت بشكل فاقع بالأمس مع وصف مسؤول أميركي كبير لعدّة وكالات إخبارية عالمية، تصريحات نتنياهو بـ”المتشدّدة” و”غير البنّاءة”، مؤكداً أنه “لا صحة للتقارير عن أن بلينكن اقتنع في اجتماع مع نتنياهو بمطلب “إسرائيل” البقاء في فيلادلفيا”، متوقّعاً “استمرار المحادثات الرامية إلى وقف إطلاق النار هذا الأسبوع”.
كيف لم يقتنع بلينكن؟ أو بكلام أكثر مباشرةً لماذا الإنكار بأن ما أعلنه نتنياهو ليس قناعة أميركية ايضاً؟ هو بلينكن الذي صرّح بالأمس من مطار العاصمة القطرية الدوحة في ختام جولته التاسعة في المنطقة منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/اكتوبر التي تضمنت زيارة لمصر وقبلها للأراضي المحتلة، صرّح أن ” نتنياهو وافق على مقترح الصفقة وعلى حماس أن توافق”، مضيفاً أن “مصر وقطر تعملان على تفسير البنود الغامضة لتتفهمها حماس وتوافق على الاتفاق كما وافقت عليه “إسرائيل””. لا تحتاج المقاومة إلى من يفسّر لها املاءات بلينكن ونتنياهو، أعلنت أن “هذه التصريحات تعد ضوءا أخضر أمريكيا متجدّداً، لحكومة المتطرفين الصهاينة، لارتكاب المزيد من الجرائم بحقّ المدنيين العزّل، وسعياً وراء أهداف إبادة وتهجير شعبنا”، موضحة أن “العرض الأخير يُعَد استجابة ورضوخاً أمريكياً لشروط الإرهابي نتنياهو الجديدة”.
المصدر: موقع المنار